يعد السوق العقاري في بريطانيا وجهة استثمارية بالغة الحيوية إذ يجتذب مليارات الدولارات من مختلف أنحاء العالم، بما فيها منطقة الخليج، ، وفيما كان يُحقق طوال السنوات الماضية أرباحاً كبيرة لدرجة أنه أفلت من الركود حتى خلال الأزمة الاقتصادية العالمية غير أن عاصفة البريكست تنذر بموجة انهيار وشيكة .
وأظهرت أرقام حديثة أن سوق العقارات في بريطانيا يعاني من متاعب غير مسبوقة، كما أن الشركات الكبرى العاملة في هذا القطاع بدأت تتكبد خسائر مالية كبيرة بسبب التباطؤ في السوق وتراجع المبيعات والمخاوف المتزايد لدى المستثمرين والمشترين العاديين من الأوضاع في السوق العقاري واحتمالات الانهيار.
وتبين أن شركة فوكستون وهي أكبر وسيط عقاري في بريطانيا وواحدة من أهم الفاعلين في السوق البريطاني، قد تكبدت خسائر بواقع 2.5 مليون جنيه استرليني (3.2 مليون دولار أميركي) خلال النصف الأول من العام الجاري، مقارنة مع أرباح صافية تمكنت من تحقيقها خلال نفس الفترة من العام الماضي وبلغت تلك الأرباح 3.8 مليون جنيه (4.8 مليون دولار).
وبالتزامن مع إعلان “فوكستون” خسائرها فقد أعلنت شركة سافيلز وهي شركة عقارات ضخمة مدرجة في بورصة لندن، أن مبيعات العقارات السكنية هبطت بواقع 7% في العاصمة البريطانية خلال الشهور الستة الأولى من العام الحالي.
وأظهرت أرقام نشرتها شركة (Reapit Group)، ” أن نحو ثلثي العقارات التي كانت معروضة للبيع في لندن خلال العام الماضي 2017 تم سحبها من السوق دون أن ينجح أصحابها في بيعها، وذلك بسبب عدم وجود مشترين وضعف الطلب على العقار.وقال الرئيس التنفيذي لشركة ريبيت غروب جاري باركر إن 38% من العقارات التي تم سحبها من السوق في لندن دون أن يتم بيعها كانت قد وجدت مشترين، لكن هؤلاء المشترين قدموا عروض أسعار متدنية لم تحظَ بقبول البائع الذي اضطر لاحقاً للانسحاب من السوق وعدم بيع العقار.
التراجع في السوق العقاري وتهديده بالانهيار أرجعه تقرير بريطاني الى أربعة عوامل ، أولها بطبيعة الحال المخاوف من مغادرة الاتحاد الأوروبي (Brexit)، وهو الخروج المقرر أن يتم قبل نهاية شهر مارس من العام المقبل تنفيذاً لنتائج الاستفتاء الذي جرى في بريطانيا في يونيو من العام 2016، وانتهى إلى تصويت غالبية البريطانيين على الخروج من الاتحاد.
أما السبب الثاني الذي يهدد السوق العقاري في بريطانيا فهو ارتفاع الضرائب على المساكن، وهي الضريبة المفروضة على تسجيل ملكية العقارات، وارتفعت مؤخراً على العقارات غالية الثمن بينما ظلت على حالها بالنسبة للمساكن الرخيصة، وهو ما أثر سلباً على سوق العقارات في لندن بشكل خاص بسبب أن أغلب المساكن في العاصمة مرتفعة الثمن.
ويتحدث التقرير عن أن السبب الثالث في تراجع مبيعات العقارات هو تشدد البنوك في منح الموافقات على التمويلات العقارية، أما السبب الرابع فهو ارتفاع الأسعار مع توقع الكثير من المشترين أن تنخفض لاحقاً، وهو ما يدفعهم إلى تفضيل الانتظار أملاً بهبوط في الأسعار.
السوق العقاري البريطاني بالمجمل فقد 26.9 مليار جنيه إسترليني (35.5 مليار دولار أميركي) من قيمته خلال الشهور الستة الأولى من العام الجاري، وذلك على الرغم من التباين في تراجعات الأسعار من منطقة إلى أخرى وبين مدينة ومدينة داخل بريطانيا.
وأوضحت تقارير أن كل وحدة عقارية في بريطانيا خسرت ما متوسطه 927 جنيها إسترلينيا (1226 دولارا) من قيمتها السوقية خلال الفترة المشار إليها، أي منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية شهر يونيو الماضي.
وبحسب هذه الأرقام فإن القيمة السوقية الإجمالية لعقارات بريطانيا أصبحت عند 8.2 تريليون جنيه إسترليني (10.8 تريليون دولار أميركي).
وفي تفاصيل الأرقام التي تكشف وضع السوق العقاري في بريطانيا فإن ثمة العديد من المناطق والمدن حافظت على الارتفاع في الأسعار، ومن بينها العاصمة لندن التي تحتضن أغلى العقارات في بريطانيا، والتي سجلت ارتفاعاً خلال الفترة المشار إليها بنسبة 0.75%، لكن أكبر الارتفاعات في الأسعار كانت في شمال شرق إنجلترا التي ارتفعت فيها الأسعار بنسبة 3.31% خلال الفترة ذاتها، تليها مقاطعة “ويلز” التي لا تزال عقاراتها تسجل مكاسب حيث ارتفعت فيها الأسعار خلال الشهور الستة الأولى بنسبة 1.40%.
وبالمجمل فإن المناطق التي سجلت عقاراتها تراجعاً في الأسعار لا تزال أكثر من تلك التي ارتفعت، أما الأسوأ حالاً فهي مناطق جنوب غرب إنجلترا التي هوت أسعار العقارات فيها بنسبة 2.51% خلال ستة شهور فقط.
ولا يزال متوسط سعر المنزل في العاصمة لندن مرتفعاً، حيث بلغ مع بداية شهر يوليو الحالي 665 ألف جنيه إسترليني، وهو أعلى متوسط سعري للعقارات مقارنة بمختلف أنحاء بريطانيا.
وقال المتحدث باسم “زوبلا” والذي يعد اكبر موقع عقاري في بريطانيا : “ليس مفاجئاً أن نرى تراجعاً في أسعار العقارات ببريطانيا منذ بداية العام الحالي وحتى الآن”، مشيراً إلى أن “حالة عدم الوضوح التي تحيط بمسألة الخروج من الاتحاد الأوروبي تؤثر بشكل كبير على السوق العقاري”.
الإحصائيات تؤشر إلى أن قيمة الاستثمارات الخليجية في بريطانيا تتراوح ما بين 130 – 200 مليار دولار منها نحو 45 مليار دولار في القطاع العقاري فقط، وبما يمثل 40% من استتثمارات بلدان المجلس في القطاع العقاري في أوروبا بشكل كامل. وتعود رغبة المستثمرين الخليجيين في هذا السوق إلى أنه شكل من أشكال الاستثمار التي يكون فيها رأس المال والعائد مضمونان.
ولا يقتصر التركيز على هذا السوق من جانب الخليجيين بل أيضاً من جانب المملكة المتحدة التي تسعى إلى جذب الاستثمارات إلى بريطانيا من خلال قيام عدة شركات عقارية بريطانية بجولات في دول الخليج مع إقامة معارض لتشجيع المواطنين على شراء عقارات في لندن، فضلاً عن تعاون مصارف بريطانية مع مثيلاتها في الإمارات لتقديم تسهيلات مالية للخليجيين الراغبين بشراء عقارات في المملكة المتحدة.
أضف تعليق