ساعات قليلة ويأتي موعد تطبيق أول دفعة من العقوبات على إيران.العقوبات التي ستطبق غدا ستشمل منع إيران من الحصول على الدولار، والتى ستجد صعوبة أكبر في توفيره ه لتمويل احتياجاتها، مما يعني أن أسعار الصرف ستواصل الصعود.
عاصفة جديدة بانتظار الاحتياطيات الأجنبية لإيران، فليس هناك منفذ لوصول المزيد من العملة الخضراء. من يريد الدولار، والذي أصبح محدودا أكثر في إيران، عليه أن يقدم سعرا باهظا للحصول عليه، واستنادا لقوانين العرض والطلب، فإن شح المعروض من الدولار سيرفع قيمته، ليهوي الريال الإيراني وهو ما يعني ارتفاعا جديدا للأسعار.
إيران لن تستطيع حل هذه المشكلة بالتعامل مع عملات أخرى كاليورو والين والروبل ,فالعقوبات المطبقة في أغسطس تمنع أيضا شراء أو الاستحواذ على ما وصفته وزارة الخزانة الأميركية بالكميات المعتبرة من الريال الإيراني، لذلك فأي جهة تزود إيران بعملة صعبة لن تتمكن من الحصول على المقابل إلا عبر المنتجات، ولكن لن يستمر ذلك طويلا، إذ بحلول نوفمبر ستشمل العقوبات المنتجات الأساسية التي يمكن استيرادها من إيران وعلى رأسها النفط.
ومنذ مطلع العام، خسر الريال نحو ثلثي قيمته.وفي الأول من يناير 2018، كان الدولار يساوي 42.900 ريال إيراني. ووصل سعر العملة الخضراء إلى 119 ألف ريال في الثلاثين من يوليو، مقابل 56 ألفا في شهر أبريل الماضي، في تراجع هو الأسرع خلال السنوات الأخيرة
وكالمعتاد ألقى البنك المركزي الإيراني بالمسؤولية عن الانخفاض المتسارع في قيمة العملة إلى ما وصفه بـ”التآمر” من بعض القوى الدولية (في إشارة معتادة للولايات المتحدة) من خلال التلاعب في سعر الذهب عالميًا برفعه، والتدخل في أسواق صرف العملات الدولية بما يلحق الضرر بالعملة المحلية للبلاد.
وعلى الرغم من عودة الاقتصاد الإيراني لتسجيل معدلات نمو موجبة خلال العامين الأخيرين، في حدود 4%، وفقًا لتقديرات البنك الدولي، إلا أن الأخير يشير إلى أن هذه المعدلات تعد استثنائية وترجع بالأساس إلى انفتاح أوروبا على الاقتصاد الإيراني في أعقاب الصفقة النووية، وأن معدلات النمو السلبية بين عامي 2009-2013 قد تكون مرشحة للعودة في أي وقت حال عودة إيران إلى المربع الأول حيث العلاقات السيئة مع واشنطن والمعاناة من العقوبات. وبلغ الناتج المحلي الإجمالي لإيران440 مليار دولار خلال عام 2017، مستفيدًا من ارتفاع أسعار النفط عالميًا، بما جعله يتعافى نسبيًا، ويؤكد البنك الدولي في تقريره الأحدث حول طهران تأثير “الصادرات غير النفطية” أيضًا على النمو، بفعل الانفتاح النسبي للقوى العالمية عليها، ليبقى هذا التأثير أيضًا مرتبطًا بمدى استمرار هذا الانفتاح “والذي يبدو محل شك”.
ونمت الصادرات غير النفطية بنسبة تتجاوز 17% خلال النصف الأول لعام 2017 بسبب السماح لطهران بزيادة صادراتها من المحاصيل الزراعية، ولا سيما الفواكه والمكسرات، ودخول أوروبا ضمن كبار المستقبلين للسلع الإيرانية بعد أن كانت مقصورة على الصين والهند وتركيا وتايوان بالأساس.
ولتبيان تأثير تراجع واشنطن عن الإتفاق النووي، يكفي الإشارة إلى أن النمو الاقتصادي لإيران في النصف الأول لعام 2017 فحسب بلغ 12.5%، ومع بدء الإشارة إلى التراجع الأمريكي عن الاتفاق تراجع مجمل النمو إلى 4% خلال العام الحالي كله بما يؤشر لمعدل نمو سالب خلال النصف الثاني من العام.
هناك العديد من العقبات التي تحول دون انخراط أكبر لإيران في الاقتصاد الدولي، لعل أبرزها الارتفاع النسبي في تكلفة العمالة هناك، فبسبب القوانين المقيدة للأجور فإن أجر العامل غير الماهر في طهران 12 دولارا في اليوم، وهو ما يجعلها غير قادرة على منافسة الصين ودول جنوب شرق آسيا لا سيما في ظل انخفاض إنتاجية العامل الإيراني عن نظرائه في تلك الدول.
كما أن البنية التحتية تتذيل الترتيب بين الدول المحيطة بها وفقًا للبنك الدولي–باستثناء أفغانستان- بما يجعل المستثمرين يترددون كثيرًا في ضخ أموالهم هناك.
وتراهن طهران على دعم بكين حليفها الاقتصادي الأقوى ,ففى خضم الضغوط الأميركية على الاقتصاد الإيراني، يشهد التبادل التجاري بين إيران والدول الأعضاء في مجموعة “بريكس” والتي تعد من الدول الاقتصادية الصاعدة المهمة في العالم، نموا ملحوظا.
وذكر تقريرا للتلفزيون الصيني “سي سي تي في”، اليوم الخميس، ان قيمة صادرات السلع الإيرانية غير النفطية الى الدول الأعضاء في هذه المجموعة التي تضم اقتصادات صاعدة، شهدت في العام المالي الايراني نموا بنسبة 7.4 بالمائة مقارنة مع العام الذي سبقه.
وخلال الفترة المذكورة قامت إيران بتصدير 53 مليونا و 780 ألف طن من السلع بقيمة 29 مليارا و 60 مليون دولار الى دول مجموعة “بريكس”.
وتعتبر الصين والهند في مقدمة دول المجموعة من حيث التبادل التجاري مع ايران وتأتي بعدهما روسيا والبرازيل وجنوب افريقيا.
وتعول إيران على إنقاذ الاتفاق النووي عبر الصين ودول أخرى، لتمرير وارداتها النفطية وكسر التهديد الأمريكي الذي يحاول كبح التمدد الإيراني في المنطقة.ورفضت بكين أول أمس طلب واشنطن وقف وارداتها من النفط الإيراني، ضمن حزمة عقوبات تفرضها واشنطن على طهران.وتوعدت بزيادة تلك الواردات.وفقاً لرويترز
وأضافت الوكالة أن بكين وافقت على عدم زيادة مشترياتها من الخام الإيراني، معتبرة أن التعاون مع إيران يأتي ضمن نطاق قانوني ولا يجب أن يستفز واشنطن
واعتبر وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، أن دور الصين محوري في إنقاذ الاتفاق النووي بعد انسحاب الولايات المتحدة في أيار الماضي. حيث قال إن “دور الصين في تنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة حول الاتفاق النووي وفي التوصل إليه، والآن في الحفاظ عليه سيكون محوريًا”، بحسب تعبيره.
فعندما بدأت الولايات المتحدة وشركاؤها بتشديد العقوبات في محاولة لتقليص برنامج إيران النووي، قوضت بكين الجهود الأميركية من خلال إغاثة إيران اقتصاديا، وفتح قناة مباشرة لها مع مجلس الأمن، وتقديم الدعم العسكري إليها. كانت هذه العلاقة ذات منفعة متبادلة. فالصين تعتبر إيران مصدرا رئيسيا للطاقة وسوقا مهمة لها. إذ إن موقع إيران الجغرافي على ملتقى الطرق المهمة في الشرق الأوسط وجنوب ووسط آسيا وأوروبا، وعلى الخليج العربي ومضيق هرمز، يجعلها ذات أهمية هائلة لرؤية الصين الساعية لدمج هذه المناطق الرئيسية من خلال مشاريع البنية التحتية والنقل المصممة لتوسيع النفوذ السياسي والاقتصادي الصيني.
على الرغم من أن الصين دعمت عقوبات الأمم المتحدة ضد إيران في عام ٢٠١٠، فإنها استمرت في التعاون مع الجمهورية الإسلامية، مستفيدة من عزلة هذا البلد الشرق أوسطي المهم. فعندما انسحب الموردون والشركات الدولية الأخرى، غمرت السلع والخدمات الصينية السوق الإيرانية. رحب الإيرانيون بالتعاون المستمر مع الصين في وقت لم تكن أي دولة أخرى (باستثناء روسيا) مستعدة للتعامل مع الجمهورية الاسلامية. ثم توطّدت العلاقات الثنائية مع إعلان مبادرة “الحزام الواحد، الطريق الواحد”، والتي تلعب إيران دورا مهما فيها. ومع ذلك، لم تتطور هذه العلاقات إلى مصاف تحالف إستراتيجي. فلقد أرادت كلتا الدولتين مراعاة مصالحهما دون تعريض العلاقات مع اللاعبين الآخرين للخطر، والصين، على وجه الخصوص، لم ترغب في أن يلحق دعمها لإيران الضرر بعلاقتها مع القوى الغربية في حينه.
وفى الوقت الذى تأمل به طهران أن تحميها بكين من أضرار اقتصادية أكبر. بدورها، تقوم الصين بتقييم خياراتها. فمن ناحية، لا ترغب الشركات الصينية في الدخول في تحدٍّ علني للعقوبات الأميركية. لقد أصبحت هذه الشركات أكثر عالمية، مما يعني أنها أكثر عرضة للضغط الأميركي مما كانت عليه في الماضي. فواشنطن لم تتردد في معاقبة الشركات الصينية مثل شركتي الاتصالات هواوي و”زد تي إي” للقيام بأعمال مع طهران. ومع ذلك، لدى إيران أسباب لأن تكون متفائلة. فلا تزال الشركات الصينية الكبرى تشارك بنشاط في إيران والعديد منها يستعد للدخول بقوة مع انسحاب الشركات الأوروبية.
على سبيل المثال، تواصل الصين الاستثمار بكثافة في قطاعي السكك الحديدية والطاقة الإيرانيين. في يوليو/تموز عام ٢٠١٧، وافقت الصين على استثمار ١.٥ مليار دولار لتحويل خط قطار طهران – مشهد إلى الطاقة الكهربائية. كما أن الصين هي أكثر مرونة في ما يتعلّق بالدفع، وقد استخدمت المقايضة في الماضي، كما أنها تبذل جهدا كبيرا لتصبح أقل اعتمادا على الدولار الأميركي باستخدام عملتها الوطنية لدفع ثمن واردات النفط بهدف إنشاء مناعة ضد الضغط الاقتصادي الأميركي. وهذا يعني أن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين وإيران ستستمر على الأرجح، حتى في الوقت الذي سوف تفرض فيه إدارة ترامب عقوبات جديدة.
العقوبات الأميركية على إيران تأتي على مرحلتين: الأولى تبدأ غداً في 6 أغسطس ، والجولة الثانية في 4 نوفمبر. تشتمل المرحلة الأولى من العقوبات على: عقوبات على شراء أو الاستحواذ على الدولار، عقوبات على تجارة الذهب والمعادن النفيسة الأخرى، عقوبات على تجارة المعادن مثل الصلب والألومنيوم والغرافيت والفحم، عقوبات على التعاملات المالية الكبيرة بالريال الإيراني وعلى الاحتفاظ بأموال أو حسابات خارج إيران بالريال الإيراني، عقوبات على الاستثمار في أدوات الدين الإيرانية، وعقوبات على قطاع السيارات الإيراني.
بينما تأتي الجولة العقابية أكثر صرامة لتوقف بشكل كلي أي عملية استيراد أو تصدير من إيران للمواد السلعة النفطية، وهذا ما سيسد الباب أمام أحد أهم إيرادات الاقتصاد الإيراني لجهة الصادرات النفطية الإيرانية.
وبين هاتين الجولتين، هناك اجتماع لجنة ” الفاتف ” الذي سيعقد في أكتوبر المقبل، حيث سيتم إعادة النظر بالملف الإيراني لجهة القوانين ومدى الالتزام بالمعايير الدولية لمكافة الإرهاب وتبييض الأموال.
من جهة أخرى ، تهدف الإدارة الأميركية إلى إيصال الصادرات النفطية الإيرانية إلى الصفر ، وهو ما يستبعده المحللون.ولكن برأيّ المحللين، فإن إيران ستفقد ما بين 700 إلى 800 ألف برميل يوميا من صادرات الخام في الأشهر الستة الأولى للعقوبات.
وهذا ما ظهر مبكرا حتى قبل بدء العقوبات، حيث أظهرت الإحصاءات الأخير تراجع الإنتاج الإيراني في يونيو بنحو 100 ألف برميل يوميا، وهذا الإنحدار سيستمر وفق مبيض ، ويتوقف على مدى استجابة البلدان المستوردة للنفط الإيراني للضغوطات الأميركية، وهنا المقصود الصين والهند بالدرجة الأولى.
و تشهد الأسواق على مفاوضات قائمة بين الهند والولايات المتحدة، في محاولة لاقناع الهند بعدم استيراد النفط الإيراني .وهنا لابد من الإشارة إلى أن الهند تستورد من إيران بعملتي الروبي واليورو، ولكن حتى لو استمرت الهند بالاستيراد فستخضع للعقوبات التي سيبدأ تطبيقها غدا لعدم قدرة الهند تحويل الريال الإيراني إلى روبي أو يورو لمرورها مسبقاً عبر الدولار الأميركي بالتالي سترفع التكلفة وقد تجبر الهند إلى إعادة حساباتها.
على الرغم من اعتماد طهران على الصين بوصفها الحليف الاقتصادي الأبرز لها، تبقى قدرة و”رغبة” بكين في إنقاذ الاقتصاد الإيراني محل شك، فإذا كان الأوروبيون ينسحبون من السوق، والريال يتراجع، والاضطرابات الداخلية تتزايد، والعقوبات الأمريكية تعود، فماذا بوسع الصين أن تفعل؟”.
أضف تعليق