تقارير

إلى أين تتجه أسعار النفط في 2019؟

أثار مجددًا اتجاه أوبك  إلى إبرام اتفاق آخر في 7 ديسمبر الجاري يقضي بقيامها بخفض إمدادات النفط بكميات تصل 1.2 مليون برميل يوميًّا، وذلك للحيولة دون حدوث مزيدٍ من هبوط أسعار النفط بعد أن فقدت أكثر من 15% من مستوياتها منذ منتصف العام الجاري حفيظة التكهنات بشأن المسارات المحتملة للأسعار فى 2019

وهبطت الأسعار العالمية للنفط بوتيرة سريعة في شهر نوفمبر الماضي إلى نحو 62.3 دولارًا للبرميل، أي أقل بـ14.4 دولارًا من مستوياتها في أكتوبر السابق عليه، وهذا ما أثار مخاوف لدى البلدان المصدّرة للنفط -من بينها دول أوبك بطبيعة الحال- من اتساع عجزها المالي مجددًا، وهو ما دفع الأخيرة للاتجاه نحو إبرام اتفاق جديد آخر لكبح إمدادات النفط بالتعاون مع المنتجين المستقلين بقيادة روسيا خلال الاجتماع الوزاري الخامس بينهما.

وبموجب الاتفاق، سوف يقوم الطرفان بخفض إنتاجهما من النفط بنحو 1.2 مليون برميل يوميًّا على أساس مرجعي لمستويات إنتاج الدول في شهر أكتوبر الماضي، وذلك على أن يتم استثناء ثلاث دول من هذا الاتفاق، وهي إيران وليبيا وفنزويلا، حيث لا تعمل بطاقتها الإنتاجية الكاملة في ظل القيود الإنتاجية التي تواجهها نظرًا للظروف الجيوسياسية المضطربة التي تمر بها.

إلى ذلك أعلن وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية السعودي خالد الفالح في تغريدة على موقع «تويتر» أنه بحث أمس أوضاع سوق النفط مع نظيره الأميركي ريك بيري في الظهران في السعودية. وأضاف أنهما ناقشا أيضاً «فرص التعاون في المجال التقني بين البلدين».

وفي الكويت، أعلنت «مؤسسة البترول الكويتية» أنها تسعى إلى إنتاج 85 ألف برميل يومياً من النفط الثقيل بحلول 2020-2021 وإنتاج 110 آلاف برميل يومياً بحلول 2030-2031، وفقاً لنص كلمة لرئيس مجلس إدارة المؤسسة نزار العدساني أمس. وتهدف المؤسسة المملوكة للدولة للوصول بإنتاج النفط الثقيل إلى 430 ألف برميل يومياً بحلول 2040-2041.

وقال العدساني إن المؤسسة تراقب الأسواق الأفريقية لأنها تحمل في طياتها أسواقاً واعدة لارتفاع الطلب على النفط. وذكر العدساني في كلمة في مؤتمر منعقد في الكويت أن الأسواق الآسيوية تبقى محط أنظار المؤسسة كون احتياجها للطاقة مستمراً في المستقبل، مضيفاً أنها محط اهتمام العالم حيث يجري استيعاب صادرات النفط والمنتجات العالمية هناك.

إلى ذلك، أعلن مصدر مطلع أمس أن «شركة بترول أبوظبي الوطنية» (أدنوك) أبلغت زبائنها بخفض مخصصات نفطها الخام لشهر كانون الثاني تماشياً مع قرار «أوبك» الأسبوع الماضي خفض إمدادات النفط.

على الرغم من قرار خفض الإنتاج إلا أن توقعات الخبراء لسنة 2019 بتباطؤ النمو الاقتصادي قد يوثر على أسعار النفط، كما أن انخفاض الأسعار قد ينجم عن أسباب أخرى أهمها: توقعات حدوث تباطؤ في نمو الطلب والزيادة الطفيفة في مخزونات الولايات المتحدة.

محللون  في شركة بيرنشتاين انيرجي أكدوا “إن استنتاجنا الأساسي هو دعم الأسعار عند حوالي 70 دولاراً للبرميل في عام 2019”.  ولاحظ مراقبون أن هذا السعر ما زال رغم الخفض المتفق عليه يقل 6 دولارات عن توقعات سابقة بعد أن خفضت شركة بيرنشتاين طلبها المتوقع على النفط من 1.5 مليون برميل الى 1.3 مليون برميل في اليوم لعام 2019.

وقال بنك مورغان ستانلي إن الخفض “سيكون على الأرجح كافيًا لموازنة السوق في النصف الأول من 2019 ويحول دون بناء المخزونات”. وتوقع البنك أن يصل سعر خام برنت الى 67.5 دولارا للبرميل بحلول الربع الثاني من 2019 بالمقارنة مع 77.5 دولارا في توقعات سابقة.

قد أعلن بنك الولايات المتحدة أن زيادة المعروض الأمريكي في الأشهر الأخيرة يستدعي الحذر وأن خفض الإنتاج من المحتمل أن يكون كافياً لتحقيق سوق نفط عالمي متوازن وسيدفع أسعار خام برنت ليصل إلى 70 دولار للبرميل وخام غرب تكساس إلى 59 دولار للبرميل في عام 2019، ولكن المحللون الإقتصاديون ليسوا واثقون من الوصول إلى هذه المرحلة من الأسعار.

بيد أن النجاح في تحقيق التوازن المطلوب للأسعار العالمية للنفط في الفترة المقبلة سوف يتوقف هذه المرة على متغيرات خارجية أخرى، تتمثل في: كيفية استجابة إنتاج النفط الصخري الأمريكي للزيادة المحتملة للأسعار عالميًّا، ذلك إلى جانب مدى التزام الدول الأعضاء بأوبك وغير الأعضاء أيضًا بتنفيذ الاتفاق، لا سيما مع اتجاه بعضها لتغليب هدف تعزيز الحصة السوقية على تعظيم الإيرادات النفطية.

حسب نتائج مسح أجرته وكالة “ستاندر آند بورز بلاتس” في نوفمبر الماضي بناء على توقعات 11 بنكًا وشركة تجارة دولية للنفط، فقد توصلت إلى أن قيام منظمة أوبك بخفض إنتاجها من النفط بمقدار مليون برميل يوميًّا على الأقل سوف يؤدي إلى ارتفاع متوسط سعر خام برنت إلى 75.50 دولارًا للبرميل في العام المقبل، ويدعم ذلك نمو متوقع للطلب العالمي على النفط بـ1.4 مليون برميل يوميًّا في العام نفسه.

غير أن المشاركين في المسح خفضوا توقعاتهم لأسعار خام برنت في مسح نوفمبر مقارنة بتوقعاتهم في أكتوبر الماضي عندما بلغت أسعار النفط أعلى مستوياتها في أربع سنوات بسبب المخاوف من انحسار إمدادات النفط العالمية بسبب الجولة الثانية من العقوبات الأمريكية على إيران. وتوقع المشاركون في المسح حينئذ أن يبلغ متوسط سعر نفط برنت 78.51 دولارًا للبرميل في عام 2019. ويأتي ذلك بدعم أساسي من أن الإدارة الأمريكية لم تكن قد منحت وقتها ثماني دول إعفاءات لمواصلة النفط الإيراني.

وأشار التقرير الأسبوعي لشركة «نفط الهلال» إلى أن «قوة وحدة السمارت التي سجلتها أسواق النفط العالمية تراجعت خلال العام الحالي نتيجة حزم من التطورات والتوجهات والقرارات المالية والاقتصادية التي اتسمت بالحمائية وتفضيل التحفيز الاقتصادي المحلي على حساب النمو والاستقرار للاقتصاد العالمي، وسجلت أسواق النفط مسارات إيجابية». وأضاف: «ارتدت أسعار النفط لتصل إلى مستويات آمنة على إقتصادات المنتجين بتجاوزها 80 دولاراً للبرميل، وسجلت ايضاً تراجعات أوصلتها إلى مستويات متدنية دون 58 دولاراً أيضاً خلال الفترة الأخيرة، واللافت أن العام الحالي ازدحم بالتطورات، لكنها افتقرت إلى الإيجابيات ذات التأثير المتوسط والطويل في الأداء المالي والاقتصادي للدول المعنية، ما يعني أن أسواق النفط باتت تتأثر بعوامل ومؤثرات غير تقليدية جديدة لابد للمنتجين من العمل على مواجهتها بكفاءة وفعالية خلال العام المقبل».

ولفت التقرير إلى أن «العلاقة بين أسعار النفط وأسعار الفائدة باتت أكثر ارتباطاً خلال العام الحالي، حيث تؤثر أسعار الفائدة في أسعار النفط العالمية إضافة إلى ارتفاع تأثير النفط على أساسيات الفائدة الأميركية، فيما تتزايد المخاوف من سيطرة ممكنة لقرارات مجلس الاحتياط الفيديرالي على أساسيات أسعار النفط كمحرك رئيس للأسعار، على غرار ما يحدث لدى أسواق الذهب العالمية، علماً أن صناديق الاستثمار والتحوط العالمية والقطاعات المصرفية حول العالم باتت تترقب كل جديد لتحركات أسعار الفائدة وقوة الدولار، فيما يتم تجاهل أساسيات أسواق النفط التقليدية، آخذين بعين الاعتبار أن قرارات مجلس الاحتياط بتعديل أسعار الفائدة باتت تتجاهل الكثير من العوامل، في مقدمتها نسبة التضخم كمرجع أساس للسيطرة على أسعار الفائدة، ما يرفع من الضغوط والأخطار التي تحيط بأسواق النفط والمنتجين على حد سواء».

وأي تعديل على أسعار الفائدة يعني رفع قيمة الدولار وبالتالي انخفاض أسعار النفط والمشتقات البترولية بشكل مباشر، وفي المقابل فإن تراجع حصص النفط من خليط مصادر الطاقة لمصلحة مصادر أخرى مثل الغاز الذي بات يستحوذ على 26 في المئة من مزيج الطاقة اللازم لتوليد الطاقة الكهربائية مقابل 14 في المئة للنفط، يعزز قدرة أسعار الفائدة على التحكم بأسعار وأسواق النفط، وتأتي الأخطار هنا كون النفط سيبقى المحرك الرئيس لنمو واستقرار الاقتصاد العالمي، ولابد من الحفاظ على صورة النفط القوي على رغم التقدم المسجل على إنتاج واستخدامات الغاز والطاقة المتجددة.