“شاءت أم أبت ” لابد أن تستعد الشركات للموجة المقبلة من التغير الرقمي والمتمثلة في الذكاء الصناعي إذ من المرجح أن تحدث تحولات جذرية بالاقتصاد العالمي سواء في قطاعات التجزئة أو الصناعة أو النقل أو الصيدلة كما ستمتد آثاره إلى الوظائف مثل إدارة خدمة العملاء والمبيعات والتسويق والأخطار
هذا الجيل من الذكاء الاصطناعي يمكن أن “يولّد ما بين 10 تريليونات دولار و15 تريليوناً سنوياً على الصعيد العالمي. وستعتمد الشركات الطامحة لتحقيق النمو الاقتصادي على الحوسبة السحابة كنوع من التحول الرقمي.
وبذلك يطبق الذكاء الاصطناعي في كافة الأمور التي تسمح للشركات تغيير طريقة عملها من خلال الابتكار ومن ثَم يحدث النمو الاقتصادي.كما أن الذكاء الاصطناعي يلعب دورًا في تغيير تجارب العملاء، مثل تقييم العقارات ودعم العملاء وتحليل المستندات المالية وغيرها.
بل ويستخدم أيضًا في النهوض ووضع آلية لتحسين النمو الاقتصادي في قطاعات خدمية بالأساس مثل الرعاية الصحية والتعليم.ويظهر ذلك واضحًا في الخوارزميات العاملة في الرؤية الحاسوبية لأتمتة عمليات تشخيص الأشعة والسجلات الطبية الإلكترونية لتشخيص الأمراض.هذا إلى جانب دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الرعاية الصحية من خلال اكتشاف أساليب مختلفة ومتطورة للعلاج.
تقنيات الذكاء الاصطناعي ستغير معالم قطاع الصناعة في المستقبل خاصة مع تطور مجالات مكملة له مثل الحوسبة السحابية، والبيانات الكبيرة، وإنترنت الأشياء.وستضطر مصانع المستقبل للتحول إلى شركات رقمية للمحافظة على تنافسيتها مع انخفاض تكاليف تطبيق الذكاء الاصطناعي، وما سيساهم به في رفع كفاءة وجودة الإنتاج.
لكن يتطلب تطبيق الذكاء الاصطناعي في المصانع وجود شبكات متصلة ببعضها بعضا، قادرة على أخذ البيانات من خطوط الإنتاج وفرق التصميم والهندسة ومن قسم مراقبة الجودة، لتشكيل عملية ذكية متكاملة، أي يجب وضع الأجهزة الذكية الصحيحة في نقاط جمع البيانات الصحيحة لنجاح العملية.
وعلى سبيل المثال سيسمح الذكاء الاصطناعي لأجهزة الاستشعار بالكشف عن العيوب على خط الإنتاج، ليتم إرسالها إلى السحابة التي تحوي خصائص المنتج للتحقق من صحة هذه المعلومات، ومن ثم يتم اتخاذ القرار بسحب الجزء المعيب عن خط الإنتاج على الفور. هذا سيوفر الملايين من الدولارات على المصنعين ليس فقط في عملية الإنتاج وإنما سيخفف ذلك من اضطرار الشركات إلى سحب منتجات ذات عيوب من السوق.
وفيما أن تطبيق هذه التقنيات لا يزال مكلفا في بعض الأسواق مقارنة مع سعر اليد العاملة مثل الصين والهند، إلا أنه مع تطورها أكثر ستنخفض التكلفة. ولكن أظهرت دراسة لمجموعة بوسطن الاستشارية BCG أن استخدام الذكاء الاصطناعي يمكن أن يقلل من تكاليف تحول المنتجين إلى استخدام الروبوت الصناعي بنسبة تصل إلى 20%، مع ما يصل إلى 70% من خفض التكلفة الناتجة عن زيادة إنتاجية القوى العاملة.ومع التطورات المستقبلية سيصبح الذكاء الاصطناعي أساسيا في تقييم الفرص والتنبؤ بالطلبيات المستقبلية وهو ما سيخفف من التكاليف على المصانع.وكذلك يمكن للمنتجين أن يرفعوا مبيعاتهم باستخدام الذكاء الاصطناعي لتطوير وإنتاج منتجات مبتكرة مصممة خصيصًا لكل عميل على حدة.
عمل الذكاء الاصطناعي على تنشيط قطاع إدارة الثروات، وضمان تقديم خدمة مريحة للعملاء.وتغير مفهوم إدارة الثروات المالية منذ اقتحم الذكاء الاصطناعي عالم ريادة الأعمال، إذ ستتيح تقنية استخدام الذكاء الصناعي في إدارة الثروات بتخصيص الخدمات بشكل أفضل، مما يؤدي إلى تبسيط العمليات المعقدة، وجعل التعامل مع ثروة العملاء أكثر فعالية وربحية للجميع، وكذلك من المؤكد وجود دوافع مقنعة تجعل عملاق التكنولوجيا مثل آي بي إم و Watson AI يغمسون أصابعهم في إدارة الثروات.
بينما كانت الشركات قادرة دائمًا على الاعتماد على معلومات تفصيلية عن عملائها من قبل، فإن الكم الهائل من المعلومات التي يمكن أن تسحبها الآن هائل وغير مسبوق، ومن المؤكد أن العالم سيشهد تغيًرا في إدارة الثروات إلى الأبد.وبفضل قدرة تحليل البيانات المحسنة للذكاء الاصطناعي، سيتمكن مديرو الثروة من تصميم استراتيجيات تأخذ في الاعتبار عددًا أكبر من العوامل، وذلك عن طريق الغوص العميق في جميع البيانات القيمة التي تمكنت برامج الذكاء الاصطناعي من جمعها. كما سيتمكن مدير الثروة في المستقبل من تمرير مهام المحاسبة الأكثر تكرارا إلى الذكاء الاصطناعي .
اقتحم الذكاء الصناعى قطاع الفنون ,حيث باعت دار “كريستيز” أول قطعة فنية تم رسمها بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وهي لوحة تحمل اسم “بورتريه أوف إدموند بيلامي” مقابل 432.5 ألف دولار.ويعد هذا البيع غير مألوف ليس فقط لكونه الأول من نوعه لدار المزادات التي يعود تاريخها إلى 252 عامًا، ولكن لأن السعر المتوقع للوحة كان يتراوح بين 7 آلاف و10 آلاف دولار فقط.وقام بهذا العمل الفني مجموعة تسمى “أوبفيوس” وهم ثلاثة طلاب فرنسيين يبلغون من العمر 25 عامًا، واستخدموا نوعًا من خوارزمية التعلم الآلي المعروفة باسم “جي إيه إن” لرسم الصورة.
إذاً من الواضح أن الذكاء الاصطناعي سيلعب دورا أساسيا فيما يتعلق بالمستقبل حيث سنكون جميعاً بحاجة للتحول إلى إذ أن الأفكار الذكية ستحول المعلومات إلى نتائج ملموسة.
الذكاء الاصطناعي سيكون له عظيم الأثر على ثلاثة جوانب اقتصادية، هي:
أولًا- الإنتاج: ستلعب تطبيقات الذكاء الاصطناعي دورًا كبيرًا في زيادة الإنتاج وتقليل تكاليفه. ففي عام 2017 توقعت دراسة لشركة “ماكينزي” أن يزيد الذكاء الاصطناعي من معدل الإنتاج العالمي من 0,8% حتى 1,4% في العام الواحد، وفي عام 2016 توقع تقرير صادر عن “شركة Accenture” أن يساهم استخدامه في مضاعفة معدل النمو الاقتصادي لعدد كبير من الدول المتقدمة بحلول عام 2035. وأغلب الأرباح ستكون قادمة من خدمات الرعاية الصحية والأسواق المالية وشركات البيع بالتجزئة وخدمات النقل.
وعلى جانب آخر، قد تساهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تقليل الناتج المحلي الإجمالي؛ ويرجع ذلك لإتاحة الخدمات المجانية التي تحل محل المدفوعة، فيقل الإنفاق على تلك الخدمات ومن ثم يقل الإنتاج، مثل ترجمة جوجل التي قد تحل محل مكاتب الترجمة.
ثانيًا- سوق العمل: تشير الدراسات الاقتصادية إلى إسهام الذكاء الاصطناعي في رفع نسبة البطالة العالمية، بل ويطالب بعض الاقتصاديين بضرورة تدخل الدول لإعادة توزيع الأرباح التي تجنيها الشركات من الذكاء الاصطناعي على الأفراد العاطلين. ولكنّ هناك اقتصاديين آخرين يرون أن التكنولوجيا تقلل من الوظائف وليس العمل، ومن ثم فهي تخلق فرص عمل جديدة لم تكن موجودة من قبل.
ووفقًا لدراسة أجرتها شركة PWC؛ فإنه بحلول عام 2030 فإن نحو 30% من الوظائف في بريطانيا ستتعرض للأتمتة، بينما تتراوح تلك النسبة بين 35% إلى 38% في الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا، وتقل في اليابان لتصل لنحو 21%. والخوف يكمن في أن القضاء على وظائف ما سيكون أسرع من خلق وظائف جديدة، وتظل العواطف الإنسانية هي المعضلة التي يصعب الوصول إليها عن طريق الذكاء الاصطناعي، والتي تتواجد في مهن عدة معرضة للأتمتة كالمحاماة والطب.
ثالثًا- التجارة الدولية والتنمية: سيخلف الذكاء الاصطناعي فجوة كبيرة بين الدول المتقدمة والنامية، فالأولى تملك عمالة ذات مهارة عالية وأجور مرتفعة، كما أنها قطعت أشواطًا في التنمية، لذا فآثار الذكاء الاصطناعي ستتمثل في توليد ضغوطات على العمالة والدولة، بينما الثانية تتأثر وبشدة من الذكاء الاصطناعي، فهي تمتلك عمالة ذات مهارات منخفضة، ولعل فرصتها تتمثل في عقد الشركات مع المستثمرين الأجانب الذين يتعهدون بتخصيص نسب لتدريب العمالة ولتحسين إنتاجية الدولة ونقل التكنولوجيا، وسيكون سباق التنافس قائمًا بين الصين وأمريكا بشكل أساسي.
وعلى صعيد التجارة الدولية؛ سيساهم تطور الذكاء الاصطناعي في تقليل تكلفة الإنتاج داخل الدول المتقدمة، ومن ثمّ يقل اعتمادها على التصنيع في الدول النامية، وتقلّ الحاجة للعمالة الوافدة، كما تقل تحويلات العاملين بالخارج لبلدانهم، فيقل الناتج القومي للدول.
أضف تعليق