“ضربة الكلمة أقوى من ضربة السيف” حكمة لاقت نفاذا قويا في سوق المال قبل 28 عاما حين أطلق إمبراطور الذهب البريطاني جيرالد راتنرز المالك الرئيسي لشركة شركة راتنرز جروب، نكاتا سخيفة خلال خطابه السنوي بين نخبة مجتمع الأعمال بالمملكة المتحدة، أدت إلى فقدانه منصبه وخسارة الشركة 80% من قيمتها مرةً واحدة.
من شركة متعثرة إلى إمبراطورية الذهب
تعود القصة المثيرة إلى عام 1991 بعد ست سنوات من انتشال رجل الأعمال الشركة المتعثرة التي ورثها عن أبيه في 1984 ليضع بصمته على استراتيجية أعمالها حتى تحولت إلى إمبراطورية الذهب في بريطانيا والتي تستحوذ على 50% من سوق المجوهرات بالمملكة المتحدة.
كانت راتنرز جروب تضم تحت مظلتها120 متجراً للمجوهرات، وتتكبد خسائر سنوية قدرها 350 ألف إسترليني بما يعادل حوالي 459 ألف دولار آنذاك، قبل مجئ جيرالد.
هذه الفترة اتسمت خلالها مبيعات المجوهرات والذهب بأنها منتجات نخبوية تقتصر فقط على الطبقة الثرية نظرًا لأسعارها الغالية، فعلى سبيل المثال متوسط سعر القطعة كان يدور حول 300 جنيه استرليني وهو سعر مرتفع آنذاك جعل متاجر المجوهرات قاصرة على الأغنياء فقط.
ومن هنا انطلقت الفكرة في ذهن جيرالد راتنر، لماذا لا نضع تصميمات جديدة للمجوهرات بتكلفة أقل نستطيع من خلالها جذب الطبقتين المتوسطة والدنيا؟.
وبالفعل انطلق الرجل في تطبيق فكره على أرض الواقع، وطرحت متاجره تصميمات جذابة لأقراط وأساور وخواتم ذهبية بأسعار تبلغ 20 جنيه استرليني في المتوسط للقطعة، وجعلها تتربع واجهه المتاجر وخلفها المجوهرات الثمينة المرصعة بالألماس.
جني الثمار
لاقت استراتيجية راتنرز جروب الجديدة هجوما من المنافسين بدعوى اتجاه الشركة لبيع منتجات شعبوية مبتذلة بأسعار زهيدة، ولكن كانت 6 سنوات كافية لإثبات صحة نموذج الأعمال الجديد الذي انتهجه جيرالد.
بحلول عام 1990 ارتبع سلسلة متاجر راتنرز من 120 متجرا إلى نحو ألفي متجر، بمبيعات سنوية ناهزت 1.2 مليار إسترليني ما كان يعادل 1.7 مليار دولار، وأرباح وصلت إلى 125 مليون إسترليني بما كان يوازي 176.7 مليون دولار
واستحوذت راتنرز على شركات منافسة مثل جاريد وكاي جويلرز ليتربع على قمة عالم المجوهرات في بريطانيا.
بداية الكارثة
وتكليلاً لهذا النجاح تم دعوة جيرالد راتنر في أبريل/ نيسان 1991 من جانب معهد المديرين الشهير بمجتمع الأعمال البريطاني ليلقي كلمة في المؤتمر السنوي للمعهد.
وخلال التحضير للمؤتمر، تناقش راتنر مع أحد مستشاريه بشأن الخطاب الذي سيلقيه على مسامع الحضور، ونصحه الأخير بأن يلقي بعض النكات ليجذب انتباه الجمهور ويكسر ملل الخطابات الرسمية.
نكات سامة
في ليلة الثالث والعشرين من أبريل 1991، بينما كان جيرالد راتنر متألقا في خطابه المثيرعن المهنية والازدهار والجودة والذي نال إعجاب نخبة مجتمع الأعمال والشخصيات العامة في المملكة العامة، حتى أخذ الحديث بعد 25 دقيقة منحنى آخر بإطلاق رجل الأعمال سلسة من النكات الصادمة يسخر فيها من جودة منتجات شركته.
سهاما سامة أطلقها راتنر ليست ضد المنافسين ولكن صوب شركته مباشرة، حيث قال “إن شركة راتنرز لا تمثل الازدهار، وإذا فكرتم في الأمر جيداً ستجدون أنها لا تمثل الجودة أيضاً”.
ضحك الحضور قليلا قبل أن يباغتهم راتنر بنكتة صادمة أخرى حين قال “إن الناس يتساءلون كيف يمكن لنا أن نبيع طقماً مكوناً من ستة أكواب زجاجية تحملهم صينية مطلية بالفضة مقابل 4.95 جنيه إسترليني فقط. ولهؤلاء أقول نحن نبيعها بهذا السعر الرخيص لأنها ببساطة شيء رديء”.
لم يتوقف رجل الأعمال عن إدهاش الحضور بنكاته الصادمة عن قيم ومنتجات شركته، بل ألقى نكتة ثالثة كفية بأن تكتب خبر نعي الشركة، إذ قال “إننا نبيع زوجاً من الأقراط الذهبية مقابل أقل من واحد جنيه إسترليني، ويقول بعض الناس إنها أرخص من ساندوتش الجمبري!.. ولكن كي أصدقهم القول، أقول لهم إن ساندوتش الجمبري من المحتمل أن يعيش لفترة أطول من هذه الأقراط.
لم يدرك جيرالد راتنر المعاني الحقيقية لنكاته سوى اليوم الثاني حين سيطرت هذه النكات الثلاث على عناوين الصحف البريطانية والتي تتهكم على سخرية المدير التنفيذي لأكبر سلسلة متاجر مجوهرات في المملكة المتحدة من جودة منتجات شركته، حتى تحولت سلسلة راتنرز إلى نكات يمزح بها الجميع.
الانهيار
لم يستغرق الأمر سوى بضعة أيام حتى هوت أمبراطورية راتنرز جروب أمام أعين صاحبها، فقد خسرت الشركة قرابة 500 مليون جنيه إسترليني من قيمتها السوقية، وانخفض سعر السهم بمقدار 80% في نهاية 1991.
ليس هذا فحسب فقد قاطع العملاء منتجات راتنرز التي وصفها صاحبها بالرداءة، وعلى إثر ذلك أغلقت الشركة مئات المتاجر، وسرحة قرابة 25 ألف موظف.
في النهاية المطاف ترك جيرالد راتنر الإمبراطورية التي صنعها في نوفمبر/تشرين الثاني 1991 بعدما فشل في إصلاح ما فعلته نكاته الثلاث.
أضف تعليق