تقارير

5 أسباب للأزمة ..هل تنجح الأرجنتين في الإفلات من شبح انهيار جديد؟

تتزايد التساؤلات في الأسواق حول إمكانية تجنب الأرجنتين السقوط في أزمة مالية جديدة بعد أن فقد البيزو نحو نصف قيمته منذ بداية العام.فمنذ نحو  17 عاما تسبب النظام الاقتصادي الذي يدعمه صندوق النقد الدولي في ضر الاقتصاد الأرجنتيني، وبعد خمس سنوات من الانهيار الاقتصادي تعهد الرئيس آنذاك، نيستور كيرشنر، بقطع العلاقات مع الصندوق وتعهد أن بلاده لن  تعود إلى نظام صندوق النقد الدولي قط

لكن في الأسبوع الماضي انخفض البيزو الأرجنتيني إلى أدنى مستوى له على الإطلاق مقابل الدولار الأمريكي وجاء الهبوط القياسي للعملة بعدما طالب “ماكري” صندوق النقد الدولي بتسريع حزمة المساعدات البالغة قيمتها 50 مليار دولار، وسط القلق من عدم قدرة الدولة على التمويل في العام المقبل.

كان من المفترض أن يساعد الخطاب على طمأنة شعب الأرجنتين، إلا أن الإعلان المفاجئ تسبب في تخويف الأسواق لأنه لم يكن مصحوبا بأي تفسير فني من جانب فريق ماكري الاقتصادي. كما أسهم  عدم تقديم صندوق النقد الدولي استجابة فورية في تعقيد الموقف, فبعد نحو  تسع ساعات، وبعد إغلاق الأسواق، أكدت كريستين لاجارد، المديرة الإدارية لصندوق النقد الدولي حين قالت “أعلن تأكيد دعمي للجهود التي تبذلها الأرجنتين في مجال السياسة الاقتصادية واستعدادنا لمساندة الحكومة”.هرع المسؤولون في الأرجنتين منذ ذلك الحين إلى محاولة تهدئة أعصاب المستثمرين الذين ساورهم قلق شديد بسبب مزيج من أسعار الفائدة العالية، والدولار القوي، وعدم الاستقرار في تركيا، وتزايد القلق حول الاحتياجات التمويلية للأرجنتين.

وشدد نيكولاس دوجوفني، وزير الاقتصاد، في الوقت نفسه على أن الهدف السابق المفروض من صندوق النقد الدولي للعجز المالي الرئيسي في عام 2019، البالغ 1.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي سيصبح الآن “سقفا”. والهدف المالي الحالي لهذا العام هو 2.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 3.9 في المائة لعام 2017.
لكن بعض المحللين يخشون من أن الحكومة لا تقدم سوى مزيد من الحلول التقليدية نفسها، التي أثبتت فشلها حتى الآن. فقد رفعت متطلبات الاحتياطي الذي يجب أن تحتفظ به المصارف، ونشرت استراتيجية لتقليص حجم السندات قصيرة الأجل، وخفضت الإنفاق، وغيرت قيادة البنك المركزي، التي زادت يوم الخميس من أسعار الفائدة 15 نقطة مئوية لتصل إلى مستوى مرتفع عالميا، معلنة أنها ستبقي المستوى كذلك حتى كانون الأول (ديسمبر) على الأقل.

وأعلن الرئيس الأرجنتيني فرض ضرائب جديدة على الصادرات وإلغاء عدة وزارات في محاولة لوقف الاضطرابات الاقتصادية التي أدت لتراجع العملة المحلية لمستويات قياسية.وقال “ماوريسيو ماكري” في بيان متلفز، أمس  الإثنين، إنه سيخصص أيضاً المزيد من المساعدات الاقتصادية ويعزز خطط الغذاء للمواطنين الذين يعانون من الفقر وتأثروا بالتضخم المفرط، وفقاً لشبكة “سي.إن.بي.سي” الأمريكية.

وتأتي هذا القرارات في الوقت الذي يحاول فيه الرئيس الأرجنتيني تقليص العجز المالي الذي تعاني منه البلاد. حيث وضعت حكومة الأرجنتين أولوية تتمثل في تقليل العجز المالي المزمن الذي تسبب في ارتفاع معدل التضخم، والذي سيتجاوز 30% خلال العام الجاري، والذي من شأنه إضعاف ثالث أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية. ومن المقرر أن يعقد دوخوفنى محادثات غدا الثلاثاء فى واشنطن مع كبار مسؤولى صندوق النقد لمناقشة تسريع صرف المبالغ المستحقة وفقا لاتفاق أُبرم فى يونيو.

وكشف  البنك المركزي إنه باع أكثر من 13 مليار دولار في سوق الصرف الأجنبي هذا العام، لدعم العملة المحلية المنهارة، ولحماية الاقتصاد من التدهور، ولطمأنة المستثمرين الذين بدأوا يشعرون بالخوف والقلق من تجدد الانهيار الاقتصادي حيث أعادت التظاهرات الحاشدة التي شهدتها العاصمة بينوس آيرس أمس الأحد، إلى الأذهان احتجاجات المواطنين على ارتفاع الأسعار وموجة التقشف الحادة ورفض اللجوء إلى صندوق النقد الدولي كما حدث في عام 2001 .

الاضطرابات في الأسواق الناشئة التي أطلقتها الأزمة المالية المتصاعدة في الأرجنتين  ألقت بظلالها على مجموعة الاستثمار الأمريكية “فرانكلين تيمبلتون” – أحد أكبر مستثمري سوق السندات وخسرت صناديق “فرانكلين تيمبلتون” 1.23 مليار دولار في الأسبوعين الماضيين في ثلاثة من أكبر مراكزها الأرجنتينية فقط، وفقًا لحسابات “فاينانشيال تايمز”.

وخسر صندوق “جلوبال بوند فاند” 4.2% خلال أغسطس/آب، بناءً على تقديرات “بلومبرج”، بينما تراجع “جلوبال توتال ريترن فاند” 4.3%، ليسجل الصندوقان أسوأ أداء شهري في حوالي أربع سنوات.وبنهاية يونيو/حزيران، بلغت حيازة “فرانكلين تيمبلتون” من السندات الأرجنتينية حوالي 4.6 مليار دولار.

وقد وجهت أغلب مراهنات “فرانكلين تيمبلتون” الأرجنتينية من قبل “مايكل هاسينستاب” الذي عادة ما يتربح من ديون الأسواق المضطربة مثل أيرلندا.

وحذرت مؤسسة ستاندرد آند بورز يوم الجمعة من أنها قد تخفض التصنيف الائتماني للأرجنتين – التي رفعت الفائدة الأسبوع الماضي إلى 60% –  بشكل أكبر بسبب المخاوف من أن انخفاض البيزو – الذي فقد أكثر من نصف قيمته هذا العام – قد يهدد البرنامج الاقتصادي للحكومة.

وكشف خبراء أن أزمة الأرجنتين الاقتصادية تتلخص في تقلبات العملة، وهو التحدي الاقتصادي المُلح الذي تواجهه الأرجنتين وسيكون من الصعب حل بقية المشكلات الاقتصادية المترابطة التي تعانيها البلاد، والصعوبات التي تواجهها في ترحيل الديون المحلية لا تساعد على عودة الهدوء، على اعتبار أن كثيرًا من المستثمرين يفضلوا شراء الدولارات بدلًا من ذلك، وهو ما يساهم في زيادة الطلب على الدولار الأمريكي كعملة أكثر استقرارًا.

 

أما السبب الثاني في الأزمة هو العجز المالي الثنائي، الذي كان أساس الأزمات الاقتصادية المتكررة على مدى فترات طويلة، ما جعل الأرجنتين ضعيفة في نظر مستثمري الأسواق الناشئة.

 

فى حين يعود السبب الثالث إلى الديون الخارجية وعلى الرغم من السيطرة على عبء الديون الذي تعانيه الأرجنتين لتمويل العجز في المالية العامة، لكن التغير المفاجئ في شعور المستثمرين هذا العام، الأمر الذي أرغم الأرجنتين بدلًا من ذلك على السعي للحصول على مساعدة مالية من صندوق النقد الدولي في الوقت نفسه، البيزو الأضعف يزيد من تكاليف التمويل للديون الخارجية.

السبب الرابع هو التضخم المرتفع، حيث ثُبت أن ترويض التضخيم أكثر صعوبة بكثير مما كان علية الأعوام الماضية ففي الوقت الذي يزداد فيه الوضع تعقيدًا بسبب الحاجة إلى رفع الرسوم على شركات المرافق العامة مثل ” المياه والكهرباء والغاز ” من أجل القضاء على الإعانات المالية التي تلقي بثقلها على عجز الميزانية، يأتي الانخفاض في قيمة العملة هذا العام ليجعل المعركة ضد التضخيم أكثر صعوبة.

ويرجع السبب الخامس يرجع إلى الركود الذي تشهده البلاد حتى يصبح التضخم تحت السيطرة سيكون من الصعب ضمان نمو اقتصادي دائم، بعد موجه الجفاف السيئة التي أصابت الاقتصاد بالركود هذا العام، يبرز الآن خطر أن يستمر الركود فترة بفضل التقلبات في البيزو، وهذا يمكن أن يؤثر بدوره في احتمالات إعادة انتخاب ماكري العام المقبل.