الاستحواذات في القطاع النفطي العالمي تمضي قدما، ويسهم بصورة أو بأخرى تراجع أسعار النفط عن المستويات المسجلة قبل ثلاثة أعوام تقريبا، في تفعيل حراك الاستحواذات، يضاف إلى ذلك حقيقة أن الشركات الصغيرة لا تكون قادرة على مواصلة أدائها في ظروف أسواق مضطربة. فسوق النفط باتت بالفعل مضطربة منذ الانهيار الكبير لأسعار الخام. ولولا التدخلات من جهات مؤثرة وفي مقدمتها المملكة، لكانت هذه السوق عند أعلى مستوى من اضطرابها. والحق أن قطاع الطاقة العالمي برمته يشهد تحولات كبيرة، ليس فقط بفعل الانهيار التاريخي لأسعار الخام، بل أيضا لأسباب تتعلق بالتحولات المناخية، والاستكشافات المتنوعة لمصادر الطاقة، ودعم مصادر قائمة بالفعل على الساحة.
ملامح السوق وصفقة أرامكو
وفي ظل هذا الحراك، شكلت صفقات الاستحواذ والاندماج بين الشركات النفطية، ملامح السوق النفطية في الأعوام الأخيرة، إلى جانب الجهود التي تبذلها البلدان المؤثرة نفطيا من أجل إعادة الاستقرار لهذه السوق. وكان طبيعيا أن تتصدر صفقات عقدتها شركة “أرامكو” المشهد في المنطقة، لأسباب تتعلق أولا بحجم هذه الشركة العملاقة، وثانيا بحكم التأثير النفطي الذي تتركه السعودية في كل الأرجاء، دون أن ننسى، أن العالم ينتظر بترقب شديد مع “حماسة” بالغة، طرح 5 في المائة من أسهم “أرامكو” للاكتتاب في عدد من البورصات العالمية، إلى جانب طبعا البورصة السعودية. وهذا الحدث وحده سيغير كثيرا من معالم الحراك النفطي في المنطقة، وما يرتبط بها على الساحة العالمية. وفي المنطقة، لا تزال صفقات الاندماج والاستحواذ بشكل عام ترتفع، صحيح أن قطاع النفط يمثل جزءا ليس كبيرا من هذه الصفقات، إلا أنها تبقى مؤثرة من نواح كثيرة، ولا سيما في ظل المتغيرات الراهنة في هذا القطاع. ويبدو واضحا أن هذا النوع من الصفقات سيشهد ارتفاعا فيما تبقى من العام الجاري، ولا سيما أنه بلغ في القطاع النفطي ما يوازي 1.4 مليار دولار. وعلى الجانب العالمي، تمت أيضا سلسلة من الصفقات التاريخية في المجال النفطي.
ويرى القائمون على المؤسسات النفطية، أن الأجواء مواتية الآن أكثر من أي وقت مضى لعقد صفقات الاستحواذ والاندماج، وذلك مع المرونة التي تبديها الحكومات المعنية لإتمام مثل هذه الصفقات. والحق أن الحكومات – ولا سيما في البلدان الغربية -، قللت من القيود في هذا المجال وفي مختلف القطاعات. الأشهر المتبقية من العام الجاري، ستكون أيضا مقدمة تسبق عمليات طرح جزء من أسهم “أرامكو” في الأسواق العالمية والسوق المحلية أيضا. وهذا يعتبر حدثا كبيرا في عالم النفط والطاقة، مع تدافع البورصات العالمية للحصول على حق الطرح، بما في ذلك بورصة لندن التي تسعى لتغيير بعض قواعدها التنظيمية كي تتوافق مع طرح الشركة السعودية العملاقة. لن يخبو القطاع النفطي تحت أي معطيات وظروف كانت. وسيظل محركا رئيسا ليس فقط في المجال نفسه، بل للاقتصاد العالمي ككل. وستكون صفقات الاندماج والاستحواذ في القطاع النفطي الأكثر أهمية دائما، نظرا لروابطها المختلفة على الساحة. وعمليات الاستحواذ والاندماج (في كل القطاعات) تستهدف ضمن ما تستهدف تقليل النفقات وتكاليف الإنتاج. ويحدث هذا في ظل تراجع الإيرادات. إنها عملية تتعلق بمستقبل كل قطاع خاضع للمتغيرات والتحولات الاقتصادية والتجارية، بل السياسية أيضا.
خارطة الاستحواذ
وأوضح التقرير الأسبوعي لشركة نفط “الهلال”، أن الصورة تبدو أكثر تعقيداً بين المنتجين والمستهلكين عند الحديث عن متطلبات تحقيق أمن الطاقة وضروريات تنويع مصادرها وأنواعها، حيث أن التنويع لا يقف عند حدود معينة ويمكن أن ينفذ على المصادر والمنتجات والمنتجين، ومن ثم يتم تحديد مصادر الطاقة التقليدية وغير التقليدية، ومدى إمكانية تجدد مصادرها واستمراريتها.
وبين التقرير أن خارطة الاستحواذ في الوقت الحالي تتركز على قطاع الطاقة التقليدية كونه وصل إلى مراحل متقدمة من النضج على القدرات الإنتاجية والبنية التحتية، حيث باتت السيطرة والاستحواذ عند الأسعار السائدة تعتبر ممكنه وبشكل خاص مع توجه الدول نحو خصخصة قطاعات الطاقة والاتجاه إلى منح القطاع الخاص أدوار متقدمة في إدارة القطاعات الإنتاجية وضخ المزيد من الاستثمارات وفقاً لمتطلبات الأسواق وتعظيم العوائد.
وذكر أنه بعد تحليل مسارات أسواق النفط العالمية لوحظ أن الدول الصناعية الكبرى المستوردة والمستهلكة للنفط ما زالت تسيطر على أسواق النفط بشكل كامل وليس العكس، فيما تفيد الأسعار الحالية وما رافقها من اتفاقات بين الدول الفاعلة سواء كانت من “أوبك” أو من خارجها، أن التأثير لم يصل إلى المستوى المستهدف.
حيث أظهرت البيانات في كثير من الأوقات بقاء السيطرة من قبل كبار المستوردين على قطاع النفط، وذلك لأنهم يعملون على تحقيق عوامل أمن للطاقة بتكلفة متدنية وعند مستويات منافسة حادة بين المنتجين، مما يشكل فرصة فريدة من نوعها لكبار المستهلكين حول العالم للاستثمار بهذا القطاع، وبالتالي لابد من الاستحواذ على مصادر إضافية كلما أمكن لخدمة مصالح الدول المنتجة.
وأكد التقرير أنه بات من المستحق أن تتسع مفاهيم أمن الطاقة بالاعتماد على التوسع الحاصل في العلاقات الدولية لضمان تحقيق مصالح المنتجين في الأساس، حيث تسعى الدول المنتجة جاهدة إلى تحسين قدراتها في السيطرة على الأسواق والقطاع ككل، إضافة إلى أن ظهور المزيد من كبار المستهلكين، وبشكل خاص الصين والهند، حيث أصبحت فرص نجاح المنتجين أكثر قابلية للتحقق على مستوى التأثير.
وتوقع أن تشمل جهود ومساعي المنتجين التأثير في التقدم التكنولوجي وعمليات النقل واللوجستيات، بالإضافة إلى المساعي الخاصة بتطوير تكنولوجيا التنقيب والإنتاج والاستخدام، فضلاً عن تعزيز التنسيق بين الدول المنتجة على المستوى الإقليمي والعالمي للمساهمة في حل المشاكل الجيوسياسية أو الصراعات التي تؤثر على مسار واستقرار أسواق النفط.
أضف تعليق