هل يمكن أن تصبح البنوك المركزية حول العالم زائدة عن الحاجة؟ سؤال لم يعد نظريًا مع هيمنة المدفوعات الرقمية على النقد وتزايد دور العملات المستقرة. هل يمكن لمنصة خاصة أن تصدر عملة مستقرة تحقق انتشارًا واسعًا في التجارة اليومية؟ قد يبدو الأمر خياليًا، لكن مع تصاعد الضغوط الاقتصادية، وارتفاع الديون السيادية في كثير من الدول، وتزايد الحديث عن مخاطر نظامية، تتآكل شرعية العملات الوطنية التقليدية.
كما أثبتت الأزمات السابقة، عنصر الثقة يمكن أن يتحول بسرعة من المال العام إلى البدائل الخاصة.
النقاشات العالمية حول العملات الرقمية للبنوك المركزية تصاعدت بشكل لافت، خاصة بعد إقرار الولايات المتحدة لقانون GENIUS Act الذي يضع إطارًا تنظيميًا لسوق العملات المستقرة البالغ قيمته أكثر من 288 مليار دولار، والذي تهيمن عليه عملات مدعومة بالدولار مثل تيثر (Tether) وUSDC. وفي المقابل، تتحرك الصين بخطوات واسعة نحو “اليوان الرقمي”، بينما تواصل المملكة المتحدة إعداد مشروع “الجنيه الرقمي”، وهناك خطط مشابهة في آسيا وأفريقيا وحتى أمريكا اللاتينية.
المخاوف اليوم ليست من شركات معالجة البطاقات التقليدية مثل Visa أو Mastercard، بل من منصات المحافظ الرقمية العملاقة مثل Apple Pay وGoogle Pay وPayPal، أو حتى منصات آسيوية مثل Alipay، التي باتت تمتلك انتشارًا واسعًا وقدرة على سحب السيطرة المباشرة من البنوك المركزية على المدفوعات اليومية.
الخطر هنا أن البنوك المركزية قد تجد نفسها في مواجهة بدائل خاصة تحقق انتشارًا واسعًا، مما يهدد السيادة النقدية للدول. وإذا فقدت هذه المؤسسات السيطرة، فإنها تفقد أهم أدواتها: التحكم في المعروض النقدي، إدارة التضخم، أسعار الفائدة، السيولة، وحتى السياسة الضريبية.
ومع توسع النظام اللامركزي القائم على العقود الذكية، يصبح التحكم أصعب، حيث تُدار المعاملات تلقائيًا بالكود بدلًا من القرارات السياسية أو التنظيمية. وهو ما يدفع كثيرًا من الحكومات إلى محاولة إدخال العملات الرقمية للبنوك المركزية في أطر مركزية صارمة، حتى وإن كان ذلك يناقض الفكرة الأصلية من التقنية.
لكن التحديات لا تقف عند الجانب الاقتصادي فقط، بل هناك مخاوف عميقة من فقدان الخصوصية. فالعملة الرقمية الرسمية قد تمنح السلطات القدرة على تتبع كل معاملة، أو حتى تقييد الإنفاق، وهي صلاحيات غير مسبوقة قد تُضعف الثقة وتثير مخاوف من استخدامها ضد الخصوم السياسيين أو المواطنين بشكل عام.
ومع استمرار تآكل الثقة في المؤسسات الحكومية عالميًا، وارتفاع المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية، تبدو العملات المستقرة والخاصة خيارًا أكثر جاذبية لكثير من المستخدمين. وإذا لم تتمكن البنوك المركزية من التكيف واستعادة الثقة، فقد تجد نفسها أمام تحدٍ وجودي حقيقي.











