العملات المشفرة تقارير

هل أصبحت البيتكوين منافساً للذهب كمخزن للقيمة؟

Golden Bitcoin .

العملة ما هي إلا ما نتراضى عليه جميعًا. وعلى مر التاريخ اتخذت العملة واحدا من شكلين: إما عملة مادية مصنوعة من معادن مثل الذهب والفضة، أو “عملة إلزامية” (ذات قوة إبراء قانوني) وهي عملة خالية من أي قيمة داخلية ، لكنها تستعمل كوسيلة للتبادل بسبب أن الحكومة التي تصدرها أعلنتها كـ”مال”.
ولكن قبل سنوات قليلة ظهر نوع ثالث، وهو العملات الرقمية التي تعمل وفق مزيج من علوم الاقتصاد والتشفير ونظرية الألعاب. وأشهر فئة من هذه العملات حاليًا هي “بتكوين”، والتي يعزو البعض الإقبال الشديد عليها إلى فرضيتين رئيسيتين: الأولى هي أنها أصبحت وسيلة تبادل، والثانية أنه ينظر إليها كمخزن للقيمة.

لبيتكوين من المفترض أنها عملة. ولكن هناك مشكلة جوهرية حولها لا نعلم ما إذا كانت مؤقتة أو دائمة تضرب هذه الخاصية في مقتل، وهي التقلب الحاد لسعرها.

 

فالمجتمع يستخدم العملة الموحدة لتبادل الأشياء ذات القيمة. فعندما تقوم ببيع شيء ما تمتلكه فإما أن تحصل على شيء آخر مقابله بمعنى أن تبادله، أو تحصل على العملة أو ما نسميه المال، والذي يمكنك استخدامه فيما بعد لشراء أي شيء من بائع آخر.

 

لا يوجد هناك ما يدعم قيمة العملات التقليدية المتداولة اليوم كالدولار واليورو والريال بخلاف حسن نية البنوك المركزية المصدرة لها. وبالتالي في حال اختار المركزي السعودي إلغاء دعمه لفئة الـ100 ريال مثلًا، فقد أصبحت هذه الورقة بلا قيمة. وهذا بالضبط ما حدث في الهند مع اثنتين من الفئات النقدية أواخر عام 2016.

 

باختصار، السبب وراء قبول الناس لأوراق مصنوعة من ألياف القطن والكتان هو أن الجميع يضع ثقته في البنوك المركزية، وهذه الثقة تمثل العمود الفقري لأي عملة مشروعة. ولذلك، إذا اختار الناس أن يثقوا بنوع مختلف من العملات، مثل البيتكوين، ستصبح العملة الرقمية وسيلة تبادل مثلها مثل الدولار والريال.

 

لا يوجد هناك شيء غامض أو سحري يميز أي عملة، فحتى ورق الشجر من الممكن أن يصبح عملة إذا اتفق المجتمع على قبوله على هذا النحو.

 

وبالتالي يجب أن يكون هناك شيء من الاتساق بين قيمة وحدات أي عملة. فإذا لم يكن للعملة قيمة واضحة، يصبح من الصعب شراء أي شيء بها. فكما نعرف البائع دائمًا يريد مالاً أكثر مقابل ما يبيعه والمشتري من جهته يرى أن ما عرضه كاف.

بالإضافة إلى ذلك، أي عملة يجب أن تحافظ على قيمتها بشكل معقول مع مرور الوقت. فالألف ريال التي تضعها في جيبك أنت قد لا ترغب في إنفاقها على الفور، وليس من المنطقي أن يأتي الغد وتجد قيمتها الشرائية مرتفعة أو منخفضة بشكل حاد. وهذا هو السبب في إحجام أغلب الشركات الكبرى عن قبول البيتكوين كعملة.

 

ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” نهاية 2017 نقلًا عن تقرير نشره بنك الاستثمار الأمريكي “مورجان ستانلي” أن البيتكوين لا يقبلها كعملة سوى 3 من بين أكبر 500 تاجر عالمي موجودين على الإنترنت، وذلك انخفاضًا من 5 تجار خلال عام 2016.

 

في ظل افتقاد البيتكوين حتى اللحظة لعدد من السمات الأساسية التي تميز أي عملة، وبسبب كونها أصبحت وسيلة رهان ومضاربة أكثر من كونها أي شيء آخر لا يمكننا تفسير الارتفاع الصاروخي لسعرها بأنه نتاج لاعتمادها كعملة أو الإيمان بها كوسيلة تبادل، لأن هذا لم يحدث، على الأقل حتى الآن.

 

الآن تبقى الفرضية الأخرى، وهي أن البيتكوين أصبحت مثلها مثل الذهب مخزنا للقيمة، وهو الرأي الذي يتحمس له كثيرون في الآونة الأخيرة.
ما الذي يميز الذهب وتفتقده البيتكوين؟
في علم الاقتصاد، عادة ما يتم تعريف “مخزن القيمة” على أنه “الأصل أو العنصر الذي يمكن للناس استخدامه لنقل القوة الشرائية من الحاضر إلى المستقبل”. بعبارة أبسط، الأمر أشبه بمكان ما تحفظ فيه أموالك التي لا ترغب في أن تفقد قيمتها مع مرور الزمن.

 

يمكنك استخدام التمر كوسيلة لمقايضة الخدمات مع أحد جيرانك بينما لا يزال طازجاً، ولكن قوته الشرائية ستختفي متى فسد. ولكن بإمكانك الاحتفاظ بالقوة الشرائية لهذا التمر عن طريق مبادلته مقابل المال أو الذهب أو السندات الحكومية أو أي نوع آخر من مخازن القيمة.

 

كل نوع من أنواع مخزونات القيمة له ما يميزه عن غيره، فالذهب مثلًا مخزن جيد للقيمة لأن بريقه لا ينطفئ ويحتفظ بحالته دون تغيير وعرف الناس ذلك آلاف السنين ، أما المال سواء كان في يديك أو عبارة عن رصيد بنكي لديه ميزة السيولة والتي لا ينافسه فيها أي أصل آخر.

 

البيتكوين في المقابل تتمتع ببعض المميزات التي قد تؤهلها لتصبح مخزناً للقيمة، كما أنها توفر مستويات عالية من الخصوصية المالية، وهذه سمة قيمة بالنسبة لبعض الناس على الرغم من أن هذا قد يساهم بشكل أو بآخر في التهرب الضريبي.

 

لكن السمة الأكثر أهمية التي تميز كل مخازن القيمة التي نعرفها اليوم، تفتقدها البيتكوين حتى الآن، وهي أن جميعها أشياء ذات قيمة. فالذهب مثلًا ذو قيمة لأنه يستخدم في أغراض الصناعة والمجوهرات. سعره من الممكن أن يتذبذب بسبب المضاربات، ولكنه من المستحيل أن يهبط إلى الصفر، فهناك دائمًا شخص على استعداد لقبول الذهب لأنه سلعة مفيدة.

المثل، سندات الحكومة السعودية ذات قيمة لأنها تمنح مالكها تدفقات آمنة نسبيًا من مدفوعات الفائدة. وكذلك الدولار واليورو والريال، لأنها مقبولة على نطاق واسع كوسيلة دفع، وستظل كذلك في المستقبل المنظور. في المقابل، عملة مثل البوليفار الفنزويلي مستقبلها موضع شك، لذلك يحاول حائزوها دائمًا مبادلتها بعملات أخرى أكثر استقرارًا.

 

هل البيتكوين ذات قيمة؟ لا يوجد لها أي استخدامات صناعية أو زخرفية، ولا تعطي حاملها حق الحصول على الفائدة. وكان من المفترض أن تكون عملة مقبولة في جميع أنحاء العالم، ولكن هذا لم يحدث حتى الآن.

 

القيمة الرئيسية الوحيدة التي تتمتع بها البيتكوين حاليًا هي قيمة التبادل. فالكثير من الناس يبدون استعدادهم اليوم لدفع الكثير من المال فقط من أجل حيازة عدد منها.

 

لكن ما الذي يحصلون عليه فعلًا مقابل أموالهم؟ لا شيء أكثر من أمل أن مشتريا آخر سيدفع المزيد من المال للحصول عليها منهم. ولكن بمجرد إفاقة الكثيرين من هوسهم الحالي بها، ولا يوجد أي فائدة حقيقية للعملة الرقمية تحول دون وصول سعرها إلى الصفر، باستثناء موقفها الضعيف كعملة يستخدمها تجار المخدرات وأصحاب الأنشطة غير القانونية.
أعطني المليون دولار
فكر في المثال التالي: لنفترض أن لديك مليون دولار نقدًا وترغب في الحفاظ على قيمة هذا المبلغ لمدة 10 سنوات قادمة، بمعنى أنك تخطط لإنفاق هذا المبلغ ولكن بعد عقد من اليوم، ولذلك تحتاج إلى إيجاد طريقة لتخزين هذه القيمة حتى ذلك الحين.

 

يمكنك أن تضع هذا المبلغ في البنك، إلا أن هناك احتمالا بأن تنخفض قيمة الدولار، فكما تعرف تتآكل قيمة المال مع مرور الوقت بسبب التضخم، وبالتالي سترغب في الحفاظ على المليون دولار في أي صورة غير نقدية. وستبدأ في البحث عن نوع آخر من الأصول تعتقد أنه سيحفظ لك قيمة هذا المبلغ على مدى العقد القادم.

 

أخيرًا، يجب أن نميز بين البيتكوين كتكنولوجيا وكوسيلة تبادل وكمخزن للقيمة. كتكنولوجيا لا تزال في مراحلها الأولى ومن الصعب الحكم على مستقبلها، أما كعملة أو سيلة تبادل، فإن أنشطة المضاربة المتهورة تقتل أي فرصة تساعدها على المضي في هذا الاتجاه، وأخيرًا كمخرن للقيمة، فهي لن تصبح كذلك إلا في حال تم قبولها كعملة.

 

وبناء عليه، ربما ينبغي على الأفراد والمؤسسات التي تغريها العناوين الرئيسية إبقاء مدخراتها بعيدًا عن البيتكوين وغيرها من العملات الرقمية، وعدم معاملتها أبدًا كمخزن للقيمة، إلى أن يتضح مصيرها كعملة ذات قبول واسع.