قال محافظ بنك الكويت المركزي الدكتور محمد يوسف الهاشل إن الابتكار في التمويل أصبح اليوم أحد دوافع النمو والإنتاج والرخاء في مختلف دول العالم مشيرا إلى ان لكل سياسة مبتكرة أو نظام أو منتج مبتكر كلفته ومزاياه.
وأضاف الهاشل في كلمته خلال مؤتمر (يورومني -الكويت) اليوم أن استخدام السياسات النقدية غير التقليدية في السنوات الأخيرة من قبل البنوك المركزية تعتبر خير مثال على النهج المبتكر للبنوك المركزية في صناعة سياساتها.
وأوضح أن البنوك المركزية في الدول المتقدمة عمدت في بدايات الأزمة المالية العالمية إلى توفير سيولة كبيرة لدعم أنظمتها المالية المتضررة كما أجرت تخفيضات متتالية لأسعار الفائدة.
وذكر أن أسعار الفائدة الرئيسية ورغم وصولها في بعض الأحيان إلى حدود الصفر بعد سلسلة من التخفيضات المتتالية إلا إن حالة الاضطراب ظلت تخيم على الأسواق المالية واستمر الناتج الفعلي في التراجع ولاحت في الأفق مخاطر بقاء معدلات التضخم عند مستويات أقل من المعدلات المستهدفة.
وبين أن النظرية الاقتصادية هنا تفترض أن البنوك المركزية وقعت في فخ السيولة مما يقيد من قدرتها على إجراء مزيد من التخفيض في سعر الفائدة إلا إن البنوك المركزية عمدت على استحداث سياسة مبتكرة تمثلت في تطبيق سياسة نقدية غير تقليدية والبدء في برامج التيسير الكمي والائتماني.
وقال الهاشل إن السياسات المبتكرة ساعدت في تحسين ظروف الائتمان من خلال توفير السيولة وخفض العائدات لمستويات تاريخية منخفضة ورفع معدل النمو ولولاها لكان من الممكن أن يتكرر سيناريو الكساد الكبير الذي حدث عام 1930.
وأضاف ان التعافي لا يزال بطيئا وغير متكافئا في مختلف الاقتصادات الكبرى المتقدمة إلا إن الرؤية حيال اقتصادات كل من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة قد أصبحت إيجابية بوضوح.
وأشار إلى مساهمة السياسات النقدية غير التقليدية في دفع معدلات الفائدة في الكثير من الدول المتقدمة إلى مستويات منخفضة وتحولت إلى سلبية في أوروبا مما يعني تحميل المودعين أعباء مقابل ودائعهم.
ومع بقاء معدلات الفائدة على مستوياتها المنخفضة لفت الى ارتفاع المخاطر مع استمرار سعي المستثمرين للبحث عن العوائد التي تقارب بشكل كبير للأصول ذات المخاطر والأصول التي لا تحمل مخاطر “وذلك يتضح من الضغوط الكبيرة على هوامش الائتمان السيادية في منطقة اليورو”.
وأوضح أن مع انخفاض معدلات الفائدة إلى مستوى الصفر يلجأ المستثمرون إلى الاستثمار في الأوراق المالية طويلة الأجل مما يدفع العلاوات محددة الأجل إلى مستويات سلبية وهذا قد يكبدهم خسائر كبيرة عندما تعود العوائد طويلة الأجل في نهاية الأمر إلى مستوياتها الطبيعية.
وأضاف الهاشل أن السياسات النقدية الميسرة للغاية أدت إلى ارتفاع حاد في أسعار الأصول المالية نجم عنه زيادة مخاطر حدوث هبوط اقتصادي حاد في المستقبل وخاصة عند سحب المستوى الحالي من السيولة.
وبين ان التراجع التاريخي في معدلات الفائدة كان أثره على النشاط الاقتصادي الفعلي محدودا مع ضعف الاستثمار حيث أشار صندوق النقد الدولي إلى أن مستوى تحمل المخاطر المالية كان مرتفعا ولكنه بقي محدودا بالنسبة للمخاطر الاقتصادية.
وأشار إلى أن السياسات النقدية غير التقليدية أدت إلى إعادة توزان المحافظ مع تحول وجهة التدفقات الرأسمالية فمع استقبال الأسواق الصاعدة خلال الفترة 2009 إلى 2012 لحوالي 5ر4 تريليون دولار من إجمالي تدفقات رؤوس الأموال عمد المستثمرون إلى إعادة التوازن لمحافظهم بمنأى عن سندات الخزانة الأمريكية بحثا عن عائدات أعلى.
وأضاف أن الأسواق الصاعدة تأثرت في صيف 2013 بسبب تصريحات رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي باحتمال خفض الفائدة على السندات كجزء من سياسة التيسير الكمي ما أدى إلى عكس اتجاه التدفقات الرأسمالية.
وذكر أن توقيت ووتيرة الانعكاس في السياسات النقدية غير التقليدية يمكن أن يؤثرا على السوق ومن ثم فإن التخطيط للخروج الممنهج لن يكون سهلا بأي حال من الأحوال.
وأوضح ان البنوك المركزية إذا أرادت التخارج في مرحلة مبكرة فإنها بذلك تتحمل مخاطر تباطؤ النمو في اقتصاداتها وإذا كان التخارج في مرحلة متأخرة فإن السيولة المفرطة قد تؤدي إلى حدوث فقاعات في أسعار الأصول وبالتالي انكشاف القطاع المالي لمخاطر أكثر في المستقبل.
وأشار الهاشل إلى أن التداعيات ذات الصلة تتمثل في اختلاف السياسات النقدية للدول المتقدمة ففي الوقت الذي تستعد فيه كل من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة لأول رفع في معدلات الفائدة منذ ثمان سنوات يستمر البنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان في إتباع سياساتهم النقدية الميسرة.
وذكر أن التباعد في مسارات السياسات يجعل من عملية الخروج المنظم أكثر تحديا ليس فقط للدول المعنية ولكن أيضا للاقتصاد العالمي ككل لافتا الى أن هناك ابتكار آخر في صنع السياسات لا يقل أهمية وهو استخدام الأدوات التحوطية الكلية.
وأضاف أن التجارب أثبتت أن ضمان استقرار البنوك من خلال أسلوب التحوط الجزئي قد لا يحقق استقرار النظام ككل مما دفع بالمشرعين إلى استكمال أدوات التحوط الجزئي بإجراءات تحوط كلي تهدف إلى مواجهة الانكشاف للمخاطر النظامية في مختلف المؤسسات وبمرور الزمن.
ولفت الى أن الاعتراف بسياسة التحوط الكلي في ازدياد باعتبارها أداة قيمة في مواجهة مشكلات الاستقرار المالي حين تبدو السياسة النقدية محدودة الفعالية ومع ذلك ظهرت تحديات بشأن تقويم أدوات التحوط الكلي والتنسيق الفعال بين مختلف السلطات الرقابية والآثار المحتملة على استقلالية البنوك المركزية.
واوضح المحافظ أن وتيرة الابتكار في المنتجات والأدوات المالية شهدت ارتفاعا مذهلا حيث ارتفع إجمالي قيمة عقود مبادلات أسعار الفائدة والمشتقات من 75 تريليون دولار أمريكي إلى 600 تريليون دولار منذ 1997 وحتى 2007.
وأضاف أن تلك القيمة تمثل 11 ضعفا لقيمة الناتج المحلي الإجمالي العالمي حيث ارتفعت عقود المشتقات العالمية بمعدل 50 في المئة خلال عام 2007.
وبين أن تطوير الأدوات المالية المبتكرة المؤسسات دفع أصحاب القرار إلى تلبية احتياجاتها المالية والتحوط لمخاطرها بشكل فعال كما تمكن الأفراد من ضبط استهلاكهم بمرور الوقت لافتا إلى أن سندات الكوارث ومشتقات الطقس ساعدت الدول على أخذ الحيطة مقابل المخاطر الناجمة عن الكوارث الطبيعية.
وعن دور شركات التقنية في التمويل أفاد الهاشل بأن الابتكارات التقنية لها أثر كبير على النظم والمعاملات المالية افتراضيا لافتا إلى أن التكنولوجيا حولت كل شيء في التمويل من تطبيقات المتاجرة إلى شبكات المدفوعات.
وأضاف أن معاملات التداول مع الثورة التكنولوجية في أسواق الأسهم خلال العقود الأخيرة أصبحت أسرع وأكثر فاعلية حيث يتم إجراء ملايين من معاملات التداول الإلكترونية يوميا عبر شاشات الكمبيوتر من قبل المشترين والبائعين في مختلف أرجاء العالم.
وأشار إلى الانتشار العالمي الواسع لأجهزة الهاتف النقال ساعد على تقديم مجموعة متنوعة من المنتجات والخدمات المالية للفقراء الذين لا يتمتعون بالخدمات المصرفية أو غير قادرين على الحصول عليها مؤكدا أن المحافظة على أمن واستقرار هذه النظم عسيرة.
وتطرق الهاشل إلى ما حدث يوم 8 يوليو من هذا العام عندما توقفت نظم الكمبيوتر في بورصة نيويورك عن العمل لقرابة الأربع ساعات في منتصف اليوم ما أدى إلى توقف قلب الأسواق المالية الأمريكية.
مع تطور التكنولوجيا الحديثة وتزايد استخداماتها أوضح ان طبيعة المخاطر بدأت أيضا في التغير بصورة كبيرة حيث أصبح ارتكاب عمليات الغش في غاية السهولة ويتم عن بعد وعلى نطاق واسع فضلا عن ظهور مخاطر هجمات الإنترنت.
وأضاف الهاشل بالقول “رغم هذه المخاوف فلا ننكر دور التقنيات الحديثة في رفع مستوى الراحة والسرعة وأمن السداد وسهولة ممارسة الأعمال”.
وأوضح ان مثل هذه الحوادث أصبحت نادرة الوقوع وهو ما يؤكد أن التقنيات الحديثة “حققت لنا أمن النظم واستقرارها”.
أضف تعليق