رغم زحف العملات «الرقمية»، مثل البيتكوين وانتشار التعاملات الافتراضية عبر الإنترنت توقعت شركة “جيزيكه أند ديفرينت” الألمانية، الرائدة دوليا في طباعة العملات، أن الأوراق النقدية لن تختفي من التداول في الحياة اليومية في المستقبل المنظور رغم الرقمنة، حيث لا يزال إنتاج العملات الورقية في أوروبا ومناطق أخرى من العالم في تزايد.
ونقلت “الألمانية”، عن رئيس مجلس إدارة الشركة في ميونخ رالف فينترجيرست قوله: إن”الأوراق النقدية لم تتراجع، فحجم إنتاجها لا يزال ينمو على نحو بسيط. الإنتاج في أوروبا لا يزال في ارتفاع، خاصة في شرق أوروبا، ومرتفعا بقوة في إفريقيا أيضا”.
وذكر فينترجيرست أن إنتاج العملات الورقية في الصين مستقر على الأقل، رغم هيمنة الدفع عبر تطبيقات الهواتف الذكية مثل “وي تشات” و”أليباي”، وأضاف: “لا نرصد في الصين أيضا تراجعا في الإنتاج”.
وحتى بالنسبة لمنطقة اليورو، فإن إنتاج العملات الورقية لا يزال مرتفعا، حيث ذكر فينترجيرست استنادا إلى إحصائيات البنك المركزي الأوروبي أن عدد الأوراق النقدية لليورو المتداولة في المنطقة بلغت بنهاية العام الماضي 21.4 مليار ورقة نقدية، ليرتفع عددها بذلك بمقدار ثلاث مرات مقارنة ببدء تداول عملات اليورو النقدية عام 2002، ففي الاقتصادات المتقدمة ، بما في ذلك النمسا وألمانيا واليابان وسنغافورة وسويسرا، لا يزال النقد هو الملك، ولا يُظهِر أي علامة على التخلي عن عرشه، فعلى الصعيد العالمي، ربما 85 في المائة من جميع المدفوعات لا يزال يتم نقدا.
ويؤكد بنك التسويات الدولية هذا الاتجاه العام في دراسة صدرت أخيرا، فنسبة الدفع ببطاقات الائتمان إلى إجمالي الناتج المحلي في سويسرا لا تتجاوز 10 في المئة، مقارنة بنسبة 25 في المئة في السويد و34 في المئة في المملكة المتحدة
ويتجه عدد من الدول حول العالم إلى رفع شعارات نحو التحول إلى تعامل كلي ببطاقات الائتمان، ومن هذه الدول بريطانيا والسويد والنرويج وأستراليا، ويتوقع إيفان سون رجل الأعمال الروسي، اختفاء العملات الورقية في القريب العاجل، مع تفضيل الناس استخدام بطاقات الائتمان بدلا من الأوراق النقدية.
ويتساءل رجل الأعمال، الذي ينشط في القطاع التكنولوجي “كم نحن بعيدون عن الوقت الذي ستقبل المطاعم الدفع فقط بواسطة بطاقات الائتمان؟ لا أعتقد أننا بعيدون عن سماع: نحن نقبل الدفع الإلكتروني فقط”.
وأضاف سون: “إن قاتل النقد يمكن أن يكون “بيتكوين” أو أميركان إكسبريس أو ماستر كارد أو أي شيء آخر، ولكن الخطوة التالية هي الابتعاد عن العملات الورقية”.
وتأتي تلك التصريحات في الوقت الذي تتخذ فيه بعض الدول الأوروبية خطوات فعلية تجاه الحد من استخدام العملات الورقية، فالهند أوقفت التعامل بالفعل ببعض عملاتها الورقية، لكن الوضع مختلف في الدول الناشئة.
السويد قد تصبح أول دولة في العالم تستغني عن العملات النقدية والورقية
وتسعى مملكة السويد لأن تصبح أول دولة في العالم تستغني عن العملات النقدية والورقية في تعاملاتها، بعد أن تراجع استخدامها بنسبة 80 في المئة، حيث يستخدمها السويديون في شراء 20 في المئة من حاجاتهم فقط، فيما تفكر السلطات جديا في اصدار عملة الكترونية، رغم رفض عدد من النواب والناشطين.
كانت السويد أول من بدأ التعامل بالأوراق النقدية في أوروبا في عام 1961، ويمكن أن تصبح أول دولة تستغني عن السيولة في العالم. ففي تقرير نشر في عام 2013، توقع البروفيسور نيكلاس أرفيدسون من المعهد الملكي للتكنولوجيا في استوكهولم اختفاء النقود في غضون 2030، ويراجع الآن هذا الباحث في مجال الصناعة الحيوية توقعاته بسبب التغيرات السريعة التي شهدها العالم خلال السنوات الأخيرة.
في عام 2009، كانت قيمة السيولة المتداولة في السويد 106 مليارات كرونة، اي ما يعادل 11.19 يورو، لكن لم يتبق منها سوى 60 مليارا، اي ما يعادل 6.3 مليارات يورو اليوم، وفق البنك المركزي السويدي ريكسبانكن، أي أقل من 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 9 في المئة في منطقة اليورو.
المدفوعات الإلكترونية في الصين تبلغ 45 تريليون دولار بحلول 2020
ويتجنب معظم الناس في الصين التعامل مع النقود الورقية ويجرون المعاملات الرقمية باستخدام هواتفهم الذكية، حتى أن النقود الورقية على وشك الزوال في البلاد
في العام الماضي، ازداد السداد عبر الهاتف في الصين أكثر من الضعف، إذ بلغ مجموعه 5 تريليونات دولار. وتشير الأرقام من الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2017 إلى أن «عليباي» و«وي تشات باي» هما الخدمتان اللتان تسيطران على السوق، إذ تمثل الأولى 54% من المعاملات النقدية الرقمية، وتشكل الأخيرة 40% منها.
تتوقع سي إل سي أي، وهي شركة استثمارية بحثية مقرها في هونغ كونغ، أن تبلغ المدفوعات الإلكترونية في الصين 45 تريليون دولار بحلول العام 2020. ونستطيع اليوم أن ندفع ثمن كل شيء من تأجير الدراجة إلى الوجبات السريعة عبر الهاتف الذكي – حتى أن النقود الورقية ليست طريقة دفع صالحة أحيانًا.
انتشار الدفع الرقمي زاد من حجم التعاملات غير النقدية العالمية
وشهد العالم في السنوات الماضية انتشار الدفع الرقمي، حيث زاد حجم التعاملات غير النقدية العالمية بنحو 11.2 في المئة خلال الفترة بين 2014 و2015، ليصل إلى 433.1 مليار عملية، وفقا لبيانات البنك الدولي.
وتعمل المدفوعات الافتراضية سريعاً على إزاحة المدفوعات النقدية، ولكن ليس بشكل كامل، وليس في كل مكان، ويتزايد الإقبال العالمي على أشكال الدفع البديلة، وتتم مراقبة النقد مراقبة دقيقة، خاصة الأوراق من الفئات عالية القيمة، لمنع التزوير والجريمة.
وتعتزم كوريا وقف سك العملات المعدنية بحلول عام 2020، فيما تشهد المدفوعات عبر الإنترنت طفرة، ويشعر الشباب بصفة خاصة، فضلا عن هؤلاء الأفضل حالا والأفضل تعليما، بارتياح متزايد في الدفع بواسطة البطاقات أو الهاتف الجوال، ففي هولندا، على سبيل المثال، عدد معاملات البطاقات تجاوز النقد، لأول مرة في عام 2015.
إن أحد أصعب التحديات هو تعظيم فرص الحصول على التمويل الرقمي؛ ففي عالم يفتقر فيه مليارا شخص للخدمات المصرفية، مما يعيق النمو ويرسخ الفقر، فإن الإشراك المالي تزداد أهميته في جدول أعمال السياسات.
وفي الاقتصادات المتقدمة أيضا، فإن الأشخاص الذين يفتقرون لخدمات الإنترنت لا يجدون صعوبة فحسب في الوصول إلى شبكات الدفع الإلكترونية، بل إلى الخدمات بشتى أنواعها. ويقول سيغندورف، من بنك السويد المركزي: «إنها مسألة تتعلق بشكل أكبر بالاستبعاد الرقمي؛ فهم محرومون من المشاركة في قطاعات كبيرة من المجتمع».
الاتجاه نحو الرقمنة قد يكون لا رجعة فيه، ولكن لا يمكن التخلص السريع من النقد كافة، لا سيما في الاقتصادات النامية؛ فالأوراق النقدية منخفضة القيمة أدوات دفع مرنة وقوية بشكل كبير.
.
أضف تعليق