“ما أشبه الليلة بالبارحة ” فانقلاب اسطنبول اليوم ضد الرئيس التركى رجب الطيب أوردغان ليس سوى فصل جديد من صراع دائر وإن تغيرت وتبدلت به الوجوه . فقد شهد دفتر أحوال التاريخ التركى الحديث على امتداداه منذ عهد أتاتورك عدة حالات متشابهه كان أبرزها انقلاب كمال الدين أتاتورك نفسه.
1923
قاد الانقلاب الأول في تركيا، مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الدولة الحديثة، للإطاحة بدولة الخلافة عام ،1923 وإعلان سقوطها رسميًا 1924.
1960
وفى عام 1960 دبر قادة ضباط وطلاب عسكريون من الجيش انقلابا عسكريا سلميا على الحزب الديمقراطى الحاكم، للمطالبة بإصلاحات سياسية، وأعدم رئيس الوزراء عدنان مندريس، زعيم الحزب الديمقراطى بسبب توجهاته الإسلامية.
1971
ويطلق على انقلاب 1971 «انقلاب بمذكرة»، وبعد عشر سنوات دبرت القيادة العليا للجيش بقيادة الجنرال كنعان إيفرين انقلابا سلميا وسيطروا على الحكم عام 1980.
وجاء الانقلاب بعد تجدد قتال الشوارع بين اليساريين والقوميين، ليتم اعتقال زعماء سياسيين وحل البرلمان والأحزاب السياسية والنقابات العمالية وفرض دستور مؤقت، منح قادة الجيش سلطات غير محدودة.
1997
وبعد نجاح الإسلاميين فى حزب الرفاه برئاسة نجم الدين أربكان فى الانتخابات والوصول إلى الحكم عام 1997 تدخل الجيش مرة أخرى باعتباره حامى حمى العلمانية فاضطر اربكان لتقديم استقالته فيما سمى «انقلاب ما بعد الحداثة».
2001
في عام 2001 فرض الجيش الأحكام العرفية، وعندما اقترنت فترة حالة الطوارئ التى تعرف فى تركيا باسم «فترة 28 فبراير» بالأزمة الاقتصادية، ظهر على الساحة حزب «العدالة والتنمية» الوريث الشرعى لحزب الرفاة
تركيا الحديثة والجيش
السؤال الآن لماذا تتعدد الانقلابات العسكرية فى تركيا ؟ وما حجم تدخل الجيش فى سياسة الدولة ؟ الإجابة على هذا السؤال تتطلب ان نحرك عقارب الزمن للوراء لنسترجع بعضا من الأسس التى وضعها كمال الدين أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة
حيث كان الجيش عنصراً مهماً فى التغيرات السياسية التى طرأت على الدولة العثمانية. فإن كان السلطان يأتى من آل عثمان دون منازع إلا أن تغيير هؤلاء السلاطين وتغليب أحدهم على الآخر كان للجيش دور مهم فيه.و بعد إعلان الجمهورية التركية فى الربع الأول من القرن الماضى على أنقاض الدولة العثمانية، قام النظام الحاكم على قيادة عسكرية شمولية تبنت “اللادينية” للدولة، وأرادت أن تنشئ دولة حديثة على غرار الدول فى أوروبا
كذلك كان لرجال الجيش التركى يد طولى فى تولى العديد من المناصب المهمة فى الدولة وفى حزبها الأوحد فى حياة مصطفى كمال أتاتورك.
وقد عرفت الفترة الأولى لجمهورية تركيا بفترة الحزب الواحد لمن يؤرخون للديمقراطية فى تركيا والذى ظل يحمل اسمه ذاك حتى اليوم “حزب الشعب الجمهورى” وهو الحزب الذى أسسه قائد الثورة، وقاد الحياة النيابية فى تركيا منفرداً حتى قيام الحرب العالمية الثانية.ولما كانت الفترة الأولى للجمهورية تحتاج إلى تثبيت أركان النظام نجد أن الجيش التركى قد لعب دوراً بارزاً فى القضاء على الثورات الدخلية والتحركات الانفصالية داخل الدولة.
حتى أن إقامة النظام خارج المدن الكبيرة لم يترك للشرطة وقامت به قوات الشركة العسكرية “الجاندرمة” والتى لها مراكز داخل وخارج المدن لاحتواء ما لا تستطيعه الشرطة العادية، ولها وحدات للنجدة والتى يمكن أن تستدعى حتى بواسطة المواطن إن رأى خطراً كبيراً.
فالجيش التركى امتدت سلطاته، بجانب الدفاع عن العدو الخارجى وتثبيت أركان الجمهورية، إلى حفظ الأمن وحراسة الجمهورية، بل وممارسة السياسة بتولي بعض قادته المناصب القيادية فى الدولة والحزب، وأعانهم على ذلك الإرث التاريخى المقبول من المواطن التركى
وبالتالى يمكن القول أن الانقلابات العسكرية فى تركيا تختلف عن بقية الانقلابات فى العالم الثالث، باعتبار أنها تأتى تحت غطاء صيانة الدستور وحماية مبادئ الجمهورية والقضاء على الفوضى التى تعصف بتلك المبادئ وينظر للجيش التركى باعتباره حامى العلمانية وهي الأيديولوجية الكمالية وعقيدة الدولة الراسخة
في تركيا لعب الجيش دوراً سيئاً للغاية في الحياة السياسية خلال عقود طويلة، وعلى الرغم من الشعبية التي يتمتع بها الجيش فإن التدخل في السياسة كان عاملاً سيئاً ساعد على تدهور وضع البلاد إلى مستوى غير مسبوق، خصوصاً في فترات الانقلابات العسكرية، إذ كان الجيش التركي قد أطاح في عام 1960 بعدنان مندريس، أول رئيس حكومة منتخب ديموقراطياً في الجمهورية التركية وقام بمحاكمته وإعدامه مع اثنين من وزرائه، تلا ذلك انقلاب عام 1971 الذي أطاح بسليمان ديميريل، ثم الانقلاب الدموي للجنرال كنعان أفريم عام 1980 والذي مهد لدستور عام 1982، وأخيراً انقلاب عام 1997 على نجم الدين أربكان.
الداعون الى انقلاب عسكري اليوم في تركيا لا يفهمون بأنّ كثيراً من المعطيات التي كانت تتيح للجيش القيام بذلك دون أي عقبات أو عواقب تذكر قد تغيّرت بشكل جذري خلال ما يزيد على عقد من الزمان، لا سيما من خلال التعديلات الدستورية، وأهّما تعديلات عام 2004 و2010 التي مهّدت للكشف عن محاولات الانقلاب التي يقوم بها العسكريون، كما فتحت المجال واسعاً أمام محاسبتهم قضائياً عليها وعلى تلك الانقلابات التاريخية الشهيرة التي قاموا بها سابقاً، مما أدى إلى فتح عدّة قضايا حول التخطيط ومحاولة تنفيذ انقلاب ضد حكومة أردوغان، كقضية شبكة أرغنكون وقضية القفص التي حوكم فيها عشرات الجنرالات ومئات الضباط وعناصر أخرى بتهمة محاولة الانقلاب على حكومة العدالة والتنمية
أضف تعليق