اخبار تقارير

الصين : هل تحيى طريق الحرير أم تلعب بالنار؟

تخارج ضخم بقيمة تجاوزت نصف تريليون دولار لرؤوس الأموال من الصين

خبراء : حرب عملات قد تلوح في الأفق

الصين تحاول لفت نظر صندوق النقد ليدخل اليوان سلة عملات الاحتياطي

 

في الوقت الذي أظهر فيه تقرير نصف سنوي صادر من وزارة الخزانة الأمريكية إلى الكونجرس تراجعا عن وصف اليوان بأنه مقوم بأقل كثيرا من قيمته، فإنه أشار إلى ضخامة تدفق رؤوس الأموال الخارجة من ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

 

ووفقا لتقييمات وزارة الخزانة الأمريكية فإن هذه التدفقات الخارجة من الصين تجاوزت 500 مليار دولار خلال الأشهر الثمانية الأولى من 2015، في الوقت الذي بلغت ذروتها 200 مليار دولار أثناء اضطراب سوق الأسهم العنيف في أغسطس/آب.

وشهد التقرير ما يمكن وصفه بالتحول في عملية تقييم واشنطن للعملة الصينية عندما أشار إلى أنه “في ظل عدم اليقين الاقتصادي وتقلب تدفقات رؤوس الأموال، وما يظهر من تباطؤ النمو في الصين، فإن عملية تقييم اليوان في المدى القصير باتت صعبة”.ومع ذلك أشارت وزارة الخزانة إلى أن اليوان دون القيمة المناسبة في المدى المتوسط.

ترحيب حذر

وتعكس اللهجة المستخدمة في التقرير ترحيبا حذرا من الإدارة الأمريكية بجهود بكين خلال الفترة الأخيرة لتعزيز قيمة العملة الصينية على المدى الطويل بعدما أشارت في الحادي عشر من أغسطس/آب إلى منح قوى السوق دورا أكبر في تحديد سعر صرف العملة.ونوه التقرير إلى دعم اليوان من قبل بنك الشعب بحوالي 230 مليار دولار خلال ثلاثة أشهر فقط هي: يوليو/تموز، أغسطس/آب، وسبتمبر/أيلول.

ومن المعلوم أن الصين كانت في وضع اتهام متواصل من جانب الولايات المتحدة بخفض قيمة عملتها لدعم المصدرين ومنحهم ميزة تنافسية على حسابهم نظرائهم في أمريكا.

الربع الثالث

وأشارت بيانات إلى نمو الاقتصاد الصيني بنسبة 6.9% فقط خلال الربع الثالث، مع تواصل عملية التباطؤ التي يخشى المحللون من تداعياتها السلبية على الطلب القوى للسلع من جانب ثاني أكبر اقتصاد عالمي.

وفي ظل هذه الخلفية القاتمة، فإن تحقيق معدل نمو اقتصادي 6.9% يعتبر أمرا جيدًا بشكل كبير، ورغم أنه يمثل أضعف وتيرة للنمو منذ عام 2009، إلا أن الاقتصاد يعتبر ضعف حجمه آنذاك.

ويمكن تفسير هذه الأرقام الجيدة نسبيًا بإعادة التوازن الذي تم في النموذج الاقتصادي الصيني، ومع معاناة المصانع في الصين، سجل قطاع التصنيع نموًا بنسبة 5.8% في الربع الثالث على أساس سنوي، وهو المستوى الأقل في أكثر من عقدين من الزمن.

إلا أن قطاع الخدمات في الصين سجل معدل نمو 8.6% في نفس الفترة، وهو أعلى مستوياته منذ عام 2011، وهو ما يعتبر أمرا هامًا مع حقيقة أن الخدمات أصبحت تمثل نسبة أكبر من التصنيع في إجمالي الاقتصاد الصيني.

ومع التحول في النموذج الاقتصادي الصيني، فإنه يمكن النظر أيضًا إلى تراجع الاستثمار مقابل ارتفاع الاستهلاك بشكل قوي، حيث صعد الاستثمار بنسبة 10.3% في التسعة أشهر الأولى من عام 2015، وهو أدنى معدل للنمو منذ 15 عامًا، إلا أن مبيعات التجزئة قفزت بنحو 10.8% على أساس سنوي.

وساعد الأداء الجيد لسوق العمل في عملية إعادة توازن نموذج الاقتصاد في الصين، حيث ارتفع معدل نمو الدخل بنحو 7.7% على أساس سنوي.

53a7f709-e0a5-46fe-a395-35b89e696689 ضرب عصفورين

وفى خطوة مفاجئة قررت الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأكبر احتياطي أجنبي خفض قيمة عملتها الوطنية “اليوان”،الأمر الذى ألقى بظلاله على أروقة الاقتصاد وخرجت تكهنات عديدة حول أسباب هذا القرار وتداعياته خاصة وأن معظم الآراء تشير إلى أن حرب عملات بدأت تلوح فى الأفق .

واتفقت آراء كثيرة بأن حرب عملات قد تلوح في الأفق بعد أكبر خسارة تكبدها اليوان الصيني إضافة الى الخسائر الكبيرة التي ضربت سوق الأسهم، وأجمعت آراء الاقتصاديين إلى أن مؤشرات التراجع كشفتها بيانات اقتصادية ضعيفة من الصادرات التي تراجعت بشكل حاد 8.3% خلال الشهر الماضي، وهو صحيح إلى حد كبير، فالصين يهمها هنا اقتصادها بغض النظر عن إرجاع احتمال حدوث ذلك كخطوة نحو تحرير أكثر لتكون العملة الصينية ضمن سلة احتياطي صندوق النقد.

وذكر خبراء أن الصين نجحت إلى حد ما في دعم صادراتها عن طريق التحكم في سعر الصرف خلال الأزمة المالية العالمية وما بعدها، ودعم ذلك نمو قوي للاقتصاد، لكن الحال اختلف الآن مع التباطؤ الواضح للنمو”.

وبحسب الخبراء حتى إذا قصدت الصين ضرب عصفورين بحجر لدعم صادراتها، ولفت نظر صندوق النقد تجاه عملتها وإمكانية دخولها سلة عملات الاحتياطي، فإنها ستكون تحت المراقبة الدقيقة، حيث سيراجع الصندوق تلك السلة خلال الخريف القادم، وهو ما يعني ضرورة ترك اليوان لقوى السوق لإقناع مسؤولي المؤسسة الدولية بجدية التحرك.

هذا يعني مزيدا من التذبذب والضغط على عملات آسيوية في مقدمتها: الوون الكوري، الدولار السنغافوري، والدولار التايواني، فضلا عن الروبية الهندية والرينجت الماليزي بجانب الدولار الأسترالي بسبب أهمية شراكة الصين لأستراليا تجاريا.

 

عملة دولية

فالصين تُعرِب عن رغبتها في التوجه لتطبيق نموذج قائم على الاستهلاك بعد عقود من اعتمادها على عائدات الصادرات للاستثمار محلياً وتحقيق النمو الاقتصادي.

ولكي تطبق الصين رؤيتها لا بد لها من إيجاد مصدر تمويل بديل، يتمثّل في الانفتاح على رأس المال الأجنبي الذي من شأنه أن يكون حلاً لهذه المشكلة إذ يمكنه تحقيق عائدات من المستثمرين، بدلاً من الحصول على عائدات الصادرات.

هذا وتُعد عملية اتخاذ القرار في هذا الصدد معقدة؛ لأنها تؤدي إلى فقدان الصين حصة كبيرة من سيطرتها على نظامها المالي، ولكنها قد حزمت قرارها بعد سنوات من الدراسة من أجل تحقيق هدف جعل “الرنمينبي” عملة متداولة عالمياً.

وكجزء من هذه العملية، تقدمت الصين بطلب للانضمام إلى سلة عملات حقوق السحب الخاصة، وهي أصل احتياطي دولي استحدثه صندوق النقد الدولي؛ بهدف استكمال السيولة العالمية وتستند قيمته حصرياً على العملات الأربع الأكثر تداولاً المتمثلة في الدولار الأمريكي واليورو الأوروبي والجنيه الإسترليني والين الياباني.

ويتم مراجعة عملات حقوق السحب الخاصة كل خمس سنوات كان آخرها في العام الجاري.. ومع ذلك، يرى صندوق النقد الدولي أن تأجيل اتخاذ القرار بشأن إدراج اليوان في سلة حقوق السحب الخاصة إلى العام القادم يتيح المزيد من الوقت للصين لتلبية جميع المتطلبات.

وكانت آخر مرة تم فيها مراجعة حقوق السحب الخاصة كانت عام 2010 عندما قام صندوق النقد الدولي برفض طلب الصين لإدراج عملتها في سلة حقوق السحب الخاصة على أساس أن اليوان لم يكن قابلاً “للتداول الحر”.

جاء هذا القرار نتيجة لعجز العملة الصينية عن تلبية متطلبات جميع العناصر التي تجعل العملة المستخدمة في السلة تستعمل بكل حرية دون قيود على استعمالها، والمتمثلة في المؤشرات والمعايير الأربعة التالية: ضم اليوان إلى عملات احتياط النقد الأجنبي من قبل البنوك المركزية، وحجم المديونيات المصرفية الدولية، وحجم سندات الدين الدولية، ومستوى تداول ودوران اليوان في أسواق الفوركس العالمية.

وإذا تم إدراج العملة الصينية، سيرتفع الطلب وسيشعر المستثمرون والبنوك بالضمان في الحفاظ عليها. في حين قدّر خبراء تدفق الاحتياطات العالمية إلى أصول اليوان بنسبة 10% (11.6 ترليون دولار)؛ أي ما يقارب عشرة أضعاف المبلغ لهذا العام في حال تم ضم العملة إلى سلة العملات.

 

اللعب بالنار

الصين ربما لا تحاول اللعب النار هنا لأن ما يعنيها هو دعم الاقتصاد، الأمر برمته يرجع للمصالح، لكنها لا تعيش وحدها ولن تتأثر وحدها، لكنها ستكتوي بالنار مع الآخرين ..لماذا؟.وبغض النظر عن ارتفاع فاتورة خدمة ديون الشركات المقترضة بالعملات الأجنبية، وزيادة تكلفة الواردات مع التخلي عن سياسة اليوان القوي لدعم الطلب المحلي، فإن فرار رؤوس الأموال يكون منطقيا تبعا لتحليل الوضع.

فما الذي يجبر رؤوس أموال أجنبية مقومة باليوان على البقاء في بلد عملته تتراجع، والنمو يتباطأ، وقد أتت في الأساس للاستفادة من معدل دوران سريع لرأس المال، وعائد مجز بدعم من نمو قوي بات فاترا بالمقارنة مع سنوات سابقة تجاوز فيها 10% “معدل النمو 7% خلال الربع الثاني وهو الأقل منذ عام 2009”.

إذا هدف البنك المركزي من ذلك دعم الأسهم وتحسين صورة سوقها بعد هبوط حر وتذبذب كبير محا تريليونات اليوان من القيمة السوقية لأسهم بورصة شنغهاى فهو يغامر إن لم يكن يقامر، لأن رد الفعل بان في تحرك نحو الملاذات الآمنة من الذهب والسندات، وربما زاد التوجه مع استمرار مثل هذه الخطوات لخفض أكبر لقيمة اليوان.

الأسواق العالمية

وأربك قرار بنك الشعب الصينى بخفض قيمة اليوان الأسواق العالمية في أمريكا وأوروبا وآسيا والشرق الأوسط وأصاب الاقتصاد العالمي بـ “تسونامي” جديد حيث يحاول المارد الاقتصادي الصيني عبر تلك الخطوة المفاجئة والسريعة إحداث استقرار في سوقها الذي يعتبر ثاني أكبر سوق عالمية بعد السوق الأمريكية حجمها 6 تريليونات دولار كما تملك احتياطياً نقدياً يتجاوز 3,65 تريليون دولار إلى جانب جذب المزيد من الاستثمارات وتوسيع مواعين صادراتها التي يعتمد عليه اقتصادها لتكون أكثر تنافسية وتمكين المستثمرين لشراء الموجودات الصينية الرخيصة… وتأتي مخاوف “الكبار” من أن تتحول المسألة إلى “حرب عملات” دولية وتكمن أهمية الاقتصاد الصيني في كونه المحرك الرئيسي لماكينة النمو العالمي وأسعار السلع الرئيسية في مقدمتها النفط والغاز الطبيعي والمعادن لذلك ينظر الاقتصاديون بقلق إلى مؤشرات سالبة للاقتصاد الصيني. ويخشى الخبراء في أمريكا أن يضع المزيد من الضغوط الصعودية على الدولار مما يؤثر على النمو الاقتصادي وأرباح الشركات الأمريكية التي لها استثمارات وأعمال في الصين ويربك خطط المركزي الصيني برفع معدلات الفائدة.

 

indexالأسواق العربية

كما أن الخطوة الصينية قد تربك الأسواق العربية والشرق أوسطية حيث إن انهيار اليوان سيعني عمليا إغراق الأسواق العالمية بالسلع الصينية الرخيصة جدا وإرباك دورة الانتعاش الاقتصادي الأمريكي وعودة أوروبا إلى الكساد الاقتصادي

ويتساءل خبراء عن تأثيرات هذه الخطوة على أسواق الشرق الأوسط والخليج لاسيما بعد إقامة أول مركز مقاصة للعملة الصينية “الرمينبي” بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الدوحة، في خطوة تاريخية تهدف إلى تعزيز حجم التجارة والاستثمارات وتسهيل العمليات المالية بين قطر والصين من جهة والمنطقة من جهة أخرى وقال محافظ مصرف قطر المركزي الشيخ عبد الله بن سعود آل ثاني، إن افتتاح مركز تسوية العملة الصينية بالدوحة يشكل منعطفا مهما في العلاقات الاقتصادية والتجارية التي تربط البلدين وبعد منح دولة قطر حصة ثلاثين مليار يوان للاستثمار بأسواق الأسهم الصينية. كما أن المركز سيقلص من حجم المخاطر لدى التجار بسبب تغيرات صرف العملات الوسيطة، وينظم العلاقات التجارية والمالية، ويفتح الأبواب أمام الاستثمار بالسوق الصينية، فضلا عن دوره في تحويل الأموال بطرق قانونية وسليمة. حيث أضحت العملة الصينية تاسع أكثر عملة تداولا بحجم يصل إلى 120 مليار دولار في اليوم، وخامس أكبر عملة من حيث المدفوعات العالمية لكون “الرمينبي” ستصبح عملة عالمية إلى جانب اليورو والدولار والين وغيرها من العملات وإتاحة الفرصة للبنوك القطرية لولوج السوق الصينية، كما أن افتتاح المركز سيساعد على تسويق العملة الصينية بالمنطقة وتنشيط الاستثمارات المشتركة والخدمات المالية بالمنطقة كلها ويعتقد أن التطورات الحاصلة في السوق الصيني تتطلب توضيحات من “المصرف المركزي” لطمأنة قطاع الأعمال والبنوك التجارية لاسيما أن دولة قطر ترتبط بعلاقة تجارية ضخمة مع الصين حيث بلغ حجم التبادل التجاري بينهما أكثر 11.5 مليار دولار.

التأثير على النفط

لكن التأثير الأبرز هنا على النفط الذي هبط لأدنى مستوياته منذ مارس عام 2009 قرب 43 دولارا ، فالصين ثاني أكبر مستهلك للذهب الأسود بعد أمريكا، وتلك الخطوة سترفع تكلفة استيراده، بجانب أن النفط يتعرض لضغط بسبب اتفاق ايران النووي، فضلا عن ارتفاع انتاج “أوبك”، في الوقت الذي بدأت فيه اليابان اعادة تشغيل أول مفاعل نووي للمرة الأول بعد كارثة فوكوشيما قبل أربعة أعوام مما يعني تقليص الاعتماد على النفط لتوليد الطاقة.