تقارير

كيف تستخدم الصين طفرات الاحتياطيات النقدية ؟

المركزي
المركزي

تعد الصين أكبر دولة مالكة لاحتياطيات النقد الأجنبي في العالم، بحجم احتياطيات تبلغ 3 تريليونات دولار متفوقة بذلك على جميع دول العالم , تحول الصين لظاهرة استثنائية نتيجة الارتفاع المستمر في حجم الاحتياطيات النقدية الصينية، سواءً من حيث القيمة المطلقة أو من حيث نسبتها إلى الاحتياطيات النقدية العالمية يفتح باب التساؤلات حول أسباب الصين فى الاحتفاظ بهذا القدر من الفوائض مقارنة بالدول الأخرى

سجلت مسارات الاحتياطيات النقدية الصينية تحركات لافتة خلال الاثني عشر عامًا الماضية، وبالتحديد منذ عام 2006 حتى عام 2018، حيث تخطت تلك الاحتياطيات مستوى التريليون دولار لأول مرة في عام 2006، مسجلة 1.07 تريليون دولار، وهو ما مثّل في حينه نحو 20% من الاحتياطيات النقدية العالمية التي بلغت 5.25 تريليونات دولار. وكانت هذه أيضًا هي المرة الأولى التي تتعدى فيها نسبة الاحتياطيات النقدية الصينية مستوى 20% فما فوق من إجمالي الاحتياطيات النقدية العالمية. ومن ثم استمرت الاحتياطيات الصينية في الارتفاع في السنوات التالية، إلى أن بلغت 3.84 تريليونات دولار في عام 2014، وهو أعلى مستوى لها على الإطلاق، متجاوزة بذلك ما نسبته 33% من إجمالي الاحتياطيات النقدية العالمية، البالغة 11.59 تريليون دولار آنذاك.

وبرغم تراجعها بشكل نسبي خلال السنوات التالية، فإن الاحتياطيات النقدية الصينية لم تنخفض عن مستوى 3 تريليونات دولار إلا في عام واحد هو عام 2017، حيث بلغت 2.99 تريليون دولار، بما ناهز ما نسبته 26% من إجمالي الاحتياطيات النقدية العالمية التي بلغت 11.43 تريليون دولار في حينه. ومن ثم سجلت الاحتياطيات الصينية ما يقدر بنحو 3.18 تريليونات دولار في عام 2018، بنسبة 27% من الاحتياطيات العالمية البالغة 11.59 تريليون دولار، وهو نفس مستوى الاحتياطيات العالمية لعام 2014.
وأعلن بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) أن احتياطي الصين من النقد الأجنبي بلغ 3.1097 تريليون دولار في أغسطس الماضي، بانخفاض 0.26% أو 8.2 مليار دولار مقارنة مع شهر يوليو السابق عليه.

على مدار العقد الماضي تمكنت الصين من الحفاظ على وتيرة الصعود السريع لمكانتها الدولية من خلال معدلات استثنائية للنمو الاقتصادي، والتطور التكنولوجي، بالتوازي مع التوسع في الاستثمارات الصينية في مختلف أرجاء العالم، وتنفيذ مشروعات عالمية ضخمة، مثل “مبادرة الحزام والطريق” التي اعتبرها البعض “نسخة صينية جديدة من العولمة” وبداية هيمنة الصين على النظام الدولي.
تُعتبر الاحتياطيات النقدية الوفيرة الآن هي وسيلة تستخدمها الحكومة الصينية في تمويل توسعها الاستثماري حول العالم، وتطبيق خططها المتعلقة بمبادرة “الحزام والطريق”، وهو ما يجعل تلك الاحتياطيات بمثابة الآلية الفعالة في يد الصين لترسيخ نموذجها الجديد من العولمة الذي تُطلق عليه اسم “العولمة الصينية”.
كما يمثل المحدد الاقتصادي الأولوية الأولى للسياسة الخارجية الصينية تجاه معظم دول العالم، فخلال العقود الماضية توسعت الصين في “دبلوماسية الديون” بإقراض دول متعثرة لتعزيز مكانتها الدولية. ولهذا فإن العلاقات الصينية-العربية، وفي القلب منها الخليجية، تركز على التعاون الاقتصادي لتلبية احتياجاتها المتزايدة من إمدادات الطاقة، والإفادة من عوائد التعاون الاقتصادي في مجالات البنية التحتية، والتصنيع، ونقل التكنولوجيا الإنتاجية، والطاقة، والطاقة النووية، والزراعة، والتكنولوجيا الدقيقة، والتعاون المالي والتجاري، وتبادل الاستثمارات.

ومن خلال التطورات التي طرأت على الاحتياطيات النقدية الصينية خلال العقد الأخير، يمكن رصد أمرين الأول أن هذه الاحتياطيات تبنت نفس الاتجاه العام للتغيرات التي طرأت على الاحتياطيات النقدية العالمية ككل خلال نفس الفترة. وإذا كان ذلك يعني أن الاحتياطيات الصينية تعرضت للتراجع كأحد الخسائر التي تعرض لها الاقتصاد الصيني خلال مراحل الركود المالي العالمي، فإن ارتفاع الاحتياطيات الصينية في وقت ارتفاع الاحتياطيات العالمية مثل مكسباً مهماً للاقتصاد الصيني، إذ أنه يدل على أن هذا الاقتصاد حصل على نصيبه من التدفقات النقدية عبر الحدود الدولية.

أما الثانى فيتعلق بوتيرة الارتفاعات التي طرأت على الاحتياطيات الصينية خلال الفترة 2000-2014، والتي كانت أعلى منها بالنسبة للاحتياطيات العالمية؛ فبينما بلغ متوسط معدل النمو السنوي للاحتياطيات الصينية نحو 26% خلال تلك الفترة، فإن هذا المعدل لم يتجاوز 14% بالنسبة للاحتياطيات العالمية في الفترة ذاتها. ولذلك فقد كان نحو 38% من حجم الزيادة التي طرأت على الاحتياطيات العالمية خلال الفترة المذكورة هو من نصيب الصين بمفردها.