عندما التقيت محمد منصور رئيس مجلس إدارة شركتى “مانتراك ” و” مان كابيتال ” بمكتبه فى لندن , لم أشعر حقيقية أننى قابلت شخصاً واحداً بل ثلاثة فى آن واحد , فخلال المقابلة انتابني شعور أن الأخوين يوسف وياسين منصور كانا حاضرين , ربما يكمن السبب فى قوة الترابط العائلي بين الأشقاء الثلاثة والذى يعد بلا شك عامل أساسي وكلمة السر في نجاح هذه العائلة المصرية بقطاع الأعمال .
وتشهد اليوم مجموعة منصور وهى واحدة من أهم الشركات العائلية المصرية دخول الجيلين الثالث والرابع بإجمالي إيرادات تصل إلى 6 مليارات دولار سنويا ً ونحو 65 ألف موظف يعملون بفروعها في جميع أنحاء العالم .
وتطرق منصور خلال الحديث إلى تجربته كوزير للنقل فى الحكومة المصرية , وكيف أنها واحدة من أصعب الوزارات وأشدها معاناة لذا قرر الاستقالة منها على خليفة حادث تصادم قطارين بمدينة العياط قبل عام ونصف من اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير .
حيث قرر فى عام 2010 الابتعاد عن الحياة السياسية والتركيز على توسيع أنشطة مجموعته العائلية بهدف جعلها رائدة بقطاع الأعمال على نطاق دولي .و أسس شركة ” مان كابيتال ” لتكون ذراع المجموعة الاستثماري في مجال الملكية الخاصة أو ما يعرف بـ ” Private equity” . والواقع أن هذه التجربة الناجحة قد تثير قلق العديد من التنفيذيين في البنوك الخاصة لأن ” مان كابيتال ” أثبتت من خلال نتائجها أن الـ ” Track Record” لدي البنوك الخاصة غير مجدي .
وفى مكتب منصور يمكنك أن تتبع مسارات الشركة وأماكن تواجدها من خلال الخريطة المعلقة على الحائط إلى جانب الصور الخاصة , فالخريطة لم تترك قارة بالعالم إلا وأشارت إلى وجود مكتب للمجموعة بها .ورغم هذا الانتشار والحضور على المستوى العالمى إلا أن المكان الخاص والأهم فى قلب الرجل هو ” مصر ” .
وقد انعكس ذلك بوضوح عندما سألته عن رؤيته لمستقبل الاقتصاد المصري , وأبدى تفاؤله ورغم أنه لم يعطني تفسير واضح لسر هذا التفاؤل فى ظل الأوضاع الطاحنة هناك إلا أن انطباعي فى تلك الجزئية يتلخص فى أن الحس الاقتصادي لهذا الرجل دائما ما يصيب .
وعندما نعود للأب المؤسس لطفى منصور سنجد أنه حقق نجاحاً كبيراً في تجارة القطن فى مصر والسودان , وتم تأميم شركاته مرتين , ولكنه استطاع مواصلة النجاح من سويسرا , وأدرك بحسه الاقتصادي أثناء أزمة النفط بحرب أكتوبر 1973 أن الوقت قد حان للخروج من تجارة القطن وبدأ فى الدخول بالنشاط الرئيسي للمجموعة و توكيلات السيارات وهى جنرال موتورز و caterpillar.
وقام الجيل الثاني بالتوسع فى أنشطة مختلفة داخل مصر , وبالأنشطة الرئيسية للمجموعة فى أفريقيا, حيث كانوا العائلة المصرية الوحيدة التى خرجت للتوسع على نطاق دولي في القارة السمراء وهو نوع من كسر العادة لرجال الأعمال المصريين الذين يفضلون التركيز داخل موطنهم .ويروى محمد منصور بدقة كيف أقنع رئيس caterpillar بالتوسع فى أفريقيا بعد أن استحوذت الشركة على حصة رئيسية بالسوق المصرية .
تعمل مجموعة منصور اليوم في 9 صناعات عبر 6 شركات رئيسية , يحكمها طريقة عمل منظمة بشكل واضح ودقيق للغاية , فيوسف منصور يرأس كل قطاعات التوزيع والسلع الاستهلاكية ,بينما يتولى ياسين إدارة ماكدونالد و بالم هيلز بالقطاع العقارى .ويوضح منصور بهدوء يعكس قدرته على الدخول في كل تفاصيل أعمال المجموعة حتى وإن لم يدرها بشكل مباشر فهو لا يزال يركز على قطاع السيارات .
ويمتلك منصور اليوم رؤية استثمارية توضح أنه أصبح مستثمر من الطراز الأول فى قطاع الـ”” Private equity” على نطاق دولي . فهل يعلم أحد أنه استثمر فى ” فيس بوك” قبل طرحها بالبورصة أو airbnb أو أوبر؟ كما استثمر فى شركات لوجيستية ومدارس تهدف إلى جسر الهوة بين مستويات التعليم الغربي والتعليم لدينا بالمنطقة .
ورغم أن القرارات الاستثمارية للمجموعة كانت تتخذ فى البداية وفقا للفرص المتاحة إلا أن الأمور اليوم تتم فى إطار استراتيجيه واضحة تم صياغتها بناءاً على تحليلات الخبراء ودراسات اقتصادية كاملة , مثل قرار الدخول بالقطاع الصحي في دولة مثل نيجيريا يصل عدد سكانها إلى 173 مليون نسمة بينما لا يوجد بها سوى أربع أجهزة “ MRI “
وإن كانت العائلة الصغيرة هي أحد أسباب نجاح مجموعة منصور فإن العائلة الكبيرة المكونة من الموظفين والشركاء والخبراء هى عامل مهم أيضا لا يمكن إغفاله بمسيرة النجاح . فتحقيق التوازن بين الخبرة والموهبة وكذلك بث الثقة في فريق العمل يعد “روشتة ” لنجاح أى مجموعة استثمارية .وهنا يتحدث منصور بفخر عن شباب مصري أثبتوا جدارتهم ونجحوا ضمن فريق عمل الشركة بالخارج .
ولعل أحد أهم النقاط التى تقتضى التوقف أمامها فى إدارة المجموعة وهى إشكالية هامة بالنسبة لمستقبل الشركات العائلية حيث أنه بالجيل الثانى لمجموعة منصور تم الفصل بين الملكية والإدارة وتحديد كيفية التعامل مع فرد العائلة الذى يعمل والأخر الذي لا يعمل بالشركة وتنظم هذه العملية عبر شركات استشارية بما يضمن الاستمرارية والتوسع بالأنشطة الاستثمارية .
وبالنهاية تطرق منصور إلى أهمية المسؤولية الاجتماعية للشركات ودور مجموعة منصور بهذا الأمر . حيث تمنح المجموعة السيدات من محدودى الدخل قروضاً بفائدة صفرية لمساعدتهم على إقامة مشروعات خاصة بهم وبلغ عدد القروض التى منحتها نحو مليارين ونصف المليار . وهنا يقول منصور باعتزاز مصرى أنه من بين المليونين ونصف قرض لم يتعثر سوى عدد ضئيل لا يتجاوز 6 أو 10 حالات فقط , وهو ما يؤكد عقيدة الرجل بأن المصرى لديه القدرة على ريادة الأعمال والنجاح .
تفاصيل الحوار بالعدد الجديد من أموال
أضف تعليق