تقارير

انعكاسات متوقعة ..كيف سينهي الاقتصاد البريطاني 2018؟

فى ظل المخاوف المتزايدة من تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وضبابية المشهد التفاوضي بين لندن وبروكسل أضحى الاقتصاد البريطاني قاب قوسين أو أدنى من تسجيل مؤشرات هى الأسوأ منذ الأزمة المالية العالمية  وذلك بنهاية العام الجارى 2018

وتحبس الشركات البريطانية أنفاسها عشية الاجتماع البريطاني – الأوروبي المتوقع في بروكسل الأسبوع الجارى  والذي سيعقد على أعلى مستوى تفاوضي ممكن، سيعيد البحث فيما توصل إليه الطرفان بشأن خروج بريطانيا من عضوية الاتحاد الأوروبي.وكانت الشركات البريطانية غرقت في التشاؤم بعد فشل اجتماع مماثل عقد في سالزبورغ النمساوية الشهر الماضي، وتبين بعده أن سيناريو الطلاق الصعب بين الطرفين “ممكن جداً”، على الرغم من وعي جميع الأطراف بخطورة تداعياته السلبية”.

 

الفشل في التوصل إلى اتفاق ما الأسبوع الجارى سيطلق العنان لمخططات بديلة بشكل “عشوائي” أحياناً، تحفظ للشركات البريطانية بعض مكاسبها أو تحول دون تدهور أوضاعها أكثر. وتضيف تلك المصادر: “التوقعات السلبية مستمرة منذ إعلان نتائج استفتاء بريكست في يونيو عام 2016… لكننا كنا نتوقع التوصل إلى اتفاق تجاري يبقي نسبياً على حرية تبادل السلع والخدمات. أما الآن، وبعد اضمحلال بعض تلك الآمال، فلا نعول إلا على الفترة الانتقالية التي ستلي مارس 2019، أي موعد الانفصال المقبل علينا سريعاً في غضون أقل من 6 أشهر. والفترة الانتقالية المعول عليها تمتد 21 شهراً”.ويشير المتشائمون إلى أن حصول اتفاق ما لن يكون نهاية الأحزان، لأن ذلك الاتفاق يحتاج إلى إقرار في البرلمان البريطاني، وهذا ما ليس من الأكيد حصوله، لأن المحافظين يصعدون اللهجة متوعدين بأنهم سيقفون بالمرصاد لذلك. ما يعني أننا سنكون أمام “قفزة في الهواء”، وفقاً لتعبير مسؤول في اتحاد الصناعات البريطانية.

 

وتعزز تشاؤم البعض منذ الصيف الماضي، عندما طلبت السلطات البريطانية من شركات الأغذية والأدوية التحوط بتكوين مخزون لعدة أشهر يجنب البلاد خطر نقص المواد في حال عدم التوصل إلى اتفاق سريع مع الاتحاد الأوروبي.ويقول تقرير لاتحاد الصناعات البريطانية إن 180 ألف شركة بريطانية بين صغيرة ومتوسطة الحجم غير حاضرة لإجراءات استيراد وتصدير جديدة، لأنها لم تعرف يوماً ما البيان الجمركي المطلوب منها.

إلى ذلك يؤكد تقرير آخر صادر عن شركة “ديلويت” أن 79% من المديرين الماليين في الشركات البريطانية غير متفائلين بمستقبل الأعمال على المديين المتوسط والطويل. أما غرفة التجارة البريطانية فتقول إن “20% من الشركات تخطط لنقل جزء – أو أجزاء – من أعمالها وأنشطتها إلى خارج البلاد، وتحديداً باتجاه دول الاتحاد الأوروبي، كما فعلت إحدى شركات السيارات وتفعل البنوك الكبيرة. و40% من الشركات ألغت أو أجلت تنفيذ خطط استثمارية بانتظار ما ستؤول إليه المفاوضات الصعبة بين البريطانيين والأوروبيين”.

وفي حال عدم الاتفاق، فإن شبح الركود ماثل أمام أعين القطاع الخاص، علماً أن النمو الاقتصادي الذي يتراوح منذ سنة حول معدل 1.2% فقط يبقى ضعيفاً، مقارنة بمستواه الذي كان قبل الاستفتاء في 2016. وهذا ما تؤكده أيضاً دراسة صادرة عن المركز الأوروبي للأعمال أشارت إلى أن الاقتصاد البريطاني الآن أقل بإمكاناته بنسبة 2.5 في المئة، مقارنة بحجمه وإمكاناته قبل الاستفتاء.

أحدث الإحصاءات الرسمية الصادرة في لندن أظهرت أن الاقتصاد البريطاني سجَّل تحسناً في الأداء خلال الشهور القليلة الماضية، أي أن موسم الصيف كان أفضل من غيره، لكن هذه الأرقام لن تتمكن بأي حال من الأحوال -كما يقول الخبراء- أن تنقذ العام بأكمله من تسجيل أسوأ أداء له منذ 10 سنوات.

وخلال الشهور الثلاثة المنتهية مع نهاية أغسطس الماضي، أي خلال موسم الصيف السنوي، تمكن الاقتصاد البريطاني من تسجيل نموا بنسبة 0.7%، مقارنة مع نمو بنسبة 0.2% في الربع الذي سبق من العام الحالي، وهو ما يعني أن الأداء الاقتصادي سجل تحسناً ملموساً خلال الفترة المشار إليها لكنه يظل دون السنوات الماضية.

وأرجع تقرير لموقع “بزنس إنسايدر” السبب في تحسن الأداء الاقتصادي في بريطانيا خلال الصيف الى عاملين اثنين، الأول مباريات كأس العالم والتي تأهلت فيها انجلترا إلى الدور النهائي لأول مرة منذ سنوات طويلة، أما السبب الثاني فهو سلسلة غير مسبوقة من ارتفاع درجات الحرارة ضربت بريطانيا خلال فصل الصيف وأدت بالكثير من البريطانيين إلى قضاء أوقات أطول خارج منازلهم.

وخلال الشهور الثلاثة المنتهية مع نهاية أغسطس الماضي، أي خلال موسم الصيف السنوي، تمكن الاقتصاد البريطاني من تسجيل نموا بنسبة 0.7%، مقارنة مع نمو بنسبة 0.2% في الربع الذي سبق من العام الحالي، وهو ما يعني أن الأداء الاقتصادي سجل تحسناً ملموساً خلال الفترة المشار إليها لكنه يظل دون السنوات الماضية.

وقال مركز “كابيتال إيكونوميكس” للبحوث الاقتصادية إن “التحسن الاقتصادي الذي تم تسجيله خلال الشهور الماضية سوف يكون قصير الأجل”، متوقعاً أن يسجل الاقتصاد البريطاني أدنى نسبة نمو له منذ العام 2010 عندما تراجع متأثراً بالأزمة المالية العالمية التي بدأت في الولايات المتحدة بانهيار بنك “ليمان براذرز”.

 

وعلى صعيد القطاعات، يسود القلق العاملين في الأنشطة المالية خوفاً من تأكد اتجاه عدم شمول هذا القطاع في أي اتفاق متوقع، وتشير مصادر حي المال اللندني إلى أن معظم الشركات الصغيرة العاملة في الأنشطةالمصرفية والتأمينية والوساطة والتداول وإدارة الأصول غير حاضرة لسيناريو الانفصال الصعب، وتراهن هذه الشركات على المرحلة الانتقالية التي ستلي تاريخ مارس 2019 لتعرف مآلها في ممارسة أعمال في دول الاتحاد الأوروبي، علماً أن قواعد العمل الجديدة ستفرض على هذه المؤسسات تحمل كلفة إضافية قد لا يكون باستطاعة بعضها تحملها.

أما المؤسسات المالية والمصرفية الكبيرة، فكانت بدأت التحضير للسيناريو الصعب عندما اتجهت لنقل بعض أعمالها إلى عواصم مثل فرانكفورت وباريس وبروكسل ودبلن، وهذا ما فعلته بنوك مثل “جي بي مورغان” و”سيتي بنك” و”بنك أوف أميركا” و”دويتشه بنك”، وغيرها من المصارف الكبيرة.وسيؤثر ذلك حتماً في مكانة لندن مركزاً مالياً عالمياً، حيث يتوقع فقدان 10 آلاف وظيفة على الأقل، إذ تكفي الإشارة إلى ما أعلنه “دويتشه بنك” لجهة نقل 75% من أصوله المدارة في لندن إلى فرانكفورت، وتلك النسبة يقدر حجمها بمئات المليارات.

أما على صعيد العقار، فالقطاع شبه راكد حالياً بانتظار نتائج قمة الأسبوع  الجاري ,فبعد سنوات من الطفرة المتواصلة المحققة لنمو سنوي متوسطه 20 في المائة، يسود الآن “بعض الاكتئاب”، بحسب وسطاء. ويقول وسيط في لندن: “كان القطاع بدأ يتأثر منذ عام 2015 عندما وضعت عليه ضرائب جديدة، وتفاقم الوضع بعد الاستفتاء. وهذه السنة هبطت أسعار العقارات الممتازة في وسط لندن 9%، وبدأ الهبوط يصل إلى أحياء لندن الكبيرة”.

وأطلق محافظ بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) مارك كارني الشهر الماضي تصريحاً توقع فيه هبوطاً بنسبة 35% إذا لم تتوصل بريطانيا إلى اتفاق مع الأوروبيين. ومنذ ذلك التصريح، يؤكد الوسطاء أن الزبائن يترددون في الشراء وينتظرون.

ويستفحل الركود المرحلي في العقارات الممتازة، وتتسع الفجوة بين الأسعار المعلنة والأسعار التي يقبل بها الزبائن، وذلك بعدما هبط عدد الصفقات بنسبة 25% هذه السنة، حتى إن شهر أغسطس الماضي شهد ظاهرة لافتة تمثلت في سحب 40% من العروض من التداول لأن الطلب انعدم عليها. ويتأثر هذا القطاع حالياً بخروج أوروبيين خصوصاً من حي المال، وبتريث المستثمرين العالميين في عقد صفقات شراء المنازل الفخمة.

وفي قطاع النقل، يسود قلق مضاعف أيضاً، والترقب الحذر جداً يشمل القطاعات الجوية والبحرية ومعبر المانش، خصوصاً بعد صدور تقارير توضح كيف سيتأثر الناتج الأوروبي على المدى الطويل بنسبة 0.44%، مقابل تأثر سلبي بأكثر من 4.2% للناتج البريطاني جراء عودة الحدود والجمارك والتفتيش.وفي التقارير أيضاً أن النقل ستزيد كلفته 5% على الأقل، وأن انتظار الشاحنات على طرفي نفق المانش سيبلغ 27 كيلومتراً من كل جهة، وهذا سينعكس على أسعار السلع لجهة ارتفاعها.

ويتوجب أن تخرج بريطانيا بشكل فعلي وكامل من الاتحاد الأوروبي وتنهي عضويتها فيه قبل نهاية شهر مارس من العام 2019، وهو ما يعني أن شهوراً قليلة أصبحت تفصل البريطانيين والأوروبيين عن هذا الاستحقاق. وذكر وزير المالية البريطاني فيليب هاموند أن بريطانيا تعمل على تخصيص احتياطي مالي لدعم الاقتصاد في حال حدوث اضطراب عند خروج البلاد رسميا من الاتحاد الأوروبي.ولم يعط هاموند تفاصيل عن حجم الاحتياطي الذي يخطط لوضعه لكنه أضاف أنه سيستخدم لدعم الإنفاق أو خفض الضرائب أو لخدمة الدين بطريقة أسرع.

جاءت تصريحات الوزير مع وصول المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي إلى أزمة مجددا مع تنامي الاعتراض في لندن قبل القمة المرتقبة