تقارير رئيسي

لماذا علق الرئيس الأميركى الرسوم الجمركية لمدة 90 يوماً؟

في تحولٍ مفاجئ، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، اليوم الأربعاء، تعليق الرسوم الجمركية المتبادلة على عشرات الدول التي لم ترد بإجراءات انتقامية ضد الولايات المتحدة لمدة 90 يوماً، لتنفض أسواق الأسهم والسندات والسلع حول العالم غبار الخسائر العنيفة التي تكبدتها على وقع تصاعد مخاوف التضخم والركود بسبب الحرب التجارية المتفاقمة.

اجتاحت الضغوط البيعية أسواق الأسهم وسندات الخزانة الأميركية خلال الأيام القليلة الماضية بعد فرض ترمب الرسوم المتبادلة على معظم دول العالم، مع تفاقم مخاوف الركود وترسخ التضخم بفعل زيادة الأسعار على وقع الرسم الجمركية. ليهوي مؤشر “إس آند بي 500” مقترباً بقوة من عتبة السوق الهابطة. كما ارتفعت عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل عامين لفترة وجيزة متجاوزة 4%، مع تقليص المتداولين توقعاتهم لخفض أسعار الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي هذا العام.

وعقب قرار ترمب تعليق الرسوم الجمركية، وصف وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت هذه الخطوة كأنها انتصاراً لترمب وقال للصحفيين إن الرئيس الأميركي “خلق لنفسه أقصى نفوذ تفاوضي” في محادثاته مع الدول الأخرى. وكشف أنه سيتحدث إلى مسؤولين من فيتنام واليابان والهند وكوريا الجنوبية خلال الأيام المقبلة، وقال “نتوقع أن تأتي الدول بأفضل عرض ممكن لديها”، في إشارة إلى صفقات تجارية مرتقبة بين الولايات المتحدة وهذه الدول.

من جهة أخرى، يرى الخبير الاقتصادي محمد العريان أن سوق السندات الحكومية كانت سبباً وراء اتجاه الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى تعليق الرسوم الجمركية على عشرات الدول حول العالم، بعد أن شهدت سندات الخزانة الأميركية لأجل عامين أكبر ارتفاع يومي للعائد منذ 2009 ليصل إلى 4% وهو ما قد يبرز في حد ذاته اختلالاً في السوق.

وكتب رئيس كلية “كوينز” في جامعة كامبريدج في منشور على موقع “إكس” عقب قرار ترمب تعليق الرسوم الجمركية لمدة 90 يوماً: “قبل ساعة تقريباً، كان هناك نقاش حول ما قد يقنع الإدارة الأميركية باللجوء إلى تعليق التعريفات الجمركية. هل سيكون الكونغرس، أو مستشاري الرئيس، أو قادة الأعمال، أو النظام القانوني، أو الأسواق، أو أي شيء آخر؟.. لكن، حصلنا على الإجابة اليوم: إنها سوق السندات الحكومية، وخاصةً مدى قربها من الخط الفاصل بين التقلبات الحادة في الأسعار واختلالات السوق”.

أشار إد يارديني، مؤسس شركة “يارديني ريسيرش”، في مذكرة للعملاء، إلى أن “مراقبي الأسهم والسندات يبعثون بإشارة تفيد بأن إدارة ترمب قد تكون تتلاعب بأمر حساس للغاية”. و”هذا التصعيد قد يؤدي إلى زعزعة أسواق المال بقوة بفعل ضغط الحرب التجارية، ما يُدخل مؤشر “إس آند بي 500″ (S&P500) في سوق هابطة بشكل مؤكد”

تنامت مخاوف وول ستريت خلال الأيام القليلة الماضية منذ فرض دونالد ترمب رسوم جمركية متبادلة على عشرات الدول حول العالم جراء ارتفاع عوائد السندات الأميركية.

تزايد الشكوك حول سلامة الأصول الأميركية بسبب الحرب التجارية المتصاعدة التي يشنها الرئيس الأميركي دونالد ترمب أدى إلى تكثيف الضغوط البيعية في سندات الخزانة يوم الأربعاء، ليرتفع عائد سندات الخزانة الأميركية لأجل عامين متجاوزاً 4%، مسجلاً أكبر ارتفاع يومي للعائد منذ 2009. كما ارتفع العائد على الأوراق المالية لأجل 30 عاماً إلى 5.02% لفترة وجيزة، وهو أعلى مستوى منذ 2023.

تجدر الإشارة إلى أن عائد سندات الخزانة لأجل عامين يعد الأكثر تأثراً بأسعار فائدة التمويل لدى الاحتياطي الفيدرالي، لذا فإن ‏التحرك الحاد في عائد السندات قصيرة الأجل يعكس توقعات السوق بأن سعر الفائدة عند مستواه الحالي قد يدوم لفترة أطول، وهذا ما قد يدفع الاحتياطي الفيدرالي للتدخل عبر زيادة أسعار الفائدة، وليس خفضها.

كما تأثرت سندات الخزانة طويلة الأجل في الأيام الأخيرة، لتتراجع متأثرة بموجة البيع التي ضربت الاسواق، ليرتفع العائد على الأوراق المالية لأجل ثلاثين عاماً بأكثر من 40 نقطة أساس حتى الآن هذا الأسبوع، وهو ما يتعارض مع دورها المعتاد كملاذ آمن.

استراتيجيو “دويتشه بنك” و”جيفريز” يرون أنه إذا استمرت مثل هذه التحركات في سوق السندات، فسوف يحتاج البنك المركزي إلى التدخل.

وإذا ما توجه الاحتياطي الفيدرالي لاستخدام أداة سعر الفائدة لمعالجة هذه الظاهرة، فسيتعرض لصدام مباشر مع الرئيس الأميركي الذي طالما طالب بخفض أسعار الفائدة. وقال ترمب قبل أقل من أسبوع في منشور على منصات التواصل الاجتماعي “هذا هو التوقيت المثالي لرئيس الفيدرالي الأميركي جيروم باول لخفض أسعار الفائدة”، وانتقد ترمب الاحتياطي الفيدرالي ووصفه بأنه دائماً “متأخر” في قراراته.

واليوم، وعقب تعليق الرسوم الجمركية على عشرات الدول، قال الرئيس الأميركي إن سوق السندات تعافت بشكل جيد، بعد أن شعر المستثمرون بالقلق بسبب الرسوم الجمركية وإنها “في حالة جيدة الآن”.

من جهته، قلل وزير الخزانة سكوت بيسنت من عمليات البيع في سندات الخزانة الأميركية، قائلاً إنه ليس هناك شيء منهجي في هذا الأمر. وأوضح في تصريحات على قناة “فوكس بزنس” يوم الأربعاء: “هناك حالة من التقلبات الناتجة عن تراكم الديون في الأسواق حالياً”، مضيفاً أن “سوق الدخل الثابت شهدت تكبد بعض كبار المستثمرين خسائر بسبب الديون المرتفعة، لذا فإنهم اضطروا إلى تخفيض هذه الديون”.

وعقب قرار ترمب يوم الأربعاء بتعليق الرسوم، سجل مؤشر “إس آند بي 500” ارتفاعاً بنسبة 9.5%، هو الأكبر منذ انتعاشة السوق عقب الانهيار الذي أعقب جائحة كورونا، في حين قفز “ناسداك 100” بنسبة 12% وسط حالة من الراحة سيطرت على الأسواق كما اكتست الأسهم باللون الأخضر.