تقارير

بعد التراجع الحاد..هل ينهض الاقتصاد الهندي من الحضيض؟

الهند لديها أكثر من سدس سكان العالم، كما أنها لا تزال دولة فقيرة، إذن ما يحدث هناك مهم بشكل لا يصدق لرفاهية الجنس البشري.

ولفترة طويلة، كانت الأمور الجيدة تحدث في الهند، حيث شهدت إصلاحات حذرة مؤيدة للأعمال التجارية في الثمانينات ثم تفكيك الكثير من التدابير التنظيمية الحكومية المتعجرفة في التسعينيات وبداية الألفية الجديدة.

وفي نهاية الطفرة الاقتصادية الطويلة، كان نصيب الفرد من الدخل في الهند أعلى خمس مرات مقارنة بعام 1980.

خطوات ضد الفقر

ويرى تحليل لوكالة “بلومبرج أوبينيون” للكاتب “نوح سميث” أنه على الرغم من أن المكاسب تميل إلى الذهاب إلى شريحة صغيرة من السكان، تمكنت الهند من تحقيق خطوات كبيرة ضد الفقر المدقع.

ولم تعد تلك الدولة التي تضم أكبر عدد من هؤلاء الذين يتم وصفهم بـ”الفقر المدقع” – هذا الوصف ذهب الآن إلى نيجيريا – والتنمية تحولت إلى الغذاء والمأوى والصرف الصحي لمئات الملايين من الهنود.

تباطؤ اقتصادي

ولكن هذه الأخبار الجيدة هي الآن أخبار قديمة حيث دخلت البلاد في كبير، حيث من المتوقع أن يستمر ضعف نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للهند للعام الثالث على التوالي ليسجل أسوأ مستوى منذ الأزمة المالية العالمية.

وتتوقع الحكومة الهندية أن يتباطأ النمو الاقتصادي إلى 5.7 بالمائة خلال العام المالي المنتهي في مارس/آذار المقبل.

وانكمش الإنتاج الصناعي بالفعل في الأشهر الأخيرة وكذلك إنتاج السلع الرأسمالية، كما تباطأ توليد الكهرباء أيضًا بنسبة تتجاوز وتيرة نمو إجمالي الناتج المحلي.

فشل خفض الفائدة

وفشلت سلسلة من عمليات خفض معدل الفائدة في وقف التباطؤ، حيث لدى الهند بالفعل فائدة حقيقية تبلغ 2.2 بالمائة أي أقل من الدول الآسيوية النامية الأخرى، مما يشير إلى أن السياسة النقدية لن تكون هي الحل.

وتعمل حكومة رئيس الوزراء “ناريندرا مودي” أيضًا على إصلاحات هيكلية منذ الصيف الماضي  حيث خفضت الضرائب وفتحت البلاد أمام المزيد من الصناعات الاستثمارية والخصخصة، ولكن رغم أن هذه التدابير قد تساعد على المدى الطويل، فإنها فشلت في وقف موجة التباطؤ.

تراكم الأصول

وفي هذا الصدد فإن تشخيص سبب الأزمة كان صعباً، حيث يرى الاقتصاديان “آرفيند سوبرامانيان” و”جوش فيلمان” في دراسة حديثة أن أصل المشكلة لا يتمثل في نقص الطلب الكلي أو حتى أخطاء سياسة مودي مثل إخراج العملة من التداول، ولكن أدت الاختلالات في نموذج النمو في البلاد إلى تراكم الأصول السيئة في النظام المالي.

وقبل الأزمة المالية العالمية في عام 2008 كانت صادرات الهند تنمو بقوة، ولكن بعد ذلك في حوالي عام 2011 – 2012 عندما تباطأ نمو الصادرات نتيجة للأزمة، انخفض الاستثمار وتقلصت أرباح الشركات وبدأت الشركات تفشل في سداد قروضها.

وكان من المفترض أن يكون ارتفاع القروض المتعثرة في ميزانيات البنوك سبباً في حدوث ركود ، لكن الاقتصاد الهندي تم إنقاذه من خلال مزيج من انخفاض أسعار النفط وطفرة في نظام الظل المصرفي (مجموعة من الوسطاء الماليين غير المصرفيين الذين يقدموا خدمات مماثلة للبنوك التجارية التقليدي)، والتحفيز الحكومي.

فقاعة العقارات

ويجادل الاقتصاديان بأن هذه الأمور أعطت الاقتصاد دفعة من خلال التسبب في ارتفاع الاستهلاك مع خلق فقاعة العقارات، لتصبح البنوك أكثر عرضة للعقارات.

وفي الوقت الحالي، كما يزعم “سوبرامانيان” و”فيلمان”، انفجرت فقاعة العقارات في الهند، حيث بدأت الأسعار في الانخفاض مع ارتفاع المخزون غير المباع.

وهذا يضيف إلى رصيد القروض الرديئة (المتعثر سدادها) في ميزانيات البنوك – والتي لم تسترد عافيتها بعد من ضغط قروض الشركات قبل عقد من الزمن – كما ضغط على نظام الظل المصرفي.

وتسبب هذا الوضع في الانخفاض المفاجئ في الإقراض في عام 2019.

إعادة  نمو الاقتصاد

ومن أجل إعادة اقتصاد الهند للنمو القوي مرة أخرى، يجب تنقية الميزانية العمومية للبنوك من خلال بيع الأصول غير المربحة أو غير ذلك.

وقامت حكومة “مودي” بدمج البنوك المملوكة للدولة، ولكن هناك الكثير الذي يمكن القيام به أيضاً.

وعلى غرار ما فعله مجلس الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة بعد عام 2008، يجب على بنك الاحتياطي الهندي المشاركة في التيسير الكمي لشراء القروض من البنوك ومصارف الظل.

وقد يؤدي هذا إلى ارتفاع معدل التضخم الذي يشهد تسارع بالفعل مؤخراً، لكنه يمكن أن يساعد في جعل القروض تتدفق إلى الاقتصاد مرة أخرى.

و يمكن لحكومة “مودي” أن تساعد أيضًا من خلال إنشاء ما يسمى “بنك سيئ” لاستيعاب القروض المتعثرة.

ولكن في الوقت نفسه، يجب ألا تتجاهل الهند الحاجة إلى إصلاحات هيكلية طويلة الآجل، ورغم أن تنظيف الميزانيات العمومية للبنوك قد يؤدي لوقف التباطؤ الحالي، لكن حتى يرى المقرضون مجموعة كبيرة من الفرص الجديدة، لن يعود الاقتصاد إلى النمو السريع.

وقد تتضمن دراسة عام 2016 التي أعدها الاقتصاديون “خوان بابلو شوفين” و”إدوارد جلايسر” و”يوران ما” و”كريستينا توبيو” فكرة عما قد تكون عليه الفرصة الجديدة.

وفي معظم الدول، بما في ذلك البلدان النامية مثل الصين والبرازيل، يخضع عدد المدن الكبيرة وحجمها لعلاقة إحصائية تُعرف باسم “قانون زيف”، والتي تنص على أن ثاني أكبر مدينة هي نصف مساحة أكبر مدينة، وما إلى ذلك.

لكن الهند تخالف هذا القانون، حيث ما زال اثنان من كل ثلاثة هنود يعيشون في المناطق الريفية.

والتحضر هو محرك النمو، حيث أن نقل السكان من المزارع إلى المدن من شأنه أن يساعد في تحسين الإنتاجية الزراعية المنخفضة للهند، لأن الأرض نفسها سوف يزرعها عدد أقل من العمال.

وإذا حصل سكان الحضر الجدد على وظائف في الصناعات التحويلية كثيفة العمالة سترتفع الأجور بسرعة كبيرة، لذلك ينبغي للهند أن تجمع التوسع الحضري مع محرك لاستيعاب بعض وظائف التصنيع التي تغادر الصين نتيجة للحرب التجارية وتفشي فيروس كورونا.

ولكن حتى لو كان سكان المدن يعملون في قطاع الخدمات، فإنه سيكون أفضل من وجودهم في الأراضي الزراعية.

ويمكن للهند أن تساعد المدن المتوسطة الحجم على النمو من خلال بناء بنية تحتية حضرية أفضل وتوفير خدمات حضرية جيدة، كما يمكن أن تقدم حوافز مالية لتحفيز المواطنين على الانتقال.

كما أن الانتعاش اللاحق في سوق الإسكان والقوة العاملة الرخيصة للتصنيع ذات المستويات الأقل من شأنه أن يعطي البنوك المعاد تمويلها المزيد من الفرص للإقراض.

وقد يمنح ذلك الهند نموذجًا لنمو الصناعات التحويلية على غرار بنغلادش أو فيتنام، مكملاً صناعات الخدمات الكبيرة التي تمتلكها بالفعل.

وبالتالي، قد يكون مزيج من السياسات الكلية والجزئية هو المطلوب فقط لإخراج الهند من ركودها المحبط والمعقد