تقارير

هل تقترب لبنان من إعلان الإفلاس؟

يتعرض لبنان لأزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة، بلغت ذروتها في عام 2019، مع تباطؤ تدفقات رؤوس الأموال واندلاع الاحتجاجات ضد أصحاب القرار المتهمين بإدخال البلاد في أزمة اقتصادية طاحنة، وتأجج الوضع بعدما أعلنت الحكومة اللبنانية عن تصويت مجلس النواب بالإجماع على التخلف عن سداد الديون المستحقة، الأمر الذي يثير تساؤلا “هل لبنان يقترب من إعلان الإفلاس؟”.

ويبلغ مجموع الدين العام اللبناني 90 مليار دولار، منها استحقاق بقيمة 4.6 مليار دولار في عام 2020، أي ما يعادل 170% من الناتج المحلي، كما أدى تدني مستوى الاحتياط بالعملة الصعبة إلى مزيد من الضغط على العملة الصعبة، حسب تصريحات رئيس الوزراء اللبناني حسان دياب، السبت.

وخسرت الليرة اللبنانية نحو 40% من قيمتها، فيما تزداد ضغوط الدائنين الذين فشلوا في التوصل إلى اتفاق مع السلطات اللبنانية، ما دفع الحكومة إلى اتخاذها هذا القرار.

خبراء يوضحون مصير لبنان من الإفلاس

وتشير آراء الخبراء إلى أن لبنان يواجه مصيرا صعبا وضبابيا، كما أنه معرض لفقد ثقة المستثمرين وتراجع تصنيفه الائتماني لدى المؤسسات الدولية.

وقال الخبير الاقتصادي باسيل الخطيب في تصريحات صحفية، السبت، إن قرار الحكومة سيكون له تداعيات سلبية كبيرة.

وأوضح الخطيب أن القطاع المالي في لبنان سيتضرر، إذ إن مؤسسات التصنيف الدولية للاقتصاد ستخفض تصنيفها للبلد، وهذا يحمل تداعيات أخرى على الاستثمار والديون.

وأشار الخطيب إلى أن قرار تخلف لبنان عن سداد الديون يدخل اقتصاد البلاد في محل شك وعدم ثقة، وبالتالي يصبح البلد بالنسبة للمستثمرين والدائنين على السواء غير موثوق.

وتابع أن الأمر يكبح الاستثمار، إذ إن أي مستثمر يتخوف من أي شيء يتعلق بالبلد، أما بالنسبة للدائنين فقد يسمح القرار الجديد لأي دائن أن يجر البلد إلى القضاء.

وتوقع الخطيب أن يتم التفاوض مع المصاريف لتحمل جزء من المسؤولية.

واستبعد أن يكون قرار الحكومة مقدمة لإعلان الإفلاس، مشيرا إلى أن هناك بلدانا لها تجارب سابقة في التمنع عن الدفع.

وقال مصدر مطلع، السبت، إن المصارف اللبنانية مستعدة للتحدث مع الدائنين الأجانب للبلاد مع سعي الحكومة لإعادة هيكلة الديون.

وأضاف المصدر أن جمعية مصارف لبنان عينت شركة هوليهان لوكي مستشارا ماليا للمساعدة في العملية، وفقا لرويترز.

وخفضت وكالتا التصنيف الائتماني ستاندرد آند بورز وموديز التصنيف الائتماني للبنان مؤخرا، بسبب الخسائر المتوقعة للدائنين، نتيجة إعادة هيكلة ديون محتملة.

وفي فبراير/شباط الماضي، زار لبنان وفد من صندوق النقد الدولي لإسداء مشورة فنية موسعة فيما يتعلق بسبل معالجة أزمة مالية واقتصادية متفاقمة بالبلاد.

وقال المتحدث باسم صندوق النقد الدولي جيري رايس، في فبراير/شباط الماضي، إن الحكومة اللبنانية طلبت رسمياً المساعدة الفنية في وضع خطة لتخطي الأزمة الاقتصادية، حسب ما نقلت وكالة رويترز عن مصدر رسمي حكومي، ما يعتبر توجها حكوميا للدخول في مفاوضات مع الدائنين لإعادة الجدولة أو إعادة الهيكلة.

السيناريوهات المقترحة لسداد الدين

يتلخص السيناريو الأول في تسديد مستحقات شهر مارس/آذار، البالغة 1.2 مليار دولار من المتبقي في احتياطي مصرف لبنان المركزي.

وهذا الحل سيؤدي إلى تفاقم أزمة سيولة الدولار، في ظلّ نقص مخزون مصرف لبنان بالعملة الأجنبية، علما بأن المصرف المركزي اللبناني يستخدم هذا المخزون عادة لدعم أسعار الواردات الأساسية كالقمح والأدوية والمحروقات.

والسيناريو الثاني هو إعادة جدولة الديون، من خلال الدخول في مفاوضات مع الدائنين، لطلب تأجيل تسديد الدفعات الواجبة السداد.

ويتطرق السيناريو الثالث إلى إعادة هيكلة الدين العام، وهو ما يفرض تلقائيا تأجيل الدفع والاستعانة بصندوق النقد الدولي، ويشمل أيضاً مفاوضات مع الدائنين ونقاشا حول اعتماد لبنان إجراءات جذرية، كالتقشف والزيادة في الضرائب وخصخصة بعض من قطاعات الدولة.

وعن سيناريو عدم تسديد الديون، فهو يعني تأجيل استحقاق جميع الدفعات المتبقية من ديون لبنان عند تخلّف الحكومة عن تسديد المبلغ المستحق في شهر مارس/آذار المقبل، والبالغ 1.2 مليار دولار.

وأجرى وفد من خبراء صندوق النقد الدولي برئاسة رئيس البعثة مارتن سيريزولة منذ نحو أسبوعين اجتماعات مع مسؤولين لبنانيين، لتقديم الاستشارة في كيفية الخروج من الأزمة.

وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى وصول دين لبنان العام إلى نحو 155% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية 2019، بقيمة تبلغ نحو 89.5 مليار دولار، مع قرابة 37% من الدين بالعملة الأجنبية.

تجربة مشابهة

ويشبه الوضع في لبنان الآن، من ضعف اقتصادي وعجز عن سداد ديون تصل إلى 90 مليار دولار، ما تعرضت له المكسيك عندما أعلن الرئيس المكسيكي المنتخب أندريس أوبرادور إفلاس البلاد.

وقال أوبرادور في 17 سبتمبر/أيلولو 2018 أمام حشد من أنصاره “من المحتمل بسبب وضع الإفلاس الذي تقع فيه البلاد الآن، لن نتمكن من الوفاء بكل ما تطلبه البلاد، لكن من الواضح أنه نعم، سنتمكن من الوفاء بكل ما تم التعهد به خلال الحملة”، حسب ما نقلته وكالة أنباء “سبوتنيك” الروسية.

واضطر الرئيس المكسيكى إلى تخفيض الإنفاق الحكومي وإيقاف الشركات عن الاستثمار، خوفا من مخاطر الحرب التجارية، كما ألغيت خطط العديد من المشاريع القومية من بينها تشييد مطار جديد بقيمة 13 مليار دولار.

وقال سيزار فالنسيا خبير الأسواق المالية الدولية في تصريحات سابقة “إن اقتصاد المكسيك راكد بالفعل، فى الربع الأول من العام الجارى شهد انكماشا، وفي الربع الثانى لم ينمُ سوى 0.1% فقط، حيث لا توجد أي محفزات اقتصادية للاستثمار في البلاد”.

وانخفض البيزو المكسيكي بنحو 0.5% مقابل الدولار، ومن المتوقع أيضا أن يصل معدل التضخم العام إلى 3.08%، مقارنة مع 3.31 في أغسطس/آب، وبحلول عام 2020 ترتفع التوقعات إلى 3.49%.