تسببت موجة ارتفاع قوية للأسعار نتيجة تدهور سعر صرف العملات المحليّة، في ارتفاع معدلات التضخم في العديد من الدول العربية.
واستمر السودان في تحقيق أعلى متوسط لمعدلات التضخم بين الدول العربية خلال 2021، حيث وصلت نسبة ارتفاع الأسعار إلى 194.6% وهو أعلى متوسط للتضخم في البلاد منذ بدء تجميع البيانات، مقابل 163.3% خلال 2020، بحسب أحدث توقعات لصندوق النقد الدولي.
وحل اليمن ثانيًا من حيث أعلى معدلات التضخم عربيا هذا العام عند نسبة 40.7% مقابل 23.1% في عام كوفيد-19.
وجاءت ليبيا ثالثا بنسبة 21.1% في 2021 من 2.8% فقط خلال العام الماضي، ثم الجزائز الرابعة عربيًا بمتوسط تضخم سنوي يبلغ 6.5% في 2021 مقارنة بـ2.4% العام الماضي.
ويأتي العراق في المرتبة الخامسة في ترتيب أعلى معدلات التضخم في الدول العربية، حيث سيرتفع التضخم إلى 6.4% العام الجاري من 0.6% في 2020.
ورغم أن الدول العربية الخمس الأولى من حيث أعلى معدلات التضخم السنوية شهدت غياب لبنان، بسبب عدم توافر بيانات عن متوسط التضخم السنوي لدى صندوق النقد الدولي، فإنّ البلاد تواجه موجة ارتفاع قوية للأسعار بسبب تدهور سعر صرف العملة المحليّة، وقفز معدل التضخم إلى 173.6% في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي في مقارنة على أساس سنوي، بحسب أحدث تقارير إدارة الإحصاء المركزي اللبناني.
دور النزاعات في زيادة التضخم
يعتبر الخبير المالي وكبير مسؤولي الاستثمار في شركة Advisable Wealth Engines، أيمن أبوهند، في تصريحات لـ”فوربس” الشرق الأوسط أن ارتفاع التضخم في الدول العربية التي تعاني من نزاعات سياسية أمر طبيعي، في ظل تراجع قيمة عملاتها وانهيار اقتصاداتها، وبالتالي كان تصدّر السودان واليمن وليبيا ترتيب الدول العربية الأعلى في معدلات التضخم في هذا العام نتيجة منطقية.
وقال أبوهند: عندما تواجه أي دولة تحديات أو صراعات سياسية، تنخفض قيمة العملة المحلية أمام الدولار، ما يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم.
واكد أن المنطقة العربية ستتأثر بالضغوط التضخمية التي يشهدها العالم حاليًا.
ويتوقع صندوق النقد الدولي بقاء السودان واليمن وليبيا والجزائر في المراكز الأربعة الأولى من حيث متوسط معدل التضخم السنوي لعام 2022 بنسبة 41.8% و31.5% و8% و7.7% على التوالي، بينما قد تزيح تونس العراق عن المرتبة الخامسة حيث سيصل التضخم في تونس إلى 6.4% العام المقبل بينما سيسجل العراق 4.5%.
وتحل تونس التي سيرتفع متوسط معدل التضخم السنوي فيها إلى 5.7% هذا العام من 5.6% العام الماضي في المركز السادس، قبل مصر التي تأتي في المركز السابع حيث سيصل متوسط معدل التضخم للعام المالي 2020/2021 إلى 4.5% من 5.7% في 2019/2020.
فيما يتوقع الصندوق أن يرتفع في العام المالي الجاري 2021/2022 إلى 6.3%، وسجل معدل التضـخم السنوي لإجمالي الجمهورية في مصر 6.2% لشهر نوفمبر/تشرين الثاني 2021 مقابل 6.3% لنفس الشهـر من العام السابق ومقابل 7.3% لشهر اكتوبر 2021، وفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وسيرتفع التضخم في الكويت إلى 3.2% هذا العام من 2.1% العام الماضي، فيما سيتراجع متوسط التضخم في السعودية هذا العام إلى 3.2% من 3.4% العام الماضي على أن يقترب من الحدود المقبولة عند 2.2% العام المقبل، كما تحل سلطنة عُمان في المركز العاشر بتضخم يبلغ 3% هذا العام ومن المتوقع تراجعه إلى 2.7% في 2022.
وسيرتفع معدل التضخم في موريتانيا إلى 2.7% في عام 2021، من 2.3% العام الماضي، قبل قطر التي سيرتفع فيها معدل التضخم إلى 2.5% هذا العام قبل الإمارات التي يصل متوسط التضخم فيها إلى 2% هذا العام على أن يرتفع إلى 2.2% في العام المقبل.
وسيبلغ متوسط معدل التضخم في باقي الدول العربية أقل من 2% هذا العام، علمًا بأن المؤسسات النقدية العالمية مثل مجلس الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي ترى أن المستوى المقبول للتضخم هو 2% أو أقل قليلًا.
استثناء لبنان
تم استثناء لبنان وسوريا من الترتيب لعدم توافر بيانات عن توقعات متوسط التضخم في العام المقبل، لكن لبنان كان قد شهد قفزة كبيرة في التضخم خلال عام 2020 ليصل في متوسط العام إلى 85% من 2.9% في المتوسط خلال 2019، ويعاني لبنان من أزمة اقتصادية طاحنة تشمل جوانبها تراجعًا كبيرًا في قيمة العملة.
استمرار التضخم
أدى ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء إلى ارتفاع التضخم في العديد من دول العالم، ومن المتوقع أن تستمر زيادة التضخم في عام 2022، مع ارتفاع أسعار السلع الغذائية بشكل خاص، ما سيكون له عواقب سلبية على الأسر في البلدان منخفضة الدخل حيث يستحوذ الغذاء على 40% من الإنفاق الاستهلاكي، كما أضاف أدريان في مدونة لصندوق النقد الدولي نشرها في وقت سابق من هذا الشهر.
قفز مؤشر أسعار المستهلكين الأمريكي 6.2% في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي وهو أعلى معدل في أكثر من 30 سنة.
ينبغي أن تستعد اقتصادات الأسواق الناشئة والدول النامية لزيادة معدلات الفائدة خلال الفترة المقبلة بسبب ضغوط التضخم، فاستجابة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لمواجهة التضخم من المحتمل أن تخلق صعوبات في اقتصادات أخرى من العالم، كما أضاف أدريان في مدونة نشرها صندوق النقد الدولي يوم الجمعة الماضي.
فيما يرى أبوهند أن صانعي قرارات السياسة النقدية في الدول العربية يواجهون موقفًا لا يحسدون عليه، ومع ذلك ربما يمكنهم رفع أسعار الفائدة جزئيًا، وفقًا للتطورات العالمية والمحلية، كما يفعل الاحتياطي الفيدرالي، موضحًا أن ارتفاع التضخم الحالي هو نتيجة لاضطرابات سلاسل التوريد والسياسة النقدية التيسيرية التي طبقتها البنوك المركزية ويسعون للتراجع عنها، حيث تم ضخ مبالغ ضخمة في الأسواق لتحفيز الاقتصاد.
وأكد أن العام الماضي شهد فرض دول الخليج عمليات إغلاق صارمة للسيطرة على تفشي كوفيد -19، وعاد المغتربون إلى بلادهم، ما أدى إلى تباطؤ إنفاق المواطنين والتضخم أيضًا.
فيما يلي أعلى مستويات التضخم في 5 دول عربية وفقا لعام 2021 ومقارنتها بـ2020 وتوقعات 2022
1. السودان
متوسط التضخم السنوي 2021: 194.6%
في 2020: 163.3%
توقعات 2022: 41.8%
تراجعت قيمة الجنيه السوداني مقابل الدولار الأميركي منذ بداية العام بنسبة 695% ليصل الدولار الواحد إلى 439.6 جنيه سوداني للبيع في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2021 مقابل 55.3 جنيه في مطلع يناير/ كانون الثاني من نفس العام.
وكان البنك المركزي السوداني أعلن تبني سياسة سعر الصرف المرن في فبراير/ شباط الماضي، كما قفز التضخم خلال شهر سبتمبر/ أيلول الماضي إلى 365.8%.
ويواجه السودان تحديات كبيرة منها تنامي الديون خاصة مع حالة عدم الاستقرار السياسي التي يعاني منها إلى جانب سيطرة الجيش على مقاليد الحكم في البلاد خلال أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وكان المجلسان التنفيذيان للمؤسسة الدولية للتنمية التابعة للبنك الدولي (IDA) وصندوق النقد الدولي قد قرروا صلاحية السودان للاستفادة من مبادرة تخفيف الديون المعنية بالبلدان الفقيرة المثقلة بالديون (هيبيك)، في يونيو/ حزيران الماضي.
وتتيح المبادرة للسودان خفض الدين الخارجي بأكثر من 50 مليار دولار، أي ما يمثل أكثر من 90% من إجمالي الدين الخارجي في غضون ثلاث سنوات تقريبًا.
مع اتخاذ الإجراءات الإصلاحية المتعلقة بسعر الصرف في 21 فبراير/ شباط 2021، بدأ تنفيذ برنامج دعم الأسر السودانية الذي طال انتظاره في نهاية نفس الشهر من خلال تزويد الأفراد المؤهلين بمبلغ 5 دولارات شهريًا لمدة 12 شهرًا لمساعدتهم على مواجهة التضخم المرتفع الذي سجل 330% في مارس/ آذار الماضي.
2. اليمن
متوسط التضخم السنوي 2021: 40.7%
في 2020: 23.1%
توقعات 2022: 31.5%
يواجه اليمنيون صراعًا مستمرًا منذ نحو 6 سنوات أدى إلى شلل الاقتصاد، وتقسيم البلاد، وتسبب في أزمة اقتصادية وإنسانية حادة، تفاقمت بسبب جائحة كوفيد -19 مع التراجع في الدعم الخارجي، وتقلص احتياطي النقد الأجنبي الذي كاد ينفد، ما تسبب في زيادة الضغوط على الميزانية مع الانخفاض الحاد في التحويلات وتراجع أسعار النفط وعائداته.
وعلى الرغم من إبقاء البنك المركزي اليمني سعر الدولار الأميركي عند 250.5 ريال على مدار سنوات، فإن صندوق النقد يؤكد تراجع قيمة العملة المحلية مقابل الدولار بشكل سريع كما قفزت أسعار المواد الغذائية بشكل حاد، فيما تقدر الأمم المتحدة أن أكثر من 24 مليون شخص – نحو 80% من السكان – يحتاجون الآن إلى مساعدات إنسانية.
تظل الضغوط التضخمية، التي نجمت بشكل أساسي عن ارتفاع أسعار الواردات، قوية، وفقًا لتقرير عن البنك المركزي اليمني في سبتمبر/أيلول، مضيفًا أن نحو 90% من السلع الاستهلاكية الأساسية في اليمن تأتي من الخارج، ما يشكل تحديًا مستمرًا لإدارة ملفات الاقتصاد الكلي.
3. ليبيا
متوسط التضخم السنوي 2021: 21.1%
في 2020: 2.8%
توقعات 2022: 8%
عانت ليبيا من صراعات سياسية ضخمة على مدار السنوات الماضية أدت إلى تأثر اقتصادها بشكل كبير، ما أدى بدوره إلى أسوأ انكماش اقتصادي في تاريخ البلاد عام 2011 بنسبة 66.7% واستمرت التذبذبات والصعوبات الاقتصادية حتى جاءت الجائحة وأدت إلى ثاني أسوأ انكماش للناتج المحلي الإجمالي بـ 59.7%.
كما تدهورت قيمة الدينار الليبي بـ 221.4% ليصل متوسط سعر صرف الدولار الأميركي الواحد إلى 4.5 دينار في 2021 في حين بلغ على مدار السنوات من 2018 إلى 2020 نحو 1.4 دينار، لكن ليبيا استعادت هذا العام معدلات إنتاج النفط الخام قبل كوفيد-19 البالغة 1.2 مليون برميل يوميًا في 2019 في حين كانت قد تدهورت إلى 400 ألف برميل يوميًا فقط في 2020.
4. الجزائر
متوسط التضخم السنوي 2021: 6.5%
في 2020: 2.4%
توقعات 2022: 7.6%
يؤثر ارتفاع معدلات التضخم في الجزائر، الذي يعكس ارتفاع أسعار المواد الغذائية العالمية، سلبًا في القوة الشرائية للأسر، ويصل معدل الفقر المحلي في البلاد إلى 5.5% من السكان البالغ تعدادهم 43.9 مليون نسمة.
كما تراجعت قيمة الدينار الجزائري أمام الدولار الأميركي 6.3% ليصل سعر صرف الدولار الواحد إلى 126.9 دينار في 2020 مقابل 119.4 دينار في 2019، فيما استمر التراجع هذا العام ليبلغ السعر حاليًا 139.1 دينار.
يشهد الاقتصاد الجزائري انتعاشًا هشًا، مدعومًا بارتفاع أسعار النفط، ولكن السياسات النقدية المتعلقة بانخفاض سعر الصرف إلى جانب ضغط الواردات أدت إلى تسهيل متطلبات التمويل الخارجي والمالي، ولكنها ساهمت في ارتفاع معدل التضخم بشكل كبير، بحسب البنك الدولي.
5. العراق
متوسط التضخم السنوي 2021: 6.4%
في 2020: 0.6%
توقعات عام 2022: 4.5%
نتج عن انتعاش الطلب المحلي في العراق وانخفاض قيمة العملة حدوث ضغوط تضخمية في البلاد على الرغم من أن السنوات الثماني الماضية كانت شهدت استقرار التضخم عن مستويات منخفصة بسبب تراجع أسعار الواردات وضعف الطلب.
ولكن تظهر إحصاءات البنك المركزي العراقي أن الدينار العراقي تراجع 23.6% أمام الدولار الذي تم صرفه الشهر الماضي بسعر 1480.8 دينار مقابل 1198.4 دينار في مارس/ آذار 2020 أي مع بدء تفشي الوباء في المنطقة، كما ارتفع معدل التضخم في العراق 6.8% في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بحسب وزارة التخطيط