رواد الأعمال

قانون الإفلاس الإماراتي الجديد وعلاقته بروّاد الأعمال

كانت الشركة المتعثّرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في العام 2009، تستغرق ما معدّله 3 سنوات ونصف لإتمام عملية التصفية بكلفة تصل إلى 14% من قيمتها.

وبحلول ديسمبر 2009، أصدرت حكومة دبي المرسوم رقم 57 لتسهّل على أسرة “دبي العالمية” إتمام عمليات التصفية القضائية للشركات المتعثرة. وقد جاء أول اختبار لهذا القانون في العام 2012 من خلال خطّة إعادة هيكلة شركة “الأحواض الجافة العالمية” التابعة لـ”دبي العالمية”، حيث شكّلت الحالة سابقةً واعتبرت مثالاً قوياً على تحديث إطار الإعسار والإفلاس في الإمارات.

ولكن في سنوات التعافي التي تلت، استمرّ المدينون في الفرار من البلاد خشية من الملاحقات القضائية التي قد تطالهم بسبب التخلف عن السداد.

وفي سبتمبر 2016 صدر قانون إفلاس جديد يحمل الرقم 9، ونُشر في الجريدة الرسمية في الإمارات. ورحّبت الجهات المعنية بقطاع الأعمال في السوق بالأنباء عن بدء تطبيق القانون بحلول نهاية العام، بعد أن كانت الإمارات قد احتلت المرتبة 99 في العام 2016 على مؤشر سهولة ممارسة الأعمال الصادر عن البنك الدولي فيما يتعلق بعمليات الإعسار، وتراجعت إلى المرتبة 104 العام 2017.

ما الجديد في القانون؟

يشمل القانون الشركات التجارية التي تحكمها أنظمة إعسار مالي منفصلة، وبشكل خاص المنشآت الصغيرة والمتوسطة باستثناء تلك المسجلة لدى مركز دبي العالمي وسوق أبوظبي العالمي، كما يمهّد الطريق أمام عمليات الإعسار المالي في حالات زيادة الدين عن 100 ألف درهم إماراتي (حوالي 27 ألف دولار) في حال عدم تسديده في غضون ثلاثين يوماً. كما يتضمن القانون إجراءات لتنفيذ الصلح الواقي من الإفلاس، وإعادة الهيكلة المالية، وتنمية موارد مالية جديدة، وتصفية الشركات المتعثرة والمدينة.

وكانت الأحكام القانونية السابقة ذات الصلة بالإعسار تتضمن إجراءات غير مختبرة للصلح الواقي وإعادة الهيكلة. وتكمن قوّة هذا القانون في إزالة الطابع الجرمي عن الفترة الزمنية للشيكات المرتجعة الصادرة عن الشركات المعسرة والخاضعة لإعادة هيكلة بأمر قضائي. وعلى المستوى الأوسع، يضمّ القانون الجديد جدولاً زمنيا أكثر تنظيماً وهيكليةً لإنقاذ الشركات التي تعاني من أوضاع مالية حرجة.

نظرياً، يستفيد المدينون الذين يباشرون بإجراءات الإفلاس أو غيرها من الإجراءات في غضون 30 يوماً من اعتبارهم معسرين، من الحماية من العقوبات الجنائية ومن المطالبات المرفوعة ضدهم من قبل الدائنين. أمّا في حال تجاوز هذه الفترة وفي حالات التصفية (وهي عملية مختلفة تماماً)، ضمن 45 يوماً من التخلف عن السداد، فإن القانون يضمّ أحكاماً تخضعهم للملاحقة القضائية من قبل الدائنين بتهمة الإفلاس الناجم عن إهمال، التي قد تصل عقوبتها إلى السجن حتى سنتين. ولكن لا يمكن تعميم ذلك، إذ يعود القرار في النهاية للمحكمة لتبتّ في مسألة التشدد في العقوبة.

وتعليقاً على القانون الجديد، لفت ريتشارد كاتلينج الشريك الرئيسي في شركة “التميمي ومشاركوه” للمحاماة إلى أنه في الماضي كانت أحكام الإفلاس “مجزّأة وموزّعة على مصادر متعددة.. ونادراً ما كانت تستخدم، لأنها لم تكن مفهومة”. والنتيجة؟ “لم يكن هناك نظام إعسار فعلي في الإمارات”. وفي الوقت نفسه برزت الحاجة إلى بيئة صديقة لأنشطة الأعمال لا يتعرض فيها الدائنون إلى صدمات مالية جراء إفلاس مدينيهم.

وهنا بالضبط تنشأ العوائق.

إلى أي جهة ستميل الكفة؟تاريخياًً، تهدف العقوبات الجنائية في قضايا الشيكات المرتجعة إلى تهدئة مخاوف المقرضين غير المؤمّنين.ولا ينطبق القانون الجديد بشكل عام على المقرضين المؤّمنين، بالأخص المصارف، التي تحمي نفسها من مخاطر التخلّف عن السداد من خلال الأوراق والضمانات المالية. فلا تملك المصارف أي حقّ في التصويت على عملية إعادة الهيكلة، بل تملك فقط الضمانات، إلا في حال تنازلت عن أوراقها المالية. في الوقت ذاته، يزاوج قانون رهن الأموال المنقولة الصادر في الجريدة الرسمية في كانون الأول/ديسمبر 2016، بين منح المقرضين المزيد من المرونة في السيطرة على أصول مختلفة في الشركة، وتعزيز القيود على طبيعة هذه الأصول.

وقد تميل الكفّة في أحد الاتجاهين، ولكنها حتى الآن تصب في صالح المقرضين. أمّا في ما خصّ المقترضين الذي يتعاملون مع مقرضين غير مؤمّنين، لم يتضح حتى الآن ما إذا كانت إزالة الطابع الجرمي عن الشيكات المرتجعة سيطبق أيضاً على الشيكات المؤجلة على سبيل المثال.

وبحسب “اتحاد المصارف الإماراتية”، فإن أبرز التحديات التي يواجهها روّاد الأعمال الساعون للحصول على التمويل في الإمارات تتمثّل في “نقص سندات الضمان” و”ضعف الحوكمة”.

في هذا الإطار، يشير الشريك في المكتب القانوني “كلايد وشركاه” Clyde & C، أدريان لو، إلى أنّ المقرضين قد يعتقدون أنّ “الشركة تحاول خداعهم” عبر اللجوء إلى الحماية التي ينصّ عليها القانون الجديد. في حين عليهم أن يدركوا بأن التعامل مع إعادة الهيكلة أفضل من النزاع مع مقترضين متوارين عن الأنظار.

المحكمة.. وجوانب الاستياء منها

في الظروف المثالية يحتاج المقترضون إلى ضمانات متماسكة بأن بإمكانهم حلّ مشاكلهم المالية الحرجة بواسطة القانون، وليس خارج المحكمة، وكلّما كان ذلك أبكر كلّما كان أفضل. وفي غياب الإطار القانوني، كان المقترضون يلجأون إلى اتفاقات تتمّ خارج الحيز القانوني، وغالباً عن بعد، من أجل إعادة هيكلة أوضاعهم المالية وحلّ نزاعاتهم مع المقرضين.

يمنح القانون الجديد صلاحيات أوسع لوكلاء التفليسة من طرف ثالث، إلّا أنّ تعيينهم يكون لصالح المقترضين في مراحل الصلح الواقي فقط. أمّا في المراحل اللاحقة الأخرى، فإن تعيينهم يرتبط برأي المقرضين.

كما أنّ وكلاء التفليسة يحدون من انخراط المحكمة في الإجراءات التي كانت لتتدخل فيها عن كثب. وهذا أمر جيد، شرط أن يكون القضاة مدربين وأن يكون هناك خبراء ذوي خبرة. وحالياً، تعمل وزارة المالية الإماراتية على تدريب القضاة على إجراءات إعادة الهيكلة.

المحصلة

مع دخول القانون رقم 9 حيز التنفيذ، سيوفر قانون الإفلاس الجديد بديلاً أكثر قوة ومتانة، وقد يشكل حبل نجاة في الكثير من الحالات لرّواد الأعمال الذين يواجهون تحديات مالية.

وفي ظلّ بيئة الشركات الناشئة التي يخيّم عليها مبدأ تجنّب المخاطر، سيشعر رائد الأعمال الإماراتي بحماية أكبر في السوق. ولا يزال تأثير هذا القانون محدوداً بالنسبة لروّاد الأعمال الممولين ذاتياً أو الذين لا يزالون في المراحل الأولى أو المبكرة، والخاضعين إلى مستثمرين مؤسّساتيين أو رؤوس أموال مخاطرة، إلا أنه سيسهّل عملية التصفية، في حال اتفق أصحاب الأسهم بالإجماع على إمكانية استمرار الشركة أو عدمه، إذا ومتى دخل المقرضون على الخطّ.

فالشركات الناشئة التي تواجه صعوبات مالية لن تغادر البلاد ببساطة لتحاول إعادة هيكلة أوضاعها المالية عن بعد، فبموجب الحماية القانونية سيصبح لديها الوقت الكافي لتسديد الدين وإعادة الهيكلة وإعادة التمويل أو ببساطة إعادة إحياء عملها ما إذا كانت تملك الإمكانات.

ويسري هذا القانون على أي رائد أعمال يأخذ اعتماداً غير مضمون. إلى ذلك، بدأت منصات الإقراض الجماعي في الإمارات مثل “بيهايف” Beehive في أخذ القانون الجديد بعين الاعتبار. وتعمل منصة “بيهايف” بالآلية التي تتبعها المصارف حيث تطلب من المدينين والمقترضين تقديم شيكات تأمينية. بالتالي، يمكن لهذا القانون أن يشكل تهديداً للدائنين بموجبه من خلال منح المزيد من الفسحة للمقترضين المتوارين عن الأنظار.

إلا أنّ الرئيس التنفيذي لـ”بيهايف”، كريج مور، أكدّ أنّ أسلوب عمل منصة الوساطة يتطابق بالضبط مع مفهوم قانون الإفلاس الجديد. حيث قال: “نحن لا نسعى للـ[استفادة] من التحقيقات في الأوضاع بل نحاول العمل مع المؤسسات لأنّه ليس من مصلحة مستثمرينا دفع المؤسسات نحو الإفلاس”.

ويؤمن مور بشدّة بالتعاون من خارج المحكمة بين المقرضين والمقترضين، وفي الوقت عينه يرى قيمة القانون الذي يكبح قدرة المقرضين “على سحب التمويل التجاري أو القيام بسحب على المكشوف”، وبالتالي سحق سيولة الشركات الصغرى والمتوسطة. أمّا كيف سيظهر ذلك في سوق تتجنب المخاطر فيرتبط أولاً بالعقلية وثانياً بالنواحي القانونية.