يعيش الاقتصاد التونسي رهن حالة من التدهور غير المسبوق حيث أظهرت إحصائيات تسجيل البلاد عجزاً تجارياً خلال الأشهر الـ9 الأولى من العام الحالي، بلغ ما يزيد على 5 مليارات دولار
ووفق تقرير صادر عن المعهد الوطني للإحصاء ، أمس الثلاثاء، كان العجز التجاري خلال الفترة نفسها من العام الماضي، في مستوى 4.07 مليارات دولار وأوضح التقرير أن عجز الميزان التجاري المسجل على المستوى الإجمالي للمبادلات، بلغ أكثر من 14 مليار دينار (5 مليارات دولار)؛ مشيراً إلى أن هذا ناتج عن العجز مع بعض الشركاء مثل الصين الشعبية التي بلغ العجز معها 3.958 مليارات دينار (1.4 مليار دولار)
أما العجز مع إيطاليا، فبلغ 2.105 مليار دينار (746.4 مليون دولار)، ومع تركيا 1.609 مليار دينار (570.5 مليون دولار)، والجزائر 1.276 مليار دينار (452.4 مليون دولار)، وروسيا 990 مليون دينار (351 مليون دولار
وأوضحت الإحصائيات كذلك تحسُّن الصادرات، مسجلةً ارتفاعاً خلال الأشهر الـ9 الأولى من 2018، بنسبة 17.5% بمبلغ 29.481 مليار دينار (10.454 مليارات دولار)، مقابل 24.608 مليار دينار (8.726 مليارات دولار ) خلال الفترة نفسها من عام 2017 كما أن الواردات ارتفعت بحسب الإحصائيات، بنسبة 21% خلال الفترة ذاتها من 2018، بمبلغ 43.664 مليار دينار (15.483 مليار دولار)، مقابل 19.2% في الفترة ذاتها من 2017، بمبلغ 36.088 مليار دينار (12.797 مليار
قدرت الحكومة التونسية مشروع ميزانية الدولة لعام 2019 بنحو 40.622 مليار دينار (14.44 مليار دولار – 12.5 مليار يورو)، بزيادة 7.95% عن العام الجاري، وتوقع قدرتها على تقليص عجز الموازنة إلى 3.9%، مقارنة بعجز 4.9% للعام الجاري.وتصل نسبة المديونية المتوقعة من الناتج المحلي 70.9% عن العام القادم، مقارنة بنسبة 72% متوقعة بنهاية 2018، وفق وكالة الأنباء التونسية
وحول الدعم خصصت الحكومة 4.35 مليار دينار، 1.8 مليار دينار منها لدعم المواد الأساسية، و450 مليون دينار لدعم النقل العام، و2.1 مليار دينار لدعم المحروقات..ولفتت إلى أن فاتورة تونس من الطاقة بلغت 4.24 مليار دينار بنهاية أغسطس الماضي، ودعمتها الدولة بنحو 2.7 مليار دينار.
وبددت المؤشرات السلبية المتلاحقة حول انهيار قيمة العملة التونسية (الدينار)، ومعدل التضخم غير المسبوق، كل آمال الأوساط المالية المحلية في تعافي الاقتصاد الهش، حتى بات يعيش على وقع أزمة خانقة قد تكون أكثر حدة إذا تفاقم تدهور سعر الصرف وارتفع عجز ميزانية الدولة والميزان التجاري، واتسع التضخم، وتضخمت كتلة الأجور مع تواصل التداين.
ولم يعد مستبعداً- وفق تقديرات خبراء في الاقتصاد- أن تنخفض قيمة الدينار أكثر، وقد تلامس مستوى الخطر، خاصة أنه بات قريباً أن تبلغ قيمة يورو واحد 4 دنانير تونسية، وهو ما جعل العديد من الخبراء يدقون ناقوس الخطر، ويطالبون بتنفيذ جملة من الإجراءات العاجلة، منها تغيير العملة المحلية (الدينار)، لإنقاذ الاقتصاد.
وقد شهد سعر صرف العملة انهياراً غير مسبوق مقابل العملتين الرئيستين اليورو والدولار، إذ فقد 13% من قيمته مقابل اليورو، و7.6% مقابل الدولار ما بين يوليو 2017 و2018.على خلفية ذلك اقترح خبراء في الاقتصاد تغيير العملة المحلية من أجل إنقاذ الوضع الاقتصادي وذلك بالنظر إلى حجم الأموال المتداولة في السوق السوداء والاقتصاد الموازي، شريطة التعجيل في تنفيذ هذا المقترح قبل قيام أصحاب هذه الأموال باستثمارها في العقارات أو تحويلها إلى العملة الصعبة، في حال الإعلان عن تنفيذ هذا المقترح دون الإسراع في ذلك”.
الدوائر الرسمية التونسية أعلنت عدة مؤشرات سلبية؛ من بينها: تفاقم عجز الميزان التجاري التونسي ليتجاوز حدود 15 مليار دينار (5.5 مليار دولار)، وعدم قدرة السلطات على الحد الفعلي من العجز مع عدد من الدول على غرار تركيا والصين، وتراجع الاحتياطي من النقد الأجنبي ليبلغ نحو 70 يوم توريد (الخط الأحمر 90 يوماً)، وهو واقع اقتصادي لم تسجله تونس منذ أكثر من 20 سنة، وتفاقم الدين الخارجي ليتجاوز حدود 70% من الناتج المحلي الخام، وتسجيل أعلى معدلات تضخم بنحو 7.5% حسب أحدث المعطيات الحكومية.
ووفق ما قدمه البنك المركزي التونسي فإن اليورو الواحد يروج بـ3.1841 دنانير تونسية، في حين بلغ الدولار حدود 2.7792 دينار، وهو ما سيكون له الأثر المباشر على زيادة الديون الخارجية، وكذلك ارتفاع أسعار عدد كبير من المواد الاستهلاكية التي يحتاجها الاقتصاد التونسي ويقع استيرادها خاصة من أوروبا.
كما تراجعت قيمة الموجودات الصافية من العملة الصعبة لدى البنك بما يعادل 2494 مليون دينار، أي ما يعادل 32 يوم توريد، مقارنة بنفس التاريخ من العام الماضي، حسب إحصائيات البنك المركزي.
وكشف وزير المالية التونسي، رضا شلغوم، الاثنين 17 يوليو الماضي، أن مدفوعات ديون تونس ستزيد إلى مستوى قياسي يتجاوز 9 مليارات دينار (3.2 مليارات دولار) العام المقبل، وفي العام الماضي بلغت قيمة الدين 7.9 مليارات دينار.
وتوقع صندوق النقد الدولي تسارع النمو بالاقتصاد التونسي بنهاية العام القادم، وأن يستمر في تسارعه خلال 5 أعوام مقبلة. وأضاف الصندوق في تقريره حول آفاق الاقتصاد العالمي، أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لتونس ارتفع بنهاية العام الماضي بنسبة 2% على أساس سنوي، ومن المرجح أن يرتفع بنسبة 2.4% في نهاية العام الجاري.وتوقع الصندوق أن يرتفع النمو الاقتصادي التونسي 2.9% في العام المقبل، وأن يحقق كذلك نموًا خلال 5 أعوام مقبلة تنتهى عام 2023 بنسبة 4.2%.
توقعات الصندوق تزامنت مع اعتماد صرف شريحة جديدة من قرض الحكومة التونسية بقيمة تصل لـ245 مليون دولار.، والتي تعد الشريحة الخامسة بموجب اتفاقية وقعها مع الدولة العربية.وكانت تونس قد اتفقت مع صندوق النقد الدولي، قبل عامين، على الحصول على قرض بقيمة 2.8 مليار دولار (6.73 مليار دينار)، على مدار 4 سنوات، لتمكينها من إجراء إصلاحات اقتصادية تستهدف السيطرة على معدلات عجز الموازنة.وعزز قرض من البنك الدولي بـ500 مليون دولار للحكومة التونسية حصل البنك المركزي عليه مؤخراً، احتياطي البلاد من العملة الصعبة لـ77 يوم توريد، مقابل 68 يوما.
صندوق النقد الدولي، دعا تونس إلى مزيد من التشديد في السياسة النقدية لمواجهة مستويات التضخم القياسية في البلاد، وكان قد استقر معدل التضخم في تونس عند 7.5 % في أغسطس (آب) دون تغيير عن مستواه في يوليو (تموز)، بعدما بلغ 7.8 % في يونيو (حزيران).ويتوقع البنك المركزي التونسي أن يصل معدل التضخم إلى 7.8 % هذا العام وأن ينخفض إلى 7% في العام المقبل.وفي يونيو (حزيران)، رفع البنك المركزي سعر الفائدة الرئيسي 100 نقطة أساس إلى 6.75 %، وهي ثاني مرة يرفع فيها البنك الفائدة في ثلاثة أشهر، لكبح التضخم الذي بلغ أعلى مستوياته منذ عام 1990.
وقال صندوق النقد الدولي في بيان ‘المزيد من التشديد النقدي كفيل بخفض التضخم. أظهر البنك المركزي التونسي التزامه باستقرار الأسعار من خلال رفع أسعار الفائدة، لكن أسعار الفائدة الرئيسية تظل سلبية بالقيمة الحقيقية’.
وأضاف ‘يجب أن يرتفع سعر الفائدة أكثر لتجنب حدوث مزيد من التآكل للقوة الشرائية للعملة المحلية وكبح توقعات التضخم’.
ولا يحظى ارتفاع الفائدة بقبول في تونس، حيث قال الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية إنه يؤثر سلباً على تنافسية الشركات ويعيق الاستثمار الضروري لتوفير الوظائف.وقال الاتحاد العام التونسي للشغل، رفع الفائدة يعمق الأزمة الاقتصادية في تونس ويزيد القوة الشرائية تدهوراً.
أضف تعليق