مقابلات

خاص : شريف صفوت سفير مستقبل الاتصالات فى الشرق الأوسط

يرى شريف صفوت الرئيس التنفيذي لشركة ” TMD ” أن أهم التحديات التى تواجه قطاع الاتصالات  تتلخص بتنامي التحول في سلوك المستهلك نحو التطبيقات الرقمية والازدياد المتنامي في توقعات العُملاء من المشغلين. بحيث لم يعد ممكنا في عالم اليوم الاكتفاء بالتعريف التقليدي لقطاع الاتصالات بل امتد ليشمل مجالات لم نكن نتوقعها
ويضيف صفوت “تتمثل رؤيتنا  tmdفى بأن نكون في طليعة التطور الرقمي في المنطقة وهو مايحتم علينا أن نقوم بدورنا لإثراء قطاع الشركات الناشئة والبيئة المحفزة لها في المنطقة. وانطلاقا من خبرتنا في المجال وشبكة علاقاتنا العالمية وخبراتنا السابقة فإن tmd مؤهلة لإدخال أفضل التقنيات من العالم إلى المنطقة، وليس ذلك فحسب بل جسر الهوة في وفرة التمويل والاستثمارات فيها.وسنعلن قريباً عن تأسيس صندوق استثماري لدعم هذا النوع من النشاط سيطلق عليه (The Bridge)” .

بداية كيف تُقيم قطاع الاتصالات في المنطقة؟

تعد أحوال قطاع الاتصالات في المنطقة انعكاس للأوضاع الاقتصادية للدول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي تتسم بتباينها. فقد وصلت غالبية الأسواق  إلى مرحلة التشبع أو تجاوزتها ومنها دول الخليج التي تجاوزت فيها نسبة التشبع الـ 170%، فيما لا تزال هناك فرصة في بعض الأسواق للنمو والانتشار في خدمات الصوت والخدمات التقليدية مثل الاردن ولبنان والعراق واليمن وشمال أفريقيا. وهو الأمر ذاته بالنسبة للنمو في مجال البيانات التي تجاوزت نسبة التشبع فيها الـ 25% بشكل عام والـ 50% في ثمانية من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا . فاليوم الإمارات والكويت والسعودية تحتل الصدارة وتعتبر من الدول الرائدة عالمياً في انتشار خدمات البيانات المتحركة، حيث تجاوز معدل انتشارها الـ 65%، بينما لاتزال نسبة انتشار هذه الخدمات في بعض دول المنطقة لاتتجاوز الـ 7%.
معدل العائدات من استهلاك الفرد (ARPU) في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يبلغ 20 دولاراً أمريكيا وهو أعلى بكثير من المعدل العالمي البالغ 12 دولاراً أمريكياً. وهذه المعدلات تتفاوت على مستوى منطقتنا، وتكمن المفارقة بأن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا موطن لمجموعة من أعلى وأقل الأسواق في نسب العائدات على من استهلاك الفرد على مستوى العالم. فالكويت ولبنان والإمارات وقطر مجتمعة بلغ فيها معدل العائدات من استهلاك الفردالـ 35 دولاراً أمريكياً، بينما بلغ ذلك لمصر واليمن أقل من 5 دولارات أمريكية.
وعند الحديث عن أحوال قطاع الاتصالات في المنطقة لابُد من الإشارة إلى أجواء المنافسة فيها. ففي السعودية منافسة شدية ,وهناك 3 مشغلين ومشغلين بنظام الشبكات الافتراضية MVNO، وكذلك المنافسة شديدة في الأردن والبحرين من جهة وبينما لازالت أسواق الإمارات وقطر ولبنان مقتصرة على مشغلين اثنين فقط. وما يميز هذه الأسواق أن هيئات تنظيم الاتصالات تلعب دوراً أكبر من أي منطقة أخرى في العالم في تحديد متغيرات ومؤشرات أداء سوق الاتصالات، مع ملاحظة أن التوافق مع الشريعة الإسلامية يعتبر أحد أهم العناصر الخاصة بوضع السياسات الناظمة في بعض دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وبالنسبة لوضع أسواق المنطقة من حيث الخدمات، لازالت خدمات الدفع الفوري تشكل 70% فى المعدل  بينما تجاوزت هذه النسبة الـ 95%  في بعض الدول مثل مصر وليبيا والمغرب والعراق.
وتقوم 5 مجموعات من شركات الاتصالات بتشغيل معظم الخدمات في المنطقة، فمجموعة “زين” تقدم خدماتها في 7 أسواق، ومجموعة “أوريدو” قطر تقدم خدماتها في 6 أسواق وشركة “اتصالات” الإماراتية في 4 أسواق، و”الاتصالات السعودية” في 3 أسواق  ومجموعة “أورانج” الفرنسية في 5 أسواق، وكما تملك كل من بتلكو وفودافون حصة في مشغلين اثنين لكل منهما في المنطقة. وتستثمر مجموعات شركات الاتصالات هذا الانتشار في جانبين الأول تعزيز قدرتها في مجال مفاوضات المشتريات والموردين وكما تتيح لها توحيد استراتيجياتها الخاصة بالهوية (العلامة التجارية). وهو أمر ظاهر في نشاط مجموعة كيوتل القطرية التي تواصل عملية توحيد عملياتها تحت هوية أوريدو التي بدأت في 2013. ومع نهاية فترة الصيف ستقوم مجموعة كبرى في الخليج بخطوة مشابهة، وهي محطة هامة لهذه المجموعة التي إن تمت كما هو مخطط ستسهم في توحيد هوية الشركة في المنطقة، وحول الفترة ذاتها سنشهد نهاية عصر طويل حيث سيتم إعادة إطلاق إحدى أهم العلامات التجارية بمجال الاتصال في مصر تحت هوية المؤسسة الأم.
وأما بالنسبة لحجم سوق الاتصالات في المنطقة فهي تضم أكثر من نصف مليار عميل، ويقدر حجم السوق بـ 41 مليار دولار أمريكي منها 30 مليار من خدمات المتحرك و10 مليار دولار من خدمات الهاتف الثابت، ونحو مليار دولار لتلفزيون الهاتف المتحرك المعروف بـ IPTV. ويستأثر السوق السعودى بالقسم الأكبر من الإيرادات بما يعادل  18 مليار دولار أمريكي.
لازالت عائدات خدمات الصوت تشكل غالبية عائدات الهاتف المتحرك في المنطقة اليوم ، ولكن في الوقت ذاته هي في تراجع مستمر متأثرة بالاتجاهات العالمية وسط تنامي الاعتماد على الخدمات المستندة على البيانات المتحركة. وتحت تأثير المتغيرات في الأسواق العالمية فإن عائدات الاتصالات تشهد تباطؤ في النمو ولكن بشكل أقل بسبب تأثير تشبع الأسواق الذي ذكرته سابقاً.
ولابد أن أحذر المشغلين في المنطقة من خطر الوقوع في مأزق التحول لمجرد مزود خدمات، تقليدية وهو أمر يمكن التغلب عليه بالتركيز على الابتكار والتفوق على مزودي خدمات الـ OTT (خدمات الاتصال غير التقليدية) التي أغرقت الأسواق.
وقطاع الاتصالات في المنطقة مثل غيره من القطاعات ليس بمنأى عن التحديات العالمية التي سأتطرق لها بالتفصيل لاحقاً. وبرأيي أن هناك العديد من العوامل في المنطقة تجعلها فرصة سانحة للاستثمار أكثر من المناطق الأخرى في العالم.

ماهي أبرز التحديات التي يواجهها القطاع اليوم؟
يمكن وضع عنوان رئيسي لتحديات القطاع اليوم، وتتلخص بتنامي التحول في سلوك المستهلك نحو التطبيقات الرقمية والازدياد المتنامي في توقعات العُملاء من المشغلين.
لم يعد ممكنا في عالم اليوم الاكتفاء بالتعريف التقليدي لقطاع الاتصالات بل امتد ليشمل مجالات لم نكن نتوقعها يوماً ما، ففاتورة الهاتف المتحرك التي ندفعها تشمل كلفة خدمات لاعلاقة لها بالاتصال الصوتي. فهواتفنا أصبحت نافذتنا لمواكبة آخر الأحداث والألعاب وقراءة الأخبار وطلب الطعام بلمسة واحدة. وليس ذلك فحسب بل لمراقبة حالتنا الصحية والتعليم والثقافة ودفع فواتير الخدمات والتسوق الإلكتروني وتحويل الأموال محلياً ودولياً. وحتى أصبح الهاتف نافذة سهلة لانجاز متطلبات سفرنا من حجز تذاكز الطيران والتاكسي وحتى طلب طائرة مروحية ( مثل UberChopper).
وأصبح الاتصال اليوم قائماً على تطبيقات الهاتف المتحرك، فالمحادثات التي كانت تعتمد في السابق على محادثات هاتفية أو عبر الرسائل النصية اصبحت تتم عبر منشورات وسائل الإعلام الاجتماعي والتعليقات عليها. وهو ما أثر سلباً على العائدات التقليدية للشبكات والتهمتها لصالح مزودي خدمات الـ OTT ومنها خدمات الاتصال عبر بروتوكول الانترنت VoIP وتطبيقات التراسل الفوري. ومنها Facebook Messenger الذي يخدم 600 مليون مستخدم شهرياً، و Whatsapp بـ 700 مليون وSkype بـ 300 مليون وiMessage بـ 250 مليون و Line بـ 200 مليون. هذه التطبيقات وغيرها المشابهة تُهدد المشغلين رغم كونها تطبيقات قائمة على الاشتراكات.
منذ بدء موجة التطبيقات وخدمات الـ OTT وحتى وقتنا الحالي نجح مزوديها بتحقيق عائدات ضخمة بالاعتماد على شبكات مشغلي الاتصال دون أي مقابل في غالبية الأحيان. وبينما كانت السمة المميزة لخدمات الـ OTT هي تزويد الخدمات الابتكارية أصبحت اليوم تُهدد مشغلي الاتصال في دخلهم الرئيسي المتمثل بالمكالمات الصوتية. ومن أبرز الأمثلة إطلاق  Facebookخدمة المكالمات الصوتية Hello، وخاصية المكالمات الصوتية عبر WhatsApp، وحتى google انضمت إلى مراتب مزودي الخدمات الاسلكية.

إن عائدات خدمات الـ OTT (خدمات الاتصال غير التقليدية) ستواصل نموها بنسبة تبلغ 4 أضعاف نمو عائدات خدمات الاتصال التقليدية لمشغلي الاتصال. ولابد أن يُدرك المشغلون حقيقة هامة هي أن العُملاء أو المستهلكين أصبحوا مرتبطين بصانعي الأجهزة ومطوري التطبيقات، وبالتالي حدث تغيير جذري في نظرتهم نحو المزود الحقيقي لخدمات اتصالهم. وبالتالي لم يعد ممكناً الاكتفاء بالتعريف التقليدي لتجربة العميل المتمثل بجودة الصوت أو الشبكة ومعايير أداء مراكز الاتصال بمفهومها التقليدي.
وإن توقفنا عند كل ما ذكرته سابقاً فالنتيجة الحتمية هي انفجار في استهلاك البيانات وهو نمط سيكون من المكلف جداً مجارته . ويلهث مشغلو الاتصال أمام هذا التحدي لتحويل هذا النمط الاستهلاكي إلى سيولة وعائدات من خدمات البيانات، وذلك حتى لايتحول مشغلو الاتصال لمجرد أنبوب مرور لحركة الاتصال، ولكن في الوقت ذاته إن العائد على الاستثمار من هذه الخدمات أقل بكثير مقارنة بعائد المكالمات الصوتية.

ولمواكبة هذا النمط في الاستهلاك ولتوفير سعات اتصال مناسبة له، لابد من ضخ استثمارات هائلة لتطوير البنية التحتية الموجودة حالياً لدى المشغلين. ومن ذلك مد شبكات الألياف الضوئية وتحسين التغطية داخل المباني لتحسين مدى وصول الخدمات القائمة على تحديد المواقع، ومن المهم أيضاً الانتقال إلى موجات ذات سعات أكبر وتوفير موجات ترددية جديدة وهو مورد شحيح في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. كل ذلك إدى إلى تقليص هامش الربح وأصبحت فعالية الإنفاق وتعهيد الخدمات طوق النجاة للمشغلين لمحاولة تحقيق التوازن والحد من التأثير على العائدات. ولم تعد عمليات التطوير البسيطة التي يقوم بها المشغلون لمواكبة المتطلبات الرقمية كافية. التحدي يتمثل في إيجاد التوازن بين عروض قيمة محلية تخدم معادلة مالية سليمة.

2نأتي للسؤال الأهم اليوم، أين تكمن الفرص الكبرى لتحقيق النمو لقطاع الاتصالات اليوم وما هو مستقبل القطاع؟
أؤمن أن الفرص الكبرى هي في خدمات المؤسسات والخدمات الرقمية. الـ”Digital ” هو العنوان. التحدي الأكبر للمشغلين يمكن أن نحوله إلى الفرصة الكبرى إن تمت إدراته بشكل مدروس. وهذا يبدو جلياً في سلوك المشغلين في المنطقة الذين قاموا بإدماج البعد الرقمي في استراتيجية عملهم لفترة 2015 وبعدها . وخلال لقاءاتي مع الرؤساء التنفيذيين أصبح ذلك بارزاً من خلال مسميات من يصاحبهم من الإدارات التنفيذية مثل الرئيس التنفيذي الرقمي، والرئيس التنفيذي للابتكار، والرئيس التنفيذي للتطوير والتحول. وبيدو جلياً أنهم مسؤولون عن كافة الملفات الهامة والمشاريع لدى المشغلين.
وفي المجال الرقمي هناك 5 أولويات:
1. المحتوى ومزودي المحتوى الذين سيلعبون دوراً محورياً في تشكيل المستقبل الرقمي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وبالنظر إلى أن غالبية سكان المنطقة من الشباب فقد أصبحت الثقافة الرقمية المتعطشة للمحتوى وآخر التطورات التقنية هي السمة السائدة. وهو ما أدى إلى ظهور مشاريع بارزة تعتبر ترجمة لذلك مثل ألعاب فلافل، وأنغامي، وicflix.
2. التقنية المالية (FinTech): إن الخدمات المالية تعتبر قطاعاً رئيسياً من مدخلات الناتج المحلي الإجمالي وخاصة أنها تعتبر من أكثر القطاعات القادرة على استثمار الفرصة الرقمية. فتطبيقات مثل Nutmeg وSquare وBeam قامت بتفكيك الخدمات البنكية ومبدأها غير التقليدي ستغير قطاع العمل المصرفي كما نعرفه اليوم.
3. الحكومات الرقمية والمدن الذكية: والتي تقوم على التخاطب الآلي M2M وإنترنت الأشياء لخلق بيئة من التقنية سهلة الاستخدام التي تعزز الانتاجية، وبالتالي تقلص الإنفاق العام وتعزز سرعة اتخاذ القرار والابتكار.
4. الخدمات الصحية الرقمية: ومن أبرز الأمثلة مضاعفة شركة ناشئة مثل Fitbitقيمتها السوقية بنسبة 50% في اليوم الأول من إدراجها في سوق المال.
5. الإعلان عبر الهاتف المتحرك: وهو قطاع يشهد قفزات هائلة في الابتكار ومن ذلك أننا نقوم حالياً بدراسة حلول الإعلانات العطرية عبر الهاتف المتحرك، والتي ستنعكس إيجابياً على إعلانات  صناعات مثل الأغذية والعطور وغيرها.
ومن الاتجاهات العصرية أيضاً التي تُساهم في رسم مستقبل قطاع الاتصالات باقات الخدمات القائمة على البيانات، وتقنيات الخصوصية والتشفير سواء على مستوى البرمجيات أو المعدات، ونماذج تكرار المحتوى (Aggregators) بالإضافة إلى التجارة الرقمية للخدمات والمنتجات، وتطبيقات الدفع والدخول عبر تقنية الـ NFC التي طال انتظارها، والأجهزة التي يتم ارتداؤها على اليد، والأجهزة اللوحية الهاتفية، وازدهار التوجه نحو الطائرات بلاطيار، وتحديد المواقع عبر البلوتوث BLE ونقاط الاتصال اللاسلكي بالإنترنت Wi-Fi والمحركات والمجسات الرقمية فائقة الصغر.

وفي مجال التسويق الرقمي ستكون الألعاب الرقمية التسويقية (Gamification) ظاهرة سائدة خلال عدة سنوات مقبلة. ومن الانماط الأخرى التي لدي أنا شخصياً اهتمام كبير بها هي تقنية التعقب الشخصي (Personal Tracking) التي تتيح لنا تتبع ممتلكاتنا، وحيواتنا الأليفة وحتى مراقبة أطفالنا لضمان سلامتهم. ونحن في مفاوضات مع مجموعة من مشغلي الطيران البارزين لتزويدهم بتقنيات تتبع المواقع الذكية لأمتعة عُملائهم المتميزين.

كيف ترى مستوى الابتكار في قطاع الاتصالات؟ وماهي العناصر الرئيسية لتمكين قطاع الاتصالات من استثمار فرص النمو بأفضل صورة ممكنة؟
إن ثقافة الابتكار الرقمي العربية بدأت في الأردن، حيث شهد ولادة أولى حاضنات الأعمال الرقمية والتقنيات غير التقليدية على مستوى الوطن العربي. وهو مكان ولادة  “مكتوب” أول منصة للبريد الإلكتروني الذي يجمع اللغتين العربية والإنجليزية (والذي تم الاستحواذ عليه من قبل “yahoo” مقابل 164 مليون دولار). وهي ثقافة الآن متمركزة في دبي خاصة أن الإمارات تحتل الصدارة في إطلاق الشركات الناشئة التي احتلت عائداتها  ما نسبته 60% من عائدات الشركات الناشئة على مستوى الخليج.
ولابد من الإشارة إلى أن الحكومات في المنطقة كانت هي التي تقود مبادرات الابتكار إلى وقت قريب، ومن ذلك استثمار الإمارات لوحدها أكثر من 4 مليار دولار أمريكي للابتكار خلال العام الحالي. وليس أبلغ من تجسيد لهذه الحقيقة من مقولة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي:”المستقبل ملك لمن يتبنون الابتكار”. وقد قامت حكومة دبي باستحداث 60 شاغراً في المؤسسات الحكومية تحت مسمى الرئيس التنفيذي للابتكار لجعل الابتكار جزءاً لايتجزأ من منظومة العمل الداخلية.

وهو أمر ينطبق أيضاً على مشغلي الاتصال في المنطقة حيث أصبحوا يدركون أن الابتكار عنصر رئيسي وليس من الكماليات. ومن ذلك ما قامت به “موبايلي” السعودية التي استحدثت صندوقاً داخلياً لدعم مبادرات الابتكار، بينما قام مشغلون آخرون مثل “الاتصالات السعودية” التي فضلت المساهمة في صناديق مستقلة مع شركات مالية عالمية مثل “Iris Capital”. وفي حالة “أوريدو” القطرية فضلت الدخول في شراكة مع شركة ” Rocket Internet”الألمانية لتطوير خدمات للتجارة الإلكترونية وغيرها من الخدمات المبتكرة. وفي حالة مجموعة “زين”  فقد دخلت شريكاً رئيسياً   ” Middle East Venture Partners (MEVP) ” و ومضة للبناء على تجربة “زين”) Digital Frontier and Innovation” (ZDFI  “Zainالتي تم استحداثها عام 2014. وهو الحال بالنسبة لمجموعة أخرى غيرهم من المشغلين الذين بدأوا عملية التحول من شركات اتصال تقليدية إلى شركات قائمة على الابتكار.
ومن العناصر الهامة لتطور قطاع الاتصالات مستقبلاً  هو عملية تنظيم للقطاع قائمة على منح المشغلين أدواراً رئيسية وتأخذ البنية التحتية بعين الاعتبار.
مثلما ذكرت من أهم العناصر في المرحلة المقبلة للمشغلين أن يجعلوا الابتكار دعامة رئيسية في استراتيجية عملهم، وهو أمر بدأنا نلمسه. وعلى مستوى التعاون بين المشغلين فأنا أؤمن أنه من الضروري تحقيق مستويين من التعاون:
الأول: التعاون الإقليمي بين المشغلين: واقصد بذلك أن يتشارك المشغلين في المنطقة خبراتهم ونقاط قوتهم وأن يعززوا الانفتاح فيما بينهم ليتمكنوا من المنافسة  في مجال خدمات OTT بفعالية وربحية أفضل في المجالات التي يتفوقون بها على مزودي خدمات الـ OTT.
الثاني: التعاون مع مزودي خدمات الـ OTT وفقا لمنظومة مالية سليمة: وهي خطوة رئيسية للتحول من نموذج عمل مشغلي الاتصال التقليديين إلى نموذج أعمال منفتح قائم على الابتكار. وبرأيي يمكن تحقيق الشراكات الرابحة من خلال توفير بيئة مرنة قادرة على مواكبة متطلبات العصر في هذه الشركات. ومن أمثلة ذلك اتاحة الوصول إلى بوابات المشغلين لحلول الدفع، وتبادل حلول البيانات الكبيرة ”  Big Data” لتطوير قواعد بيانات العُملاء وفهم سلوكهم والوصول إليهم. وفي الوقت ذاته لابد من تبسيط البنية التحتية الداخلية بشكل يجعل تحديث شريحة الـ Middleware أسهل ويقلص صعوبة الـ API وغيرها من العمليات , اندماج الأخرى.
ولكن هناك أمر هام جداً لابد من الإشارة إليه، وهو الحفاظ على خصوصية العميل كعنصر لايمكن التهاون فيه عند تطبيق ماذكرته سابقاً.
الأمن القومي هو الأولوية الأولى والهاجس الأبرز على مستوى المنطقة ويعتبر مراقبة الاتصال متطلباً للحصول على رخصة التشغيل في العديد من دول المنطقة. ولكن برأيي تقع على عاتق المشغلين مسؤولية خلق توازن بتمكين الحفاظ على الأمن دون المساس بخصوصية العُملاء في الوقت ذاته. وعلى الصعيد التشريعي لابد أن تتضمن التشريعات الناظمة لقطاع الاتصالات ما يكفل التعامل مع مزودي خدمات الاتصال غير التقليدية الـ OTT، وأيضا أوصي باتباع  قانون مشاركة الأبراج الخلوية مثلما حدث في السعودية لزيادة الكفاءة التشغيلية وخفض التكاليف.

ذكرت أن تطوير البنية التحتية متطلب رئيسي للمرحلة المقبلة، فما حجم الاستثمار اللازم للارتقاء بالبنية التحتية لقطاع الاتصالات الإقليمي بتقديرك؟

لابُد أن تمكن البنية التحتية قطاع الاتصالات في المنطقة من تحقيق هدفين رئيسيين هما:
أولاً: بناء القدرة على مواجهة الأزمات وخاصة الاقتصادية بشكل يجعل قطاع الاتصال الأقل تأثراً بالأزمات التي تهز قطاعات أخرى مثل العقار.
ثانياً: لابد أن يكون قطاع الاتصالات قادراً على دعم وتمكين القطاعات الأخرى من الاقتصاد ويلعب دوراً أساسياً في هذا المجال مثل تعزيز نمو قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة من خلال توفير خدمات اتصال ذات جودة عالية بتقنية الحوسبة السحابية، والبرمجيات كخدمة “SaaS” وإمكانية الوصول للأسواق العالمية بكلفة تكون في متناول يد هذا النوع من المؤسسات.
وماسبق يعني الاسهام في تعزيز التنافسية العالمية وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر” FDI” وذلك من خلال ضمان توفير كل ما تحتاجه الشركات الدولية من عناصر الإنتاج والاتصال في متناول يدهم وبأفضل جودة.
وعودة للنقطة الرئيسية في سؤالك حول مقدار الاستثمار المطلوب في البنية التحتية فإن الإجابة متضمنة بحقيقة أن حجم سوق الاتصال في المنطقة يبلغ 41 مليار دولار، وبالتالي ستحتاج المنطقة إلى استثمارات سنوية تتراوح بين 6 و7 مليارات دولار مخصصة للارتقاء بالبنية التحتية وصيانتها. وهو رقم قريب مما يتم إنفاقه في الوقت الحالي في المنطقة، ولكن يجب أخذ كافة المعايير التي تضمن أن هذا الاستثمار يتم بفعالية ويلبي متطلبات العصر، أي ليس منصباً فقط على بناء الأبراج بل يشمل مختلف نقاط الشبكة.

والآن حدثنا عن شركتك tmd Finalماهي طبيعة عملها وكيف ولدت الفكرة؟
عندما أطلقت tmd لم أردها أن تكون مجرد شركة بل خلاصة مسيرة مهنية وتجربة عالمية اخترتها بعناية. فقد كنت محظوظاً بولادتي كمواطن عالمي، كابن لسفير أمضيت طفولتي حول مجموعة من أبرز مدن العالم من سنغافورة إلى اسطنبول إلى طهران وباريس، وعدت إلى مصر لدراستي الجامعية وبعدها حصلت على
” Global OneMBA ” عبر أمريكا، والصين، والبرازيل، وهولندا.
وبدأت مسيرتي مع مجموعة شيل الملكية الهولندية ، وبعد سبع سنوات هناك قررت أن أغادر وقود الأمس لأنضم إلى قطاع هو برأيي وقود المستقبل ألا وهو قطاع الاتصالات. وفي العام 1998 انضممت إلى فريق إطلاق مشغل الهاتف المتحرك “موبينيل” في مصر، وهي إحدى أوائل مشغلي الاتصالات في المنطقة وتملكها “أورانج” بالكامل الآن،  ثم انتقلت بعدها لإطلاق شركة “Djezzy ” في الجزائر. وبعد إمضاء فترة من خدمات الاستشارات لاطلاق شركات اتصال في المغرب وتونس انتقلت إلى دولة الإمارات لأشارك في إطلاق شركة الإمارات للاتصالات المتكاملة المعروفة بـ دو، والتي نجحنا بعد إطلاقها في حصد العديد من الجوائز العالمية للهوية المؤسسية.
لذا جاءت tmd تتويجاً لخبرة امتدت على مدار 20 عاماً أردتها أن تجمع خلاصة الخبرات العالمية التي عشتها لأسهم في جسر الهوة بين العالم العربي والابتكار في الغرب. وحرف الـ t يرمز للتكنولوجيا، وm لكلمة monetization أي التحويل إلى سيولة، وحرف الـ D إلى Digital أى التطبيق الرقمى. وبذلك يختصر الشعار هدفنا بتسريع خلق السيولة من خلال التقنيات غير التقليدية والمبتكرة وتمكينها من المنافسة في البيئة الرقمية المعاصرة. وتشارك شركتنا اليوم في العديد من مجالات تطوير الأعمال وتسريع النتائج والانتشار للتقنيات ذات النمو الكبير المتوقع وخاصة تلك التي ترغب بدخول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
واخترنا أن تكون دبي مقرنا بصفتها قلب الابتكار والتطور الاقتصادي والتقني في المنطقة. ولدينا على الدوام سلسلة من المشاريع غير التقليدية من خلال استثمار علاقاتنا مع شركاء عالميين وحاضنات أعمال وصناديق استثمارية.
ونحن ندعم الشركات العالمية مثل “Lithium”التي تعتبر منصة متكاملة للعناية المجتمعية والتواصل – التي تقدم خدماتها لأكثر من 450 شركة عالمية. ومع نهاية العام الحالي سنكون قمنا بتشغيل منصتهم مع 7 مشغلين إقليميين. وفي الوقت ذاته نحرص على دعم الإبداعات المحلية. فشركة  Zoser المصرية إحدى عُملائنا وهي رائدة في مجال خدمات تحديد المعلومات الجغرافية “GIS”، فلم يقتصر نجاحهم على إحداث تحويل جذري في خدمات القوائم “listing” وخدمات الاستقبال والإرشاد “concierge” وإدارة السجلات Inventory management على مستوى مصر. والآن نحن بالتعاون معهم بصدد إطلاق مشروع هام مع مشغل خليجي هام. ومن الشركاء الذي لابد من ذكرهم في هذا الإطار ShopShopME وهو محرك بحث يتيح البحث عن أي منتج من خلال المواقع الإلكترونية وحتى مراكز المبيعات إن كان المنتج مذكور على موقعهم، وكما أطلقوا أول شبكة للتجزئة متاحة في الإمارات والسعودية.
ومن التقنيات الأخرى التي تختص بها شركتنا مجموعة واسعة تشمل خدمة Airtime Credit Service التي تتيح للعُملاء الاتصال والدفع آجلاً، وخدمات التمويل الصغير الخاصة وبتقنيات الـ” NFC”، وتقنيات التخاطب الآلي M2M، ومزودي المحتوى غير التقليدي، وبرمجيات الخدمة الذاتية للهواتف، ومنصات التسويق عبر الـ WiFi، وغيرها الكثير. ونحن أيضا نقدم خدمة Scouting” “ للمؤسسات من موقعنا كمزود لخدمات القمية المضافة ” VAS” الخاصة بهم. وفريق عملنا يتمتع بخبرات متميزة في مجالات تطوير الأعمال والمبيعات والتمويل والاستشارات في مجال الإدارة الاستراتيجية، والتسويق، وإدارة المشاريع، والاستشارة النفسية للأعمال في قطاعات تكنولوجيا المعلومات، والنفط والغاز والقطاع العام. وهو ما أتاح لنا تغطية مجموعة كبيرة من الأسواق العالمية.

ما الدور الذي تلعبه منظومة الشركات المنطلقة حديثاً في المنطقة في تحديد المسار الاستراتيجي لـ tmd؟
شهدت السنوات السبع الماضية تحولا في النظرة إلى مخاطر الاستثمار، حيث تحولت الاستثمارات من التركيز على الاستثمار الضخم في الممتلكات الملموسة كالعقارات أو التبادل التجاري قصير المدة أو الذي يدر أرباحاً معروفة ومخاطره محدودة، إلى التركيز على استثمارات أصغر حجماً وأكثر تنوعاً في مجالات التقنية والابتكار والتي تتسم بكونها طويلة الأمد، وفي الوقت ذاته مخاطرها العالية جداً. 3
فمنذ العام 2008 شهدت المنطقة قفزة نوعية في مصادر التمويل. وهو ما آتي ثماره وبدى جلياً في صفقات استحواذ عدة منها Dubizzle -دليل الإعلانات المبوبة الرقمي الأكبر في الإمارات- والذي باع المؤسسون غالبية حصصهم فيه بـ 162 مليون دولار أمريكي لشركة MIH إحدى شركات عملاق الإعلام الجنوب إفريقي Naspers. وموقع Talabat الذي بيع بـ 170 مليون دولار أمريكي لشركة Rocket Internet  الألمانية في وقت سابق من العام الحالي.
ولابد من الإشارة إلى أن القيمة أصبحت تتحقق بنسبة 50% أسرع مقارنة بـها قبل 10 سنوات. فاليوم هناك العديد من الشركات في طور بلوغ مرحلة المليارية (مايعرف بـ Unicorns) مثل Souq.com، MarkaVIP، Propertyfinder، careem، وBayt. فالمناخ الاقتصادي كان له أثر كبير على نمو قطاع الشركات الجديدة حديثة العهد وعلى منظومة الابتكار، وهو ما تجسد في أن 70% من الشركات الناشئة في الإقليم ظهرت بعد الأزمة الاقتصادية.
وبالرغم من  كل هذه النجاحات إلا أن غالبية الشركات الناشئة تواجه صعوبات في الحصول على تمويل وبالمحصلة تواجه تحدياً في المحافظة على الكوادر المحترفة والمتميزة ليس فقط لضعف التمويل بل لندرة هذه الكفاءات في السوق. والدعم المصرفي بالإقراض لهذا القطاع لايزال محدوداً جداً.
سنواصل في tmd المساهمة في تسريع وتيرة نمو الأعمال الخاصة بتطوير التكنولوجيا من المنطقة إلى العالم وبالعكس. وتتمثل رؤيتنا بأن نكون في طليعة التطور الرقمي في المنطقة وهو مايحتم علينا أن نقوم بدورنا لإثراء قطاع الشركات الناشئة والبيئة المحفزة لها في المنطقة. وانطلاقا من خبرتنا في المجال وشبكة علاقاتنا العالمية وخبراتنا السابقة فإن tmd مؤهلة لإدخال أفضل التقنيات من العالم إلى المنطقة، وليس ذلك فحسب بل جسر الهوة في وفرة التمويل والاستثمارات فيها.
وسنعلن قريباً عن تأسيس صندوق استثماري لدعم هذا النوع من النشاط وسيطلق عليه (The Bridge)، وسأسعى عبره إلى منح المستثمرين من مختلف القطاعات فرصة استكشاف فرص قيمة سريعة النمو في مجالات تقنيات الهاتف المتحرك، والصحة، والأمن التقني، والتقنيات المالية والتي ستشكل المستقبل الرقمي في المنطقة. ومن هذه المنصة أدعو المؤسسات والأفراد المهتمين للتواصل مع tmd للتعرف على فرص استثمارية فريدة في صندوق لا مثيل له في المنطقة.