قال مسؤولان ألمانيان بارزان إن اقتراح صندوق النقد الدولي بأنه ينبغي لزعماء منطقة اليورو أن ينشئوا صندوق تمويل خاص للمساعدة في تخفيف الأعباء المالية على الدول الأعضاء التي تشهد تراجعا اقتصاديا ليس فكرة جيدة.
وقال ينس فيدمان رئيس البنك المركزي الألماني (بوندسبنك) “لا أعتقد أن الاقتراح مقنع”، مضيفا أن إنشاء مثل هذا الصندوق سيصرف اهتمام زعماء منطقة اليورو عن قضايا ملحة.
وقال وزير المالية الألماني أولاف شولز “لا أظن أن اقتراح رئيسة صندوق النقد الدولي هو اقتراح ينبغي متابعته”.
اقترحت كريستين لاغارد المديرة العامة لصندوق النقد الدولي ا تأسيس صندوق للأزمات لمنطقة اليورو يساهم في حماية الدول الأعضاء في فترات الضعف الاقتصادي.
وفي كلمة ألقتها في برلين أشادت لاغارد بما وصفته بأنه “تحسن مستدام وواسع النطاق” في الاقتصاد العالمي.لكنها أشارت إلى أن هناك “رياح معاكسة قوية” تهدد النمو، مضيفة “ضعوا نصب أعينكم تصاعد الشعبوية ودعوات الحماية التجارية القصيرة النظر”.
وكي تتأهب المنطقة لأي انكماش اقتصادي في المستقبل، حثت لاغارد الأعضاء على تأسيس اتحاد متطور لأسواق رأس المال واتحاد مصرفي محسن والاتجاه نحو تكامل مالي أكبر، مع البدء بقدرة مالية مركزية.وأضافت أن مثل هذه الأداة المالية ستطمئن المستثمرين.
والصندوق المقترح سيتلقي مساهمات سنوية من دول منطقة اليورو لتكوين أصول في أوقات الوفرة، ومن ثم يمكن أن تتلقى تلك الدول تحويلات في أوقات الأزمات.
وينص اقتراح صندوق النقد الدولي حول صندوق إدارة الأزمات الجديد، وتحسين التعاون في السياسة المالية والضريبية على تمويل الصندوق بمساهمات سنوية، على توفير احتياطي في أوقات مناسبة وإتمام نقل الدعم لدول معينة في أوقات سيئة.
ولفتت لاغارد في هذا السياق إلى بعض الأزمات، مثل انهيار العديد من البنوك في 2008، وما تلا ذلك من إنشاء صناديق الاستقرار المالية في الاتحاد الأوروبي، مثل آلية الاستقرار الأوروبي «إي إس إم».
وأضافت رئيسة صندوق النقد الدولي أن توفير الاحتياط يكون أرخص دائماً، ويدعم أيضاً فكرة تحسين الاتحاد المصرفي في أوروبا بقواعد واضحة من أجل تحسين الحماية من حدوث انهيارات أو سوء في الإدارة.وقالت لاغارد إنه في الظروف الاستثنائية يمكن للدول الاقتراض من الصندوق وسداد القروض بمساهمات مستقبلية.
المثير بالأمر أن المفوضية الاوروبية كانت قد اقترحت ، على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي فى ديسمبرالماضى إنشاء صندوق نقد أوروبي لعام 2019 لكي يحل محل صندوق النقد الدولي في المستقبل.
وبحسب بيان المفوضية الأوروبية يهدف صندوق النقد الأوروبي لمساعدة البلدان الأوروبية، التي تعاني صعوبات اقتصادية في منطقة اليورو.وقال بيان المفوضية الأوروبية بأن البرلمان الأوروبي والمجلس الأوروبي مدعوان لاعتماد هذا الاقتراح منتصف عام 2019.
وكانت المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، قد أكدت حينها تأييدها لخطط تحويل صندوق آلية الاستقرار الأوروبي (إي إس إم) إلى صندوق نقد أوروبي، مشيرة إلى أنها تدعم الخطط المتعلقة بهذا الشأن التي طرحها وزير ماليتها فولفجانج شويبله، على أن حكومة بلادها لن تسمح بوجود ديون مشتركة دون رقابة.
وذكر في وقت سابق يورين ديسلبلوم رئيس المجموعة الأوروبية أن أوروبا تحتاج إلى صندوق نقد أوروبي يكون بديلاً عن صندوق النقد، الذي مقره واشنطن في أي اتفاقات مستقبلية لمساعدات في منطقة اليورو.
وقدم ديسلبلوم، الذي يشغل كذلك منصب وزير المالية الهولندي، للبرلمان الأوروبي أقوى تأييد حتى الآن لهذه الفكرة وسط تصاعد الخلاف بين منطقة اليورو، وصندوق النقد الدولي بشأن مستوى المساعدات لتخفيف الديون اليونانية.
وقال ديسلبلوم إن “آلية الاستقرار الأوروبية”، وهي صندوق المساعدات لمنطقة اليورو ومقره لوكسمبرج يجب أن يتولى مسؤوليات صندوق النقد الدولي، وأنه يجري حالياً العمل على إعداد تقرير لرسم الطريق لذلك.
وأضاف، «الطريقة الوحيدة لتعزيز الاتحاد النقدي بنجاح هو الربط الوثيق بين المسؤولية والتضامن». وأوضح أن «الطريق لذلك هو مواصلة العمل على تحويل آلية الاستقرار الأوروبية إلى صندوق نقد أوروبي». ويعد هذا التصريح تغيراً كبيراً في موقف ديسلبلوم الذي كان يؤكد سابقاً أن إنشاء صندوق نقد أوروبي هو خطة للأمد الطويل.ويشارك صندوق النقد الدولي بشكل رئيس في اتفاقات تقديم المساعدات المالية لدول منطقة اليورو منذ بداية الأزمة في 2010 وتعتبر ألمانيا ضامنا لنظام الميزانية.وأضاف ديسلبلوم أن «آلية الاستقرار الأوروبية يجب أن تكون الرائدة في تصميم والتفاوض على ومراقبة أية برامج مستقبلية». والمفاوضات بين اليونان وصندوق النقد الدولي ومنطقة اليورو بشأن صفقة المساعدات مستمرة منذ عدة أشهر.
فرنسا: إلغاء شطر من الديون هو «خط أحمر»
رفض صندوق النقد الدولي حتى الآن المشاركة في برنامج القرض البالغة قيمته 86 مليار يورو الذي اتفقت عليه منطقة اليورو مع اليونان في منتصف 2015، وهي الثالثة منذ 2010.يمثل أساس فكرة الصندوق
ولكن في فرنسا تترتب مشكلة على جانب حيوي من المشروع هذاوهو شرط مسبق لمنح بلد تعصف به أزمة أي قرض هو إلغاء شطر من ديونه. وأعلن برونو لومير، وزير الاقتصاد الفرنسي، معارضته هذه الخطوة، على رغم أن المقترح معقول و «سليم». ورأى لومير أن إلغاء شطر من الديون هو «خط أحمر» (محظور) يعيد إلى الأذهان ذكريات مريرة.
وفي بدء الأزمة اليونانية في 2010، كان السؤال عن محو جزئي لدينها العام، من الأسئلة المتداولة. ونزلت يومها دول منطقة اليورو على ما اقترحه رئيس المصرف الأوروبي، جان– كلود تريشيه، واعتبرت إلغاء الديون، ولو جزئياً، «خطاً أحمر»، وهذا ما يقوله لومير اليوم. ورفض مثل هذه الخطوة هو ما أدى الى كارثة في اليونان، وتفشّي عدوى الأزمة إلى دول أوروبية أخرى، وتهديد تماسك منطقة اليورو. وحينها، كان إلغاء الدين اليوناني ليقوض البنوك الألمانية والفرنسية، في وقت كانت تنوء تحت آثار الأزمة المالية. وكانت الذريعة الرسمية لرفض إلغاء الديون اليونانية: الخوف من الانزلاق الى أزمة مصرفية جديدة. وهذا قد يكون في محله، ولكن ما تصدر الغايات والأولويات حينها هو حماية المصارف. وشطر كبير من المال العام الذي منح لليونان خُصص لتسديد ديون المصارف الخاصة. وصار على اليونانيين طوال جيلين أو ثلاثة تسديد القروض الأوروبية السخية التي أُجبروا على قبولها. وفي 2010، كان الدين العام اليوناني 130 في المئة من الناتج العام. وهذا رقم يعصى العقل والمنطق. ويعود شطر من اللائمة الى الحكومات اليونانية المتوالية التي أنفقت من غير حساب. ولكن لا يخفى ان القرض يقتضي طرفين: مُقرض ومَدين. والأول عليه ان يحتسب الخطر الذي يقدم عليه. فالقروض كلها خطرة. ومن أقرض اليونان في سنوات ما قبل 2010 إما اختار تجاهل المخاطر وإما حسِب ان أموال المكلفين، مسددي الضرائب، في دول منطقة اليورو اليونان «ستنقذه». والداعي الأول فكرة سيئة، والثاني يفتقر إلى الأخلاق. وأبرز دروس الأزمة اليونانية هو وجوب تفادي الانزلاق من جديد الى مثل هذه الحال. ويرمي اصلاح اتفاق الاستقرار والنمو الى تقييد الحكومات وإلزامها ضبط موازناتها. ولو كانت فرص الإصلاح ضئيلة، الغاية منه جوهرية.
ولا يقل أهمية عن الإصلاح ثني المقرضين الغافلين عن المخاطر أو الذين يفتقرون الى الأخلاق، عن منح ديون تخالف مصالحهم ومصالح المكلفين الأوروبيين. والسبل كثيرة الى ثنيهم، أولها هو سبيل التنظيم المصرفي: إلزام المصارف مد شبكة أمان تتناسب مع المخاطر التي تقدم عليها، فتضطر الى الاعتدال في المغامرة والخطر، على أمل أن يشتد عودها لجبه الأزمة أو الضربة المقبلة. ولكن الديون العامة تعتبر رسمياً من دون خطر أو خالية من المخاطر، فلا يترتب عليها التزام الحذر. وهذا حسبان من بنات الخيال. فديون إيطاليا والبرتغال العامة تزيد اليوم عن نحو 130 في المئة من ناتجهما المحلي، أي تفوق ما كانت عليه ديون اليونان في 2010. ولا ترغب أي حكومة في جبه هذه المشكلة، وتستسيغ تجاهلها. وثاني سبل ثني المقرضين عن ديون خطيرة هو توجيه رسالة لا لبس فيها إليهم: لا مساعدات عامة لدول منطقة اليورو المتعثرة. وهذه قاعدة مكرسة في معاهدة ماستريخت، ولكن لم تُلتزم حين أغدقت الديون على اليونان وغيرها من دول متعثرة بناء على بند مبهم في المعاهدة هذه. والمناقشات حول إنشاء صندوق نقد أوروبي- والغاية منه إنقاذ دولة في منطقة اليورو حين تدعو الحاجة- تظهر ان البند هذا من المعاهدة (لا مساعدات عامة لدول منطقة اليورو المتعثرة) مهمل وأن الحكومات لن تتبناه. والرسالة الموجهة الى البنوك كارثية ومهلكة، ومفادها هو: أيتها البنوك العزيزة، اغدقي القروض، ولا تجزعي، فالمكلفون لن يترددوا عن نجدتك وتسديد ديونك.
وثالث سبل تفادي كارثة على منوال اليونان هو ربط المساعدات بمحو جزئي للديون. وما يرفضه لومير يقضي بمساعدة جماعية لبلد يواجه أزمة وإلغاء شطر من ديونه العامة. وغالباً ما تكون المؤسسات المالية هي المقرضة. وإلغاء الديون جزئياً يحمي أموال المكلفين ويخفف عنهم الأعباء. ومثل هذا الإلغاء يقلص ديون البلد المتعثر حين خروجه من الأزمة، على خلاف حال اليونان اليوم حيث بلغ دينها العام 180 في المئة من ناتجها المحلي. ومثل هذه النسبة من الديون معناها واحد: لم تنته فصول الأزمة اليونانية بعد عقد من تقشف قاس.
أضف تعليق