تقارير

كورونا يمهد الطريق لمستقبل خال من المدفوعات النقدية

في حين أن السلطات الصينية تخلصت من الأوراق النقدية (البنكنوت) التي يحتمل أن تكون مُحملة بفيروس كورونا، فإن الدول الغربية لا تزال متأخرة ليس فقط في استجابتها للوباء، ولكن أيضاً في اعتماد المدفوعات الرقمية.

وأحد الجوانب الإيجابية لأزمة لتفشي فيروس كورونا هو أن هذا قد يتغير قريباً وتعتمد الدول الغربية على المدفوعات الرقمية، بحسب تحليل لثلاث اقتصاديين في جامعة هارفارد ودويتشه بنك عبر موقع “بروجيكت سينديكيت”.

ونظراً لأن التبادل اليدوي للعملة المادية يمكن أن ينقل فيروس كورونا، تضطر الدول حول العالم إلى إعادة النظر في استخدام النقد (الكاش).

وفي الواقع، قد يتحول “كوفيد 19” إلى العامل المحفز الذي يجعل الدفع الرقمي هو الاتجاه السائد، وليس من الغريب أن صناعة المدفوعات الرقمية تركز بالفعل على الفرص التي أوجدتها الأزمة.

ومن جانبها، بدأت الحكومة الصينية في تطهير الأوراق النقدية بل وإعدامها للتخفيف من انتشار الفيروس على الأقل على المدى القصير.

وعلى سبيل المثال، أفادت صحيفة “ساوث تشيانيا مورنينج بوست” أن فرعاً محلياً لبنك الشعب الصيني في مقاطعة “قوانجدونغ” يتخلص من الأموال التي ربما تكون قد تم تداولها من خلال أماكن عالية المخاطر مثل المستشفيات وأسواق الطعام.

وأيضاً، خوفاً من استيراد العملات التي قد تكون محملة بالفيروس من آسيا، بدأ الاحتياطي الفيدرالي في إجراءات الحجر الصحي للدولار المادي وتطهيره.

ربما تكون هذه الإجراءات مبررة، مع الأخذ في الاعتبار أن العملة المتداولة يمكن أن تكون عرضة لنقل الأمراض.

ووجدت الدراسات أن فيروس الإنفلونزا على سبيل المثال، يمكن أن يظل على قيد الحياة ومعدياً على الأوراق النقدية لمدة 17 يومًا، وبالتالي لن يكون من غير المعقول أن نفترض أن العملة المتداولة لعبت دورًا في انتشار كورونا أيضًا.

على أي حال، ستدرس العديد من الدول خيار تطهير العملة وعزلها وإعادة طباعتها، وبغض النظر عما يقررونه، فإن إحدى النتائج تبدو مؤكدة بالفعل: سوف يسرع الفيروس التحول المستمر بين السكان الأصغر سناً نحو المدفوعات الرقمية، خاصة في آسيا، وتحديداً في الصين.

وهذا الاتجاه قوي بالفعل حيث أنه اعتبارًا من نهاية عام 2018  استخدم حوالي 73 بالمائة من مستخدمي الإنترنت في الصين خدمات الدفع عبر الإنترنت مقارنة مع 18 بالمائة في 2008.

ويميل الشباب إلى أن يكونوا أكثر انفتاحًا على تبني التقنيات الجديدة، ولدى الصين ودول جنوب شرق آسيا سكانا أصغر بكثير من أوروبا والولايات المتحدة.

علاوة على ذلك، تعمل الحكومة الصينية بنشاط على تعزيز بنيتها التحتية المصرفية عبر الإنترنت، في حين نادرًا ما تستخدم الدول الغربية منهجًا من القمة إلى القاع في الحوكمة، وتأخرت عن الاقتصادات الآسيوية في اعتماد المدفوعات الرقمية.

وهناك أسباب داخلية وهيكلية لبطء معدلات تبني الدول الغربية للمدفوعات الرقمية، فعلى سبيل المثال لا يوجد في أوروبا أي شركات تقنية أو مالية كبيرة تعمل في هذا القطاع.

وعلى هذا النحو، يجب أن يعتمد المستهلكون والشركات الأوروبية على الخدمات التي تقدمها الشركات الأمريكية الكبيرة (آبل باي، جوجل باي، وباي بال) وما إلى ذلك.

ولكن نظرًا للمخاوف بشأن التنازل عن القطاعات الحيوية في الاقتصاد الرقمي لعمالقة التكنولوجيا الأمريكية، فقد اتخذ الاتحاد الأوروبي منهجًا أبطأ وأكثر حذراً، مفضلاً تلك التغييرات الأقل اضطرابًا في البنية التحتية للمعاملات المالية الأوروبية.

كما أدت العادات الثقافية إلى إبطاء وتيرة التغيير في الغرب، فالأمريكيين ومواطني أوروبا الغربية على وجه الخصوص، يعتمدون على النقد (الكاش) أكثر بكثير من الأسر في آسيا.

وبحسب مسح حديث أجراه “دويتشه بنك” يعتبر ثلث المشاركين في الاستطلاع بالاقتصادات المتقدمة أن النقد هو طريقة الدفع المفضلة لديهم، ويعتقد أكثر من النصف أن النقد سيكون موجودًا دائماً، لذا قد يستغرق تغيير هذه العادات الراسخة ثقافياً بعض الوقت دون المخاطرة بردود فعل سلبية.

 ومع ذلك، فإن الانتشار الواسع لفيروس كورونا قد يدفع العالم نحو نقطة تحول في كيفية تعامله مع المدفوعات.

ومن السابق لأوانه التنبؤ بالتغيرات التي قد تحدث، ولكن من المرجح أن تظهر كحلول لتحديات محددة في سياقات وطنية مختلفة، وبنى تحتية للدفع، ومجموعات ديموغرافية.

وتعد الإصدارات الرقمية للعملة النقدية، مثل الكرونة الإلكترونية التي أعلنت عنها السويد مؤخرًا أمثلة واعدة لما يمكن أن يكون مخطط له مستقبلاً.

وفضلاً عن تأثير “كوفيد 19″ والقبول المتزايد للمدفوعات غير النقدية في المتاجر، هناك أسباب أخرى وراء رغبة الأشخاص في التحول إلى المدفوعات الرقمية حيث وجد استطلاع لـ”دويتشه بنك” أن السهولة تلعب دورًا مهمًا في اختيار الشخص للانتقال الرقمي، فالمحافظ الرقمية مجانية ومتاحة بسهولة.

كما يمكن أن يساعد استخدام التكنولوجيا الرقمية أيضًا في تتبع الإنفاق وإدارة الميزانيات، وفيما يتعلق بالأمن فإن الانتقال من دون نقد (كاش) يقلل من فرص التعرض للسرقة جسديًا.

ومن المؤكد أن الأزمة الحالية لم تدفع بعد العديد من الدول بخلاف الصين إلى تطهير عملاتها وعزلها وإعادة طبعها، لكن يمكن أن يتحول كورونا إلى جائحة تحدث لمرة واحدة في القرن ما يتطلب حلولًا مختلفة كذلك.

لذا فإن الفترة الحالية من الفرص الواضحة لبدء تسريع التحول الحتمي نحو المدفوعات الرقمية.