تقارير

مأزق هواوى ..وأبعاد الصراعات التكنولوجية

اعتقلت السلطات الكندية “منج وانزو” المديرة المالية لشركة هواوي عملاق صناعة الاتصالات الصينية بناءً على طلب من السلطات الأمريكية. الاتهامات التي تواجهها المديرة المالية لشركة تكنولوجيا الاتصالات الصينية العملاقة تتعلق باستخدام هواوي شركة فرعية غير رسمية لدخول السوق الإيراني في تعاملات تتعارض مع العقوبات الأميركية.

وأضاف ممثل الادعاء في جلسة الكفالة لمينغ وان تشو إنها متهمة بالاحتيال. وأوضح أنها أكدت لبنوك أن هواوي وسكايكوم شركتان منفصلتان، لكنه قال إن الولايات المتحدة تجادل بأن سكايكوم هي هواوي.

اعتقال مينغ شكل مفاجأة صادمة بعد أن اتفق الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الصيني شي جينبينغ على هدنة تجارية نهاية الأسبوع الماضي في بوينس آيرس، الأرجنتين. وأعلن البيت الأبيض أنه أُبلغ مسبقا بتوقيف مسؤولة في المجموعة الصينية العملاقة للاتصالات هواوي في كندا بطلب من القضاء الأميركي، في اليوم نفسه الذي كان فيه الرئيس دونالد ترمب يلتقي نظيره الصيني شي جينبينغ على العشاء.وقال مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جون بولتون لإذاعة “ان بي آر” أمس الخميس: “كنت أعرف ذلك مسبقا”، وفقا لوكالة “فرانس برس”.لكنه لم يوضح ما إذا كان ترمب أبلغ شخصيا بتوقيف مينغ وانتشو، المديرة المالية لثاني مجموعة للهواتف الذكية في العالم، السبت في فانكوفر.وقال بولتون إن “أمورا كهذه تحدث دائما ولا نبلغ الرئيس بها في كل مرة”.

لكن توقيف المسؤولة في هواوي التي طالبت الصين بالإفراج عنها فورا، معتبرة أنها لم “تخالف أي قانون” يمكن أن يعرقل هذا التقارب الذي بدأ في بوينوس آيرس بين البلدين . نقلت مجلة “نيوزويك” الأمريكية، عن عدد من المحللين، تحذيرهم من أن القبض على “مينج وان زو” المديرة المالية لشركة “هواوي” قد يكون له تداعيات كبيرة على شركات التكنولوجيا الأمريكية، والحرب التجارية المستمرة مع الصين، حيث يرى بعض الخبراء أن الصين يمكن أن تنتقم من خلال اعتقال مواطني الولايات المتحدة.وقال جيمس لويس مدير سياسة التكنولوجيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن “هواوي هي واحدة من الشركات المقربة من الحكومة الصينية”، وأضاف “أنهم سينتقمون، وستأخذ الصين رهائن”، مؤكدا “إذا كنت مسؤولا تنفيذيا في إحدى شركات التكنولوجيا الأمريكية، فلن أسافر إلى الصين هذا الأسبوع”.وأشار مارتي كادي، المحرر في مجلة “بوليتيكو” على تويتر إلى أن احتجاز “مينج” “أشبه بإلقاء القبض على أحد المدراء التنفيذيين في أبل أو فيسبوك في الصين”.

وتُعتبر شركة هواوي أكبر منتج لمعدات الاتصالات في العالم، وثالث أكبر مورّد للهواتف الذكية، وصاحبة عدد هائل من مكاتب البحث والتطوير، ومالكة لعشرات آلاف براءات الاختراع. فهي تعتبر أكبر شركة صينية لإنتاج معدات الاتصالات في العالم، وتنتشر منتجاتها في أكثر من 170 دولة حول العالم، وحتى يوم 31 من شهر يناير لعام 2017، استطاعت هواوي الحصول على 74.307 براءة اختراع، والتقديم على 64.091 براءة اختراع في الصين و48.758 براءة اختراع خارج الصين، كما أصبحت هواوي الشركة الصينية الوحيدة التي اندرجت علامتها التجارية في تصنيف “فوربس” السنوي لأعلى العلامات التجارية قيمة بالعالم في عام 2018 للعام الثاني على التوالي، حيث بلغت قيمة علامتها التجارية 8.4 مليارات دولار أمريكي. ولذلك قد يكون توقيف المديرة المالية للشركة وابنة مالكها “منج وانزو” حلقة في سلسلة التصعيد الأمريكي ضد الصين.

مأزق هواوى لا ينفصل عن الصراع من أجل الهيمنة على التكنولوجيات الفائقة بين الصين التي تسعى لتقود العالم في مجال التكنولوجيات فائقة التقدم وبين الولايات المتحدة الأمريكية التي تحاول الحفاظ على مكانتها في مواجهة الصين. بداية الصراع بين الولايات المتحدة والصين بدأ عندما حجبت الأخيرة أغلب المواقع الأمريكية مثل فيس بوك وجوجل ويوتيوب وغيرها، بسبب رفضها الخضوع لبعض القواعد التى تضعها البلاد، وهناك تقارير أخرى تشير إلى أن الصين اتخذت تلك الخطوة فى عام 2009 لمنع التدخل الأمريكى فى شئونها الداخلية عبر تلك المواقع المنفتحة بشكل غير مناسب لسياستها. ولم تكتف الصين بهذا الأمر بل إنها وفرت لمواطنيها مواقع اجتماعية محلية تغنيهم عن فيس بوك مثل “wechat” ومحرك بحث أيضا عملاق لا يقل فى التطور عن جوجل “بايدو”، وتلك الخدمات حققت نجاحا كبير فى فترة قصيرة.

وإدراكًا لأهمية الذكاء الاصطناعي، أطلقت الصين استراتيجية شاملة في يوليو 2017 تتناول بالتحديد الأهداف المرجو تحقيقها في مجال الذكاء الاصطناعي، والتي تشمل: رقائق معالجة الشبكة العصبية الاصطناعية، والروبوتات الذكية، والمركبات الآلية، والتشخيص الطبي الذكي، والطائرات بدون طيار ذكي، والترجمة الآلية. وفي نوفمبر 2017، أعلن وزير العلوم والتكنولوجيا الصيني أنه شكّل ما سمّاه “فريق الأحلام” من كبرى الشركات التكنولوجية الصينية (Baidu, Alibaba, Tencent) لقيادة الدولة في مجال الذكاء الاصطناعي، وقد بدأت هذه الشركات بالفعل في إنشاء منصات مفتوحة المصدر لجمع أكبر قدر من المعلومات التي يمكن توظيفها في تعلم الآلات، حيث تخصص شركة “علي بابا” أكثر من 15 مليار دولار لعمليات البحث والتطوير، كما توسّع شركة هواوي من عمليات الاستثمار في الجيل الخامس من الإنترنت.

ورغم أن قطاع التكنولوجيا الصيني لا يزال يعتمد على صادرات أميركية معيّنة مثل الرقائق الإلكترونية، إلا أن معظم الشركات الأميركية تصنع تلك الرقائق داخل الصين في وقت تبدو فيه بكين مندفعة بسرعة فلكية للهيمنة على قطاع التكنولوجيا.وتشير التقديرات إلى أن الصين تصنع ما يصل إلى 90 بالمئة من أجهزة تكنولوجيا المعلومات في العالم وبضمنها 3 أرباع جميع الهواتف الذكية. ما يعني أن الاقتصاد العالمي يعتمد بشكل متزايد عليها في تصنيع البنية التحتية العالمية لتكنولوجيا المعلومات.

التخوفات الأميركية من تصاعد هيمنة الصين على التكنولوجيات المتقدمة دفعت وزارة التجارة الأمريكية إلى إصدار قرارا بمنع شركتي هواوي وZTE الصينيتين من شراء معالجات الهواتف الذكية والمحمولة من شركة “كوالكوم” الأمريكية عملاق صناعة الرقائق الإلكترونية المتخصصة في تكنولوجيا نظم الاتصالات على خلفية مزاعم بانتهاكها لوائح إدارة التصدير الأمريكية وبيع منتجات لإيران. وأيضًا منع الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” شركة “برودكوم ليميتد” السنغافورية من محاولتها الاستحواذ على شركة “كوالكوم” في صفقة تاريخية تُقدر بـ142 مليار دولار أمريكي على خلفية اتهامات بإضعاف المنافسة الأمريكية لصالح الصين. 

ولم يقتصر الأمر على واشنطن حيث أعلنت الحكومة اليابانية أنها ستمنع استخدام أجهزة مجموعتي هواوي وزد.تي.إي، التي قالت إنها تشكل تهديدا للأمن، وبعد ساعات أصدر الاتحاد الأوروبي تحذيرا من المخاطر الأمنية لمعدّات الاتصالات الصينية.وتخضع شركات التكنولوجيا الصينية لتدقيق شديد من قبل واشنطن وبعض أبرز الحلفاء بشأن صلاتها مع الحكومة الصينية، وهو الأمر المدفوع بمخاوف من أن بكين قد تستغلها للتجسس.ويأتي الحظر الياباني بعد منع هواوي من العمل في السوق الأميركية وإيقاف أستراليا ونيوزيلندا مشاركة الشركة في شبكات الجيل الخامس للاتصالات بينما تصرّ بكين على أنها لا تملك أي نفوذ على هواوي

وقال نائب رئيس المفوضية الأوروبية أندراوس أنسيب الجمعة إن مجموعة هواوي وغيرها من شركات التكنولوجيا الصينية تثير “مخاوف” على الاتحاد الأوروبي بسبب المخاطر الأمنية التي تطرحها.وأضاف في مؤتمر صحافي في بروكسل أنه “ينبغي التخوف من هواوي ومن شركات صينية أخرى… أعتقد أن هناك ما يدعو إلى القلق” لأن تلك الشركات مرغمة على “التعاون مع أجهزة الاستخبارات” الصينية.

الصراع الصيني مع الولايات المتحدة الأمريكية لا يزال في غير صالحها، فرغم طموح بكين والإمكانيات المسخرة لها، إلا أن قطاع التصنيع الصيني ما زال يعتمد على توسيع الحجم، فلم يتحقق بعد التحول من الاعتماد على توسيع الحجم إلى الاعتماد على رفع الجودة، وما زالت هناك فجوة واسعة بين قطاع التصنيع الصيني مقارنةً مع الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وألمانيا، في مجالات رفع الجودة، وزيادة العائد، وتحسين الهيكل، والتطور المستدام، ولكن السنوات القليلة القادمة قد تشهد تغير موازين القوى لصالح الصين.