حالة الفزع التى تسود أوروبا اليوم خوفاً من إفلاس القرن لها مبررها وأسبابها القوية ..لأن عجز اليونان عن سداد ديونها سيخلف ورائه العديد من التداعيات التي لا تحمد عقباها بالنسبة للاقتصادات العالمية .
“أحجار الدومينو”
فسقوط اليونان وفقا لنظرية “أحجار الدومينو” سيدفع دول أخرى إلى إعلان إفلاسها مثل إسبانيا وإيطاليا والبرتغال وسيؤدى ذلك إلى التراجع في النمو الاقتصادي لـ42 دولة صناعية وصاعدة في السنوات الثماني القادمة إلى 17.2 تريليون يورو تتحمل منها أميركا 2.8 تريليون يورو والصين 1.9 تريليون يورو وألمانيا 1.7 تريليون يورو.
كما أن إفلاس اليونان سوف يؤدى إلى خروجها من منطقة اليورو وتحول عملتها مرة أخرى إلى الدراخم مما يعنى أيضا تبخر الأموال المودعة بالبنوك . فإشهار الإفلاس والنتائج المترتبة عليه بباب جهنم الذي سوف يلتهم الأخضر واليابس، ليس في القارة العجوز فقط، بل كافة أرجاء العالم.
الوضع في اليونان ليس غريباً أو فريداً من نوعه فالتاريخ الحديث شاهد على العديد من الحالات المماثلة , فالأرجنتين أعلنت إفلاسها مرتين خلال 13 عاماً فقط . وأعلنت عن وقف سداد ديونها التي بلغت 132 مليار دولار لأنها غير قادرة على سدادها، وقد لجأت لصندوق النقد الدولي الذي كان قد أقرضها من قبل 20 مليار دولار.
حالات مشابهة
وبعد الانهيار الكبير للاتحاد السوفيتي عام 1991 وتحول روسيا من الشيوعية إلى الرأسمالية أعلنت روسيا إفلاسها. ولكى تخرج روسيا من أزمتها وافق صندوق النقد الدولي على تقديم الدعم لروسيا تبلغ قيمته الإجمالية نحو 11.2 مليار دولار. مع توفير دعم آخر من البلدان الصناعية الكبرى تبلغ قيمته نحو 11 مليار دولار.ومنذ العام 1970 حتى اليوم تخلفت نحو 70 حكومة عن دفع ديونها فلجأت إلى إعادة جدولتها آو إلى حلول أكثر قسوة.
ورغم أن إفلاس الدولة ليس مصطلحاً اقتصاديا شائعاً يتفق عليه الجميع، ولكنه يعني عجز دولة ما عن الوفاء بديونها، أو الحصول على الأموال من الجهات الخارجية لدفع قيمة ما تستورده من بضائع وسلع، وفى بعض يمثل إعلان الدولة إفلاسها فرصة جيدة لها للإفلات من قبضة الدائنين، حيث تأخذ بعض الدول خطوات جريئة لإنقاذ اقتصادها من الممكن أن يكون عن طريق تأميم بعض الشركات والمصارف.
وتلجأ الدول بشكل عام إلى جهات تستطيع إقراضها، إما مؤسسات غير رسمية مثل نادي باريس ـ الذي يجمع الدائنين من جميع الدول الغنية في العالم ـ وقد يتولى النادي مهمة إعادة هيكلة الديون أو تخفيف أعباء بعضها أو إلغاء بعضها مثلما حدث مع العراق عام2004. أما الجهات الرسمية التي قد تلجأ إلها بعض الدول، صندوق النقد الدولي. يتولى صندوق النقد مهمة تقييم الأوضاع الاقتصادية للدولة ويقوم بمنحها تسهيلات اقتصادية على قروضه على أن تسير على الأجندة الاقتصادية التي وضعها لها للخروج من أزمتها.
أزمة اليونانية تكشف في جانب منها الطموحات الكبرى التي تتجاوز الامكانيات، فبمجرد انضمام أثينا إلى منطقة اليورو، توسعت في الاقتراض من المؤسسات المالية العالمية عامة والأوروبية خاصة، بهدف تحقيق الرفاهية للشعب اليوناني بما يتلاءم مع الشعوب الأوروبية الأخرى.وكشفت الأزمة أيضاً عدم الدقة والافتقار للصراحة التي كان يجب على الحكومات اليونانية المتعاقبة الالتزام بها.
أشهر حالات العجز عن سداد الديون
الاكوادور:
عجزت عن سداد ديونها في: ديسمبر/كانون الأول 2008.
حجم الدين: 3.2 مليار دولار.
في بعض الأحيان تكون الدول قادرة على سداد ديونها لكنها تفضل ألا تفعل ذلك، كما في حالة “الاكوادور” حينما رفضت حكومتها اليسارية في عام 2008 دفع المستحقات المالية للسندات العالمية المستحقة في عامي 2012 و2030 معتبرة أن هذه المستحقات “غير شرعية”.
ووفقا لمؤسسة “موديز” فان عجز الاكوداور عن السداد لم يكن رغما عنها لأنها كانت تتمتع بأداء اقتصادي قوي نسبيا في ذلك الوقت، وإنما يعود لمعتقدات سياسية وايدلوجية خاصة، وسبب عدم السداد هو “عدم الرغبة في الدفع” وليس “عجزا عن الدفع”.
بيرو:
عجزت عن سداد ديونها في: سبتمبر/أيلول 2000.
حجم الدين: 4.9 مليار دولار.
لم تقتصر حالات العجز عن أداء الالتزامات المالية على “بيرو” وحدها بل امتدت لأربعة دول أخرى بأمريكا اللاتينية منها الأرجنتين، وفي عام 2000 عجزت “بيرو” عن سداد فوائد تقدر بـ 80 مليون دولار مستحقة على سندات مقومة بالدولار تصدرها الدول النامية بأمريكا اللاتينية.
لكن على عكس الدول الأخرى نجحت “بيرو” في التوصل الى اتفاق مع الدائنين وتسديد جزء كبير من ديونها خلال فترة السماح الممتدة ثلاثين يوما.
أوروجواي:
عجزت عن سداد ديونها في: مايو/أيار 2003.
حجم الدين: 5.7 مليار دولار.
نتجت أزمة الدين في الأرجنتين في عام 2001 عن أزمة في أسعار الصرف لجارتها “أوروجواي” بعد أن كانت الأخيرة تتمتع “بدرجة استثمار” من مؤسسة “موديز” في الفترة من 1997 وحتى 2000، وقفزت ديون “أوروجواي” إلى 11 مليار دولار أي ما يمثل 100% من اجمالي عائد الناتج المحلي نتيجة عجزها عن سداد فوائد السندات المستحقة في 2003 و2004.
ولمواجهة الأزمة أطلقت السلطات مبادرة لتبادل الدين في ابريل/نيسان 2003 لمد متوسط فترة استحقاق السندات، ونجحت في ذلك بنهاية مايو/أيار من نفس العام.
الاكوادور:
عجزت عن سداد ديونها في: أغسطس/آب 1999.
حجم الدين: 6.6 مليار دولار.
وكانت الاكوادور قد شهدت عجزا آخر في عام 1999 عندما توقفت عن سداد نحو نصف الفوائد المستحقة على السندات، لكن الولايات المتحدة الأمريكية ساندتها في إعادة التفاوض مع أعضاء “نادي باريس” – مجموعة من الدول الدائنة على مستوى العالم ـ وقامت بإعادة هيكلة 98% من ديونها بتحويلها لسندات جديدة.
جامايكا:
عجزت عن سداد ديونها في: فبراير/شباط 2010.
حجم العجز: 7.9 مليار دولار.
سجلت المستعمرة البريطانية السابقة “جامايكا” حالة عجز عن أداء ديونها السيادية في عام 2010، وحلقت حينها نسبة الدين إلى العائدات عند 400%، ومثل حجم الدين 60% من اجمال عائد الناتج المحلي.
وما زالت الدولة تكافح لسداد التزاماتها المالية حتى الوقت الحالي، وتخصص الحكومة نحو ثلث عائداتها لدفع فوائد الديون.
وواجهت “جامايكا” ثاني عجز لها خلال ثلاثة أعوام في عام 2013، وأعلنت السلطات برنامج لمبادلة 25% من ديونها المحلية البالغة 91 مليار دولار بإصدار سندات جديدة تستحق خلال فترة من ثلاث إلى خمس سنوات.
اليونان:
عجزت عن سداد ديونها في : ديسمبر/كانون الأول 2012.
حجم الدين: 42 مليار دولار.
عجزت اليونان عن دفع أقساط الديون في مارس/آذار 2012 ثم قامت بإعادة شراء ديونها في ديسمبر/كانون الأول من نفس العام مما قلص اجمالي الدين بنسبة 5.8%، كما خفض نسبة الدين إلى عائد الناتج المحلي بعشر نقاط.
لكن أعباء الديون ما زالت ثقيلة للغاية، وقد عجزت اليونان الشهر الماضي عن سداد قسط يقدر بـ 1.5 مليار يورو لصندوق النقد الدولي وهي المرة الأولي التي تعجز فيها دولة عن سداد أقساط الصندوق منذ عام 2001 في حالة زيمبابوي.
في عامها الخامس من الركود، كان العجز اليوناني عن سداد الدين الأكبر على الإطلاق حيث قدرت ديونها بـ 261 مليار ولار، على الرغم من المساعدات المالية الهائلة التي تلقتها حكومات اليونان من دول الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد.
وما زالت اليونان تناضل لمواجهة أزمة ديونها التي شهدت تطورا خطيرا عندما رفض اليونانيون خطة الإنقاذ الأوروبي خلال الاستفتاء الشعبي .
روسيا:
عجزت عن سداد ديونها في: أغسطس/آب 1998.
حجم الدين: 73 مليار دولار.
في أعقاب الأزمة المالية الآسيوية عام 1997 شهدت عدة دول حالات للعجز عن سداد الديون مثل روسيا وأوكرانيا وباكستان وفنزويلا، وفي عام 1998 عجزت روسيا عن أداء ديون تقدر بقيمة 73 مليار دولار فيما يعد أكبر حالات الإخفاق في الوفاء بالتزامات الديون في التاريخ حينها.
الأرجنتين:
عجزت عن سداد ديونها في: نوفمبر/تشرين الثاني 2001.
حجم الدين: 82 مليار دولار.
أخفقت الأرجنتين في نهاية عام 2001 عن سداد ديونها للمستثمرين الدوليين والتي بلغت حينها 82 مليار دولار في ظل رفض صندوق النقد دفع مساعدات مبكرة للدولة اللاتينية والتراجع الكبير لعملتها في مقابل الدولار الذي دفع المواطنين إلى التسابق في تحويل ودائعهم بالعملة المحلية إلى الدولار.
أضف تعليق