لاشك أن العملة مرآة عاكسة لطبيعة الأداء الاقتصادي والاستقرار السياسي والأمني فى أى دولة ، وحمى التراجع التى أصابت الليرة التركية خلال العام الجارى تفتح تكهنات حول مستقبلها وأسباب احتلالها لقمة هرم العملات الأسوأ .
وبالرغم من الاجراءات التى اتخذها المركزى التركى برفع أسعار الفائدة 300نقطة أساس والتى أدت إلى تحقيق الليرة ارتفاعاً هامشياً بلغ 0.7% مقابل الدولار فى تعاملات اليوم الآثنين لتستقر عند مستوى 4.6740 غير أنها لاتزال منخفضة 19 بالمئة منذ بداية العام.
قصة الهبوط الحاد الذى شهدته الليرة التركية تعود إلى نحو 10 سنوات الماضية، حيث بدأ مسلسل التراجعات قاسية، وكان الدولار يساوي 1.16 ليرة في 2007، وهو من أعلى المستويات للعملة التركية أمام الدولار، وقد انخفضت العملة إلى 2 ليرة لكل دولار للمرة الأولى في سبتمبر 2013، ثم واصلت تراجعها لتكسر حاجز الـ3 ليرات لكل دولار، في سبتمبر من العام الماضي، قبل أن تعود وتهبط إلى مستوى 4.7 ليرة مقابل الدولار.
وفيما يتعلق بخسائر الليرة التركية خلال العام الحالي، فإنها خسرت نحو ربع قيمتها منذ مطلع 2018، حيث كان سعر الصرف مطلع العام 3.79 مقابل الدولار، فيما وصلت قيمته اليوم الاثنين 4.70 للدولار، أي أن خسائرها بلغت 24.16%.
وتدور أسباب السقوط المدى لليرة التركية فى فلك السياسة بالدرجة الأولى فيما يتحمل الاقتصاد قليلاَ من أوزارها وبيانات البنك المركزي التركي، كشفت بلوغ العجز مستوى قياسيا في الربع الأول من العام الحالي بلغت 96% على أساس سنوي، وخلال مارس الماضي فقط بلغ مستوى العجز 54%، وهذا يعتبر من بين الأسباب الرئيسية لهبوط الليرة، حيث لم تنجح الحكومة في السيطرة على مستويات العجز المتفاقمة.
ويأتي ارتفاع مستوى الشكوك حول قدرة الاقتصاد التركي على التعافي، مع شكوك في الاستقرار السياسي والأمني، كثاني أبرز أسباب هبوط الليرة، حيث تدفع هذه الشكوك المستثمرين الأجانب أو حتى المحللين لعدم ضخ المزيد من الاستثمارات، ما يضغط على العملة.هذه الشكوك،لا تدفع فقط بتقييد تدفق الاستثمارات، وإنما للتخارج من الاستثمارات الحالية، ومع تزايد هذه العمليات أو ما يعرف بالخروج المتزامن تتعمق أزمة العملة وتزيد من عمليات البيع، أو الطلب على الدولار.
ثالث أبرز العوامل يتمثل في ارتفاع أسعار الفائدة، وكذلك ارتفاع الدولار، ومع توسع الأسواق الناشئة مثل تركيا في الاقتراض، فإن تكلفة الديون قد ارتفعت على هذه الدول، ومن بينها تركيا والأرجنتين، بالشكل الذي بدأ يؤثر على الأداء الاقتصادي.
التدخل السياسي في إدارة الملفات الاقتصادية يعتبر أحد أسباب هبوط الليرة، حيث يوجد صراع خفي بين القادة السياسيين ومسؤولي السياسات النقدية والبنك المركزي التركي، من بينها ما يتعلق بأسعار الفائدة.
البنك المركزي أيضا قام بعمليات شراء واسعة للذهب منذ مطلع العام الماضي، وبحسب بيانات البنك المركزي فقد تم تنفيذ عمليات شراء 200 طن ذهب منذ مطلع 2017 وحتى نهاية الربع الأول من 2018.
خامس أبرز العوامل وراء هبوط الليرة يعود لارتفاع أسعار النفط، خاصة، بحسب عمرو عبده؛ أن تركيا تقوم باستيراد جزء كبير من استهلاكها من النفط، فقد استهلك ارتفاع أسعار النفط نحو 0.7% من الناتج المحلي الإجمالي في تركيا.
وتستورد تركيا 90% من استهلاكها النفطي، ولذلك سعر النفط يؤثر سلبا في لليرة.وبحسب مركز معلومات الطاقة الأميركي، استوردت تركيا 99% من احتياجاتها للغاز الطبيعي بمقدار 1.7 تريليون قدم مكعبة، 57% منها من شركة غازبروم الروسية، فيما تستورد النفط من إيران والعراق اللذين لهما نصيب الأسد من واردات النفط التركية.
ويبدو أن أوردغان قد وضع نفسه بمأزق ضخم حين أعلن عن انتخابات مبكرة ففى عام 2001 كان هبوط الليرة جواز مروره إلى رئاسة وزراء تركيا ,لذلك ليس مستبعداً أن تكون هى السبب فى خروجه من المشهد
ويحاول الرئيس التركي دعم الليرة المنهارة بأموال الشعب الخاصة وصغار المدخرين، بعد أن فشلت جهود البنك المركزي في ذلك رغم رفعه للفائدة. ورغم تمني أردوغان بارتفاع الليرة الآن لحفظ ماء وجهه، إلا أن الحال لن يكون كذلك في حال فوزه في الانتخابات، فهو من أنصار الفائدة لمنخفضة التي ستدعم الاقتصاد، وهذا صحيح، لكنها ستقضي على الليرة التركية لأن الفائدة المنخفضة تبعد المستثمرين عن شراء العملة.
اللهجة الحماسية ومفردات الخطاب القوية التى ناشد الرئيس التركى المواطنين فى بلاده قائلاً ” “إخواني الذين تحتفظون بالدولار واليورو تحت الوسادة، اذهبوا وحولوا أموالكم إلى ليرة، سنحبط هذه اللعبة سويا”, يستتر ورائها الكثير من معانى التوسل وربما انعدام الأمل
وتعتبر الليرة المنخفضة كابوسا للشركات التركية التي شكلت مديونيتها رقما مخيفا هو 70% من الناتج المحلي الإجمالي بداية هذا العام، أكثر من نصف هذا الدين بالعملات الأجنبية، أي أن المزيد من تراجع الليرة التركية سيرفع تكلفة خدمة الدين على الشركات، الأمر الذي سيأكل من أرباحها وميزانياتها.
أضف تعليق