تقارير

“رأس المال المغامر ” الخيار الجرىء لتمويل المشروعات

نهضة مرتقبة لرأس المال المخاطر في الإمارات

رأس المال المخاطر يسد فجوة تمويلية تخلقها البنوك

القيمة الإجمالية لاستثمارات رأس المال الجريء في دبي  لاتزال منخفضة

 

شكل العام 2015 عام نمو ودعم لقطاع الأسهم الخاصة ورأس المال الجريء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. حيث نما حجم الاستثمارات بشكل ملحوظ، كما شهدت استثمارات رأس المال الجريء المعلنة نموًّا بثلاثة أضعاف مدفوعة بالتطور التكنولوجي والبيئات الحاضنة لريادة الأعمال.

 

وتركز استثمارات رأس المال الجريء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في العام الماضي في قطاع تكنولوجيا المعلومات وشهد القطاع الصناعي نشاطاً كبيراً ونمواً في استثمارات رأس المال الجريء حيث واصل استقطاب المستثمرين في أعقاب الأزمة المالية.

ويعد رأس المال الجريء شريان حياة لدعم نمو المشاريع الصغيرة والمتوسطة خاصة في المجال التكنولوجي، وإضافة إلى فوائده لبيئة الأعمال فإنه يحقق عائدات كبيرة للمستثمرين. ففي أسواق الاستثمار المتقدمة مثل الولايات المتحدة حقق كل دولار مستثمر في الفترة من 1970 إلى 2010 عائداً مقداره 6.27 دولارات، وهو عائد ضخم مقارنة بالاستثمار التقليدي وأشكال التمويل الأخرى.

 

ويعرف رأس المال الجريء (Venture capital) بأسماء عديدة تصب في ذات المعنى، منها رأس المال المخاطر أو المغامر أو المجازف، وهو أحد أشكال الشراكة القائمة على ضخ أموال في المشاريع الريادية في أولى مراحل إنشائها .

يكاد الجميع يتفق على أهمية وجود صناديق راس المال الجريء في دعم المشروعات الناشئة. والمستثمر يرى بدون أدنى شك كيف تضاعفت أموال من استثمر في الشركات الريادية مثل أبل وفيسبوك ,جوجل ,أوبر وكريم وسوق دوت كوم. ولذلك تسابقت الشركات الحكومية والخاصة على انشاء صناديق راس المال الجريء رغبة في دعم قطاع ريادة الاعمال وتوطين التقنية إذا كانت حكومية واملا في تحقيق عوائد عالية غير اعتيادية إذا كانت خاصة. رغم ذلك، وبعد أكثر من ستة سنوات من بداية زخم رأس المال الجريء في المنطقة، مازالت الشركات الريادية تعاني من قلة التمويل، ومازالت الصناديق تعاني من قلة المستثمرين وفرص الاستثمار على حد سواء. وسمعنا عن أكثر من صندوق تمت تصفيته والاستغناء عن خدمات مدير الصندوق بسبب عدم القدرة على توظيف الأموال. مشكلة من هذا النوع تستفز العقل للتفكير لتحليلها والبحث عن حلول مجدية. سأتطرق للمشكلة من حيث تصميم نموذج الصندوق وكيف ممكن ان يساهم ذلك في إخفاق الصندوق إذا لم يختر النموذج الملائم للمنطقة.

 

النماذج

النموذج التقليدى لصندوق راس المال الجريء في أمريكا هو ان ينشئه الشريك العام وهو صاحب خبرة متقدمة في الاستثمار وإنشاء الشركات ويجمع المال من المستثمرين المحدودين Limited partner مقابل 2% سنويا من حجم المال المستثمر كرسوم إدارة و20% من أرباح الصندوق والباقي يذهب للمستثمرين. يوجد عدد من الصناديق في السعودية اتخذت هذا النموذج، والسؤال هو هل هذا النموذج مناسب للسعودية؟ أعتقد ان هذا النموذج غير مناسب للسعودية في الوقت الحالي والسبب انه يستوجب حجم صندوق أكبر من غيرها لتغطية تكاليف إدارة الصندوق وربما أكبر مما يتحمل السوق.

النموذج الاخر المنتشر عندنا أيضا هو نموذج الصندوق الحكومي او الخاصGVC/CVC  الذي ينشأ من قبل الجهة المستثمرة بدون مشاركة من مستثمر خارجي ويديره موظفو القطاع او الشركة. الفرق الرئيسي هنا ان أكثر العائد يذهب للمنظمة ولا يوجد رسوم إدارية. والرواتب وتكاليف إدارة الصندوق تدفع من قبل المنظمة وليس من راس مال المستثمر. وهذا خلل رئيسي في حساب عائد الاستثمار لأنك لم تحسب جميع التكاليف فتبدو لك العوائد أعلى من الحقيقة. الإشكالية الأخرى هي في استقطاب الكفاءات. إذا كان مدير الصندوق المحترف سيحصل في السوق على 20% حوافز أداء والصندوق الحكومي/الخاص لن يقدم هذه الميزة فغالبا لن يستطيع استقطاب هذا المدير المتميز مما يعني ضعف جودة الإدارة وبالتالي انخفاض الأداء. الإشكالية الأخيرة لهذا النموذج هو في الية اتخاذ قرار الاستثمار حيث انها تحال غالبا للجنة استثمارية مكونة من التنفيذيين في الشركة/القطاع الحكومي ممن لم يعتادوا على تقييم الشركات الناشئة. فمدير الصندوق المتخصص في الحقيقة لا يملك القرار النهائي بينما يملكه من لم يمارس هذا العمل في حياته.

تطوير بيئة الأعمال

وتسعى دبي في المرحلة المقبلة إلى تطوير البيئة القانونية وبيئة الأعمال من أجل جلب هذا النوع من الاستثمار الذي يسد فجوة تمويلية تخلقها البنوك بترددها أحياناً في تمويل المشاريع الجديدة، حيث تتمتع الإمارات، وخاصة دبي بقدر كبير من اهتمام المستثمرين التأسيسيين الأجانب في الولايات المتحدة وأوروبا، وهنا تكمن الفرص لتحويلهم إلى مستثمرين نشطين والتركيز على المشاريع القائمة في الدولة.

وأعلنت حكومة دولة الإمارات إنجاز نظام قانوني لصندوق رأس المال المخاطر، ضمن أعمال ومشاريع الدفعة الأولى من المسرعات الحكومية

ويتضمن النظام القانوني لصندوق رأس المال المخاطر، الذي أنجزه فريق المسرعات الحكومية المشترك المكون من وزارة الاقتصاد وهيئة الأوراق المالية والسلع، الضوابط والالتزامات الخاصة بصندوق رأس المال المُخاطر.

ويهدف النظام إلى تسهيل عمل المبتكرين، وتحفيز جذب رؤوس الأموال المخاطرة إلى الدولة، ويشكل إحدى الأدوات الرئيسة المشجعة للاستثمار في المشاريع القائمة على الأفكار الجديدة والمبتكرة، بما يعزز من ممكنات الابتكار بالدولة، ويسهم في تعزيز مكانتها على مؤشر الابتكار العالمي.

 

خطوة هامة

 

وأكد معالي المهندس سلطان بن سعيد المنصوري وزير الاقتصاد أن القرار يمثل خطوة بالغة الأهمية للدفع قدماً بالجهود الرامية إلى تعزيز تنافسية المشاريع الصغيرة والمتوسطة وريادة الأعمال الوطنية، وخاصة في المجالات المرتبطة بالمعرفة والابتكار والتكنولوجيا المتقدمة، وتزويدها بعوامل الاستدامة ومعزّزات النمو.نظراً إلى ما يمثله رأس المال المخاطر من وسيلة بارزة ومبتكرة في عالم الاستثمار المعاصر لتمويل المشروعات الريادية والأعمال المبنية على أفكار لامعة وإبداعية، وتوفير عوامل النجاح لها ولا سيما في مراحل تأسيسها وانطلاقها.

الأمر الذي ينعكس إيجاباً بلا شك على دعم المسيرة نحو تعزيز مفاهيم الابتكار والمعرفة في البيئة الاقتصادية للدولة، ويسهم في تحقيق المستهدف الحكومي الذي تضمنته مؤشرات الأجندة الوطنية، والمتمثل برفع مكانة الدولة، لتكون ضمن أفضل 10 دول في العالم في مجال الابتكار بحلول عام 2021.

 

تعزيز المناخ الاستثماري

من جهته، قال الدكتور عبيد الزعابي الرئيس التنفيذي لهيئة الاوراق المالية والسلع  بالإنابة إن القرار يسهم في استكمال حزمة الأنظمة والقرارات، التي تسهم في تعزيز المناخ الاستثماري في أسواق المال المحلية من جهة، فضلاً عن تطوير المنظومة التشريعية للهيئة، وفق أفضل الممارسات العالمية، ما يؤهل أسواق رأس المال في الدولة للترقية للأسواق المتقدمة.

وأوضح أن أهمية القرار تعود لكونه يسهم في توفير آليات واضحة وشفافة، تدعم أنظمة أخرى أصدرتها الهيئة خلال العام الحالي، وفي مقدمتها نظام صناديق الاستثمار وإدارة الاستثمار، وهي أنظمة من شأنها رفع حجم الاستثمار المؤسسي والفردي في الأسواق، بما يزيد من مستوى كفاءتها وجاذبيتها للاستثمار المحلي والأجنبي خاصة أنها تتوافق مع معايير الأياسكو ومعايير الهيئة الأوروبية المنظمة لأسواق المال (أزما).

 

نتائج إيجابية

 

يتوقع أن يكون للقرار نتائج إيجابية على المحافظ والصناديق الاستثمارية والمستثمرين وكذلك الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، وذلك نظراً لما يتضمنه القرار من آليات، من شأنها دعم عمل هذه الأطراف، الذين يشكلون جانباً هاماً من المكونات التنظيمية لأسواق المال المحلية، التي تعد من أهم القنوات الاستثمارية الداعمة للاقتصاد الوطني.

وجاء في نص القرار تعريف بصندوق رأس المال المخاطر وضوابط الاستثمار به، إذ عرف القرار صندوق رأس المال المخاطر على أنه صندوق استثمار خاص يستثمر في استثمارات ذات مخاطر مرتفعة كالمشروعات الجديدة، أو التقنيات الحديثة أو المشروعات المتعثرة، أو الشركات ذات الأفكار الجديدة أو المبتكرة في التكنولوجيا أو في مجال عمل الشركة.

 

اشتراطات

 

كما اشترط القرار- في حال كانت قيمة الأصول المُدارة (180) مليون درهم أو أكثر- يتعين الالتزام بإعداد تقرير سنوي وفقاً لمعايير IFRS، وتعيين مسؤول لإدارة المخاطر، واستيفاء متطلبات معايير الكفاءة والملاءمة، وألا يتعدى التعرض لمخاطر الصندوق صافي قيمة أصوله.أما في حال كانت قيمة الأصول المدارة للصندوق أقل من (180) مليون درهم، فإنه يتعين الالتزام بإعداد ملخص للتقرير السنوي، وألا يتعدى التعرض لمخاطر الصندوق صافي قيمة أصوله.

وفي ما يتعلق باستثمارات صندوق رأس المال المخاطر فقد حددت المادة (3) من القرار ثلاثة التزامات على الصندوق، تتمثل في استثمار ما لا يقل عن نسبة 70%من أصول الصندوق في واحد أو أكثر من مختلف الاستثمارات.

 

 

محدودية مصادر التمويل

وما زالت القيمة الإجمالية لاستثمارات رأس المال الجريء في دبي قليلة، إذ بلغت 110 ملايين درهم (30 مليون دولار) في 2014، منها 2.3 مليون دولار للمستثمرين التأسيسيين الأفراد، و700 ألف دولار للحاضنات والمحفزات، و 12 مليون دولار لمؤسسات رأس المال الجريء الممولة للمراحل المبكرة، و15 مليون دولار لمؤسسات رأس المال الجريء الممولة للمراحل المتأخرة.

 

وتعتبر محدودية مصادر التمويل الخارجية لتأسيس الأعمال واحدة من أبرز الثغرات في نظام دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة في الإمارة، وينعكس هذا في واقع أن 80٪ من الشركات الناشئة تشير إلى أنها اعتمدت على مصادر التمويل الذاتية لتأسيس أعمالها، وأظهرت دراسة سابقة قامت بها مؤسسة محمد بن راشد لتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة إلى أن 10٪ فقط من الشركات الصغيرة والمتوسطة في دبي تمكنت من الحصول على تمويل طويل الأجل لتعزيز نمو أعمالها التجارية.

ورغم النشاط التمويلي غير المعلن أحياناً والخاص بالمستثمرين التأسيسيين وحاضنات ومسرعات الأعمال إلا أن عدداً من المشاريع الناشئة نجحت في الحصول على استثمارات من مستثمرين تأسيسيين وحاضنات ومسرعات أعمال، ورغم عدم ظهور المستثمرين التأسيسيين للعيان تتجه الشركات إلى الوصول إليهم من خلال شبكاتهم الشخصية وعن طريق منصات شبكات المستثمرين التأسيسيين العالمية المتاحة على شبكة الإنترنت، وحصلت حوالي 48 % من المشاريع في مرحلة التأسيس على تمويل من مصادر متعددة (ممولين تأسيسيين وحاضنات ومسرعات ورؤوس أموال مغامرة).

 

عوامل مواتية

توجد حاليا العديد من العوامل المواتية من وجهة نظر المستثمر والتي تتمثل في توافر الشباب، والتوجه نحو الرقمنة، والمبادرات الحكومية المختلفة، وسوق التكنولوجيا الناشئ وهو ما يخلق فرصا كبيرة لرواد الأعمال والمستثمرين على حد سواء.

ومع ذلك، لا تزال القدرة على مجابهة مخاطر الاستثمار منخفضة نسبياً بالمنطقة. وأعتقد أن التكنولوجيا ستشكل أكبر المحركات الاقتصادية والمحرك الأوحد في العقد المقبل. ويعد تحديد المشكلات المحلية وإيجاد حلول لها من خلال تقنيات قابلة للتوسع فكرة جذابة للغاية للمستثمر.

وأحد التحديات الافتقار للمواهب مقارنة بالسوق الآسيوي أو الغربي. وتساعد حاليا استثمارات رأس المال المغامر في عديد من الشركات الناشئة على توفير فرص عمل للخريجين الشباب، وقد تستطيع استقطاب المواهب، ولكن تبحث شركات رأس المال المغامر عن رواد الأعمال الشغوفين أكثر من ذوي الخبرة.وقد ساعدت نجاحات حققتها بعض الشركات الإقليمية الناشئة مؤخرا بزيادة الثقة لدى رواد الأعمال المحليين والمستثمرين.