تقارير

ماذا لو فاجأنا الاقتصاد الفرنسي؟

بقلم كريستوفر ديمبيك، خبير اقتصادي لدى ’ساكسو بنك‘

 

غالباً ما يُنظر إلى فرنسا على أنها “الخروف الأسود” في أوروبا؛ فهي بالكاد تستوفي التزاماتها المتعلّقة بالعجز، ويعتبر معدل نموّها منخفضاً قياساً ببعض جيرانها الأوروبيين. غير أن الصورة ليست قاتمة بالكامل، وإنّ أمعنّا النظر سنرى أن الاقتصاد الفرنسي يتمتّع بمرونة كبيرة والعديد من نقاط القوة، وليس من المستغرب أبداً أن يفاجئنا خلال السنوات القادمة.

 

تتراوح معدلات النمو المتوقّعة لفرنسا خلال عام 2016 ما بين 0.8% و2.0%، بما يعكس مدى الاختلاف في وجهات نظر الاقتصاديين حول وجهة الاقتصاد الفرنسي المقبلة في العام الذي يسبق الانتخابات الرئاسية. وبالنسبة لنا، فإننا نتوقع لمعدل النمو أن يبلغ 1.4% وأن تأخذ الأمور مسارها الصحيح صعوداً مع تحسّن ملحوظ قياساً بالسنوات الماضية. وتتمثّل العقبة الرئيسية التي تحول دون حدوث تعافٍ قوي في ضعف الثقة من القطاع الخاص؛ حيث ألقت الانتقادات الحادّة التي وجهها الرئيس هولاند لقطّاع التمويل خلال الحملة الرئاسية الماضية بظلالها على مستويات الثقة في مجتمع الأعمال، لاسيما وأنها ترافقت مع عدم استقرار مالي في أول سنتين من تولي هولاند لسدّة الرئاسة. ويجسّد هذا الواقع مفارقة غريبة بشكل أو بآخر، لأن الحكومة الحالية أقدمت على العديد من الخطوات الطموحة على مدى سنين عديدة بهدف تحسين تنافسية الشركات الفرنسية.

 

توقعاتنا المتحفّظة حيال معدّل نمو الاقتصاد الفرنسي تبلغ 1.4% في 2016

مسار تطور الناتج المحلي الإجمالي الفرنسي منذ أواخر الخمسينيات

 

وبإجراء تحليل مفصّل للاقتصاد الفرنسي، سنرى بأن المشهد ينطوي على ما يدعو للتفاؤل في المستقبل، فالاقتصاد يتوسّع بمستويات تقارب معدلات نموّه المحتملة، ومن الواضح بأن الوضع يتحسّن مع ارتفاع للثقة، ولو أن الطريق لا يزال طويلاً.

 

  2015 2016 التعليق
دفاتر طلبات الشركات + + من المفترض أن يتواصل منحى السير الإيجابي الذي بدأ عام 2015 رغم السكون الذي شهده يناير. إذ تتسم توقعات المنتجين بالإيجابية، مما يعكس ارتفاع ثقتهم.

 

النقطة السلبية: لا يزال الاقتصاد يعاني من فائض واضح في القدرات الإنتاجية قياساً بحجم الطلب.

 

المخاطرة: التباطؤ الاقتصادي العالمي

البطالة + لا تزال مستويات النمو أدنى من الحد المطلوب لإحداث انخفاض ملحوظ في معدلات البطالة، ولكن الحكومة تستطيع أن تعتمد على ثلاثة عوامل كي تحقّق هدفها في “عكس مسار الأمور”؛ وهذه العوامل هي برامج تدريب الباحثين عن عمل، والبالغ عددهم نصف مليون شخص (أي ثلث الذين يعانون من البطالة منذ أكثر من سنة)، وقسائم الخدمة، وتعزيز الاستفادة من “العقود المدعومة بالإعانات” من قبل الهيئات الحكومية المحلّية. وإذا ما تم تفعيل هذه العناصر معاً بشكل فعّال، فإن معدلات البطالة قد تنخفض رغم ارتفاع نسبة القوة العاملة مقارنة بالتعداد السكاني (أكثر من 160 ألف شخص).

 

النقطة السلبية: صعوبة تدريب الكثير من الباحثين عن عمل خلال هذه الفترة القصيرة.

 

المخاطرة: عدم قدرة الهيئات المحلية على لعب دور فعّال بسبب تراجع التمويل الحكومي، وعدم قدرة الشركات على تحقيق الاستفادة القصوى من الأوضاع المواتية في السوق.

الإنفاق العائلي + + يمثّل الإنفاق العائلي صمّام الأمان للاقتصاد الفرنسي، وينبغي عدم القلق من التوجّه السلبي الذي شهدته أواخر عام 2015، إذ أن الإنفاق على السلع الدائمة لا يزال إيجابياً، وهو المؤشر الصحيح على المدى الطويل.

 

وستبقى كل من الأسعار المنخفضة للنفط، والاستقرار المالي (الذي قد يشتمل على مزايا ضريبية قبل الانتخابات الرئاسية القادمة) ومعدلات التضخّم المنخفضة عوامل إيجابية خلال عام 2016، غير أن تأثيرها سيكون أضعف.

 

النقطة السلبية: ستحدّ الضرائب المرتفعة على البترول (60% من سعر التجزئة) من التأثير النفسي الإيجابي الذي قد يطرأ على إنفاق المستهلكين كنتيجة لانخفاض أسعار النفط الخام.

 

المخاطرة: الأخطاء الفادحة في سياسة الضرائب

النمو + + يتمتّع الاقتصاد الفرنسي بقدرة مقاومة كبيرة لعوامل الخطر مثل الإرهاب.

 

النفط السلبية: لا يزال معدل النمو منخفضاً قياساً بدول أوروبية أخرى، مما يعكس حالة الجمود الملحوظة التي يعيشها الاقتصاد الفرنسي.

 

المخاطرة: تاثير أسواق الأسهم على الاقتصاد الحقيقي

إعسار الشركات لا يزال معدل الإفلاس في أوساط الشركات مرتفعاً (62،163 حالة إفلاس خلال أكتوبر 2015 عن عام كامل)، ولكن التركيز منصبّ حالياً بشكل رئيسي على الشركات الصغيرة التي لا تضم أكثر من 20 موظف. ويكثر الإعسار بشكل خاص في منطقتي إيل دوفرانس والمركز، ومن المتوقع أن تكون الحال على نفس القدر من السلبية خلال 2016.

 

النقطة السلبية: ارتفاع في الحد الأقصى لتسديد الدفعات المستحقّة، ولاسيما بالنسبة للصادرات.

 

المخاطر: حدوث تراجع عالمي، ولاسيما ضمن منطقة اليورو.

الاستثمار المؤسسي + + قد نشهد في 2016 استمراراً للتحسّن الطفيف الذي طرأ على الوضع خلال عام 2015، وذلك لأسباب عديدة أهمها الرؤية المالية الأفضل التي يتم تزويد الشركات بها، ولكن رغم ذلك سيبقى الاستثمار ضعيفاً للغاية وهشّاً، ودون المستويات التي كانت سائدة قبل الأزمة المالية (وهي فجوة تقارب 8 مليار يورو).

 

النقطة السلبية: تتمثّل مفارقة المشهد الحالي في ضعف ارتفاع الاستثمار رغم انخفاض تكاليف رأس المال.

 

المخاطر: قد يتم إيقاف العمل بإجراءات التصدّي للتراجع الزائد في قيمة رأس المال، مما سيضرّ بديناميكيات النمو والحالة العالمي.

هامش الربح + + يمثّل هامش الربح الجانب الأكثر نجاحاً في الإجراءات الحكومية، حيث عاد إلى النمو وفق المعدلات التي كانت سائدة بين 2005-2008 (نحو 32%)، حتّى أنه فاق المتوسط الذي شهدته فترة الازدهار ما بعد الحرب العالمية الثانية (بين 1945 و1975)، والذي كان يبلغ 28%. وسيكون من شأن استمرار الائتمان الضريبي التنافسي (CICE)- الذي يأخذ شكل هبوط دائم في المساهمات- أن يفضي إلى هوامش ربحية مستقرّة.

 

النقطة السلبية: لم يثمر هذا الوضع عن استثمارات مبتكرة.

 

المخاطرة: احتمال حدوث أزمة نفطية أو ارتفاع التكلفة الفعلية لرأس المال.

 

 

 

إن الوضع الاقتصادي في فرنسا ليس بالسوء الذي نظنّه عادةً، فالبلاد -كما أشرنا أعلاه- تتمتّع بمنظومة اقتصادية مرنة، وقد تجاوزت الأزمة المالية العالمية دون التعرّض للكثير من الأضرار، ومن غير المستبعد أن نتفاجأ بالنمو الفرنسي في المستقبل القريب؛ حيث أن الإصلاحات الأخيرة أرست أسس بناء اقتصاد أفضل، على الرغم من أنه ما زال هناك الكثير للقيام به، وعلى وجه الخصوص في ميثاق العمل. وعموماً ستشكّل الإصلاحات الهيكلية حافزاً لعملية “التدمير البنّاء” التي ستكون الوسيلة الوحيدة لضمان ارتفاع معدلات النمو بشكل ملحوظ.