حزمة الإنقاذ التي ظن مسؤولو مصرف «باركليز» عام 2008 بأنها ستُجَنبهم التأميم أو الخضوع لشروطٍ حكومية مقابل الحصول على دعمٍ مالي من حكومة لندن، باتت هي نفسها «مشوبةً بالجدل»
وسيخضع بنك «باركليز» وأربعة مسؤولين تنفيذيين سابقين فيه سيخضعون اعتباراً من يناير / كانون الثاني 2019 للمحاكمة في قضية احتيال خلال جمع أموال لزيادة رأس المال في قطر عام 2008. وستكون المحاكمة الأولى من نوعها جنائياً في المملكة المتحدة ضد مسؤولين مصرفيين سابقين في قضية يعود تاريخها إلى الأزمة المالية الدولية.
وتم توسيع الملاحقات في هذه القضية، وفقاً لما أعلنته الشرطة البريطانية لمكافحة الجريمة المالية الأسبوع الماضي والمكتب المتخصص برصد عمليات الاحتيال الذي بدأ التحقيق في القضية منذ أكثر من خمس سنوات.
تفاصيل الصفقة المشبوهة
تتعلق الصفقة محل التحقيقات برسوم دفعها باركليز لجهاز قطر للاستثمار مقابل خدمات استشارية بقيمة 332 مليون جنيه إسترليني، بالإضافة إلى قرض منحه باركليز إلى جهاز قطر للاستثمار في نوفمبر 2008 لشراء أسهم في البنك البريطاني بشكل مباشر أو غير مباشر بقيمة 2.3 مليار جنيه إسترليني أي نحو 3 مليارات دولار.و أقرض بموجبها جهاز قطر للاستثمار 12 مليار جنيه إسترليني لبنك باركليز في ذروة الأزمة المالية، سمحت له بتفادي ملكية حكومية في رأسماله.
وخطورة الوضع في الاتهامات الأخيرة هي أنها قد تؤدي إلى سحب رخصته ومنعه من القيام بأعمال تجارية على الصعيد العالمي، إذ إن عادة ما تكون الموافقات التنظيمية والتراخيص البنكية مرتبطة بوحدات التشغيل لدى المصارف. تورط في واقع الأمر في انتهاك القانون المعمول به في المملكة المتحدة، والذي يحظر على الشركات المدرجة في البلاد إقراض أموالٍ تؤدي في النهاية لشراء أسهم في هذه الشركات نفسها.
تجدر الإشارة إلى أن مكتب التحقيقات في جرائم الاحتيال قام بفتح التحقيقات مع بنك باركليز عام 2012، واتهم الشركة القابضة للبنك وأربعة من المسؤولين التنفيذيين السابقين، بمن فيهم الرئيس التنفيذي السابق جون VARLEY في يونيو الماضي بتهمة الاحتيال وتقديم مساعدات مالية غير قانونية. ومن المنتظر أن تبدأ المحاكمة مع هؤلاء في يناير 2019.
الأخبار السلبية تحيط بنزاهة باركليز
وتضيف التحقيقات الجديدة إلى سنوات من الأخبار السلبية التي أحاطت بنزاهة تعاملاته، حيث غرم أكثر من مليار جنيه لتسوية اتهامات تلاعبه بأسواق الصرف العالمية، وجهاز تحديد سعر الفائدة بين المصارف البريطانية LIBOR.
كما تقوم سلطة السلوك المالي حالياً بالتحقيق مع الرئيس التنفيذي الحالي Jes Staley حول مساعيه للكشف عن هوية المبلغين عن المخالفات.
كذلك يجري البنك البريطاني مفاوضات مع وزارة العدل الأميركية حول غرامة محتملة قيمتها مليارات الدولارات، لدوره في بيع سندات رهن عقاري رديئة ساهمت في الأزمة المالية.
انخراط مسؤولي المصرف البريطاني الشهير في هذه الصفقة المريبة مع حكام الدوحة، يتناقض مع مبادئ «الأمانة والنزاهة والتعامل الواضح الصريح»، التي كان يحرص عليها مؤسسو «باركليز»، الذي أُنشئ عام 1690، ليصبح بذلك ثاني أقدم المصارف البريطانية على الإطلاق.
و على الرغم من نبل هذه المبادئ، فإن «سمعة المصرف لا تزال في تراجع بفعل سجله الجنائي الآخذ في التضخم»، في إشارة إلى المعاملات المثيرة للشبهة التي تورط فيها «باركليز» منذ عام 2008 مع شركاتٍ قطرية مملوكة لحكام الدوحة، في صفقة نجح المصرف بفضلها في تجنب مواجهة سيناريو التأميم الذي طال منافسيْه «لويدز بانك جروب» و«رويال بانك أوف سكوتلاند»، في غمار الأزمة المالية العالمية، وذلك بعدما رفضت الحكومة البريطانية مد يد العون له وقتذاك.
السناريو الأسوأ ..واحتمال سحب الترخيص
وحذر تقرير «فاينانشيال تايمز» من خطورة التهمة التي وُجِهت قبل يومين إلى مصرف «باركليز»، قائلةً إن ثبوتها قد يؤدي إلى سحب الترخيص المصرفي الذي تحظى به الذراع المصرفية الاستثمارية لهذه المؤسسة المالية ذات السمعة العالمية.
واستبعدت الصحيفة أن يكون الإجراء «القاسي» الذي اتُخِذَ ضد المصرف من جانب السلطات المُنظمة للقطاع المالي البريطاني، قد أتى بسبب «حدثٍ واحد جرى في غمار ظروف استثنائية متعلقة بالأزمة المالية» التي كانت تضرب العالم قبل عشر سنوات، وهو ما يشكل اتهاماً ضمنياً من «الفاينانشال تايمز» لـ«باركليز»- الذي تمتلك قطر بعض أسهمه- بالتورط في الكثير من المعاملات المريبة على مدار الأعوام الماضية.
السيناريو الأسوأ الذي يواجه «باركليز» يتمثل في أن إدانته ستقود إلى إعادة السلطة المُنظمة للقطاع المالي في المملكة المتحدة النظر في الترخيص الممنوح لوحدته الاستثمارية المصرفية للقيام بأنشطتها. وأشارت إلى أن هذه الأزمة قد تقود كذلك إلى توقف المصارف البريطانية الأخرى أو الشركات الكبرى في البلاد عن التعامل مع «باركليز».
وأشار التقرير إلى أن المحققين البريطانيين يرون أن هذا القرض قُدِمَ «على نحوٍ غير ملائم» بهدف تأمين المشاركة القطرية في حزمة الإنقاذ، على ما يبدو.
على الجانب الآخر المستثمرون يستبعدون أن يتم اتخاذ قرار بسحب رخصة مزاولة العمل من الوحدة الاستثمارية المصرفية لـ«باركليز»، نظراً لأن التهم الجاري نظرها ترجع إلى ما يزيد على 10 سنوات، وأن الأشخاص الضالعين فيها لم يعودوا يعملون لدى هذه المؤسسة في الوقت الحالي.
أضف تعليق