الولايات المتحدة تتحول من أكبر مستورد للغاز، إلى أكبر مصدر له
الاستثمار بالغاز سيضمن لكبار المستثمرين المحافظة على مواقعهم التنافسية
” غاز الحصن ” أكبر مجمع لتطوير الغاز الحامض في المنطقة
مع حالة التذبذب وعدم الاستقرار التى تشهدها أسواق النفط , ومع تعدد مستويات الطلب وتنوع استهلاك الطاقة المنتجة، إضافة إلى الابتكارات والإبداعات الحديثة التي تتركز على تحويل الغاز الطبيعي إلى أهم اللاعبين في أسواق الطاقة العالمية، تغيرت إلى حد كبير معادلة العرض والطلب التى ترسم بدورها الخطوط العريضة للقطاع .ووفقا لهذه المستجدات بدأت دول الخليج تبدل مساراتها وتتجه للاستثمار فى الغاز الطبيعى .
في مطلع العام 2015، أصدرت شركة بريتش بتروليوم (BP) تقريرا جديدا حول آفاق مستقبل الطاقة منذ الآن وحتى العام 2035 حيث توقعت أن يرتفع الطلب العالمي على الطاقة بنسبة تبلغ 37 % بين العامين 2013 و2035، أي بمعدل 1.4 % سنويًا.
وبعيداًعن الجوانب الأخرى التى تضمنها التقرير فقد أشار إلى أن الطلب على الغاز، هو الأسرع نمواً بين كافة مشتقات الوقود الأحفوري من الآن وحتى العام 2035، بحيث سيرتفع بمقدار 1.9 % كل عام نتيجة للطلب المتزايد عليه من دول آسيا.
ويرى التقرير أن زيادة انتاج الغاز وخصوصًا في روسيا ودول الشرق الأوسط ستلبي نصف الطلب العالمي المتزايد على الغاز، بينما يتم تعويض النصف الآخر من الطلب من الصخر الزيتي. وفي حلول العام 2035، ستواصل أمريكا الشمالية التي تعد المنتج الوحيد تقريبًا للصخر الزيتي في العالم، انتاح نحو ثلاثة أرباع الكمية المطلوبة من الصخر الزيتي.
ونتيجة لزيادة نمو الطلب على الغاز، سيزيد تداول الغاز في جميع مناطق العالم، وفي مطلع العشرينيات من القرن الحالي ستتفوق دول آسيا والمحيط الهادي على أوروبا باعتبارها أكبر شبكة مستوردة للغاز في العالم. كما يشير النمو المتواصل للغاز الصخري أن الولايات المتحدة ستتحول من أكبر مستورد للغاز، إلى أكبر مصدر له في السنوات القليلة القادمة.
وسوف تتم تلبية الزيادة في الطلب المتزايد على الغاز من خلال زيادة انتاج الغاز الطبيعي المسال الذي سيشهد نموًا كبيرًا في السنوات القليلة المقبلة بحيث تنمو قدرة الغاز الانتاجية بحوالي 8 % خلال الفترة حتى العام 2020، مما يعني أيضًا أنه وبحلول العام 2035 سيسيطر الغاز الطبيعي المسال على التداول في أسواق الغاز متجاوزاً كافة مشتقات الوقود الأحفوري الأخرى.
وستشهد الأسواق أثارًا أخرى تترتب على زيادة حجم تداول الغاز الطبيعي المسال، فمن المتوقع أن تثمر هذه الزيادة عن زيادة تكامل وترابط أسواق الغاز حول العالم. ويتوقع أيضًا أن توفر تنوعًا أكبر في إمدادات الغاز ليصل إلى الأقاليم المستهلكة مثل أوروبا والصين.
حجم الإنتاج
ووفق التقرير السنوي لشركة “بي بي”، فإن منطقة الشرق الأوسط تستحوذ على النسبة الأكبر من احتياطي العالم للغاز الطبيعي عند 42.8%، أي 80 تريليون متر مكعب مقابل 30.4% لمنطقة أوروبا ومعها أوراسيا حيث توجد روسيا.
واحتلت السعودية المرتبة السادسة عالمياً، بعد الولايات المتحدة، فيما ظلت قطر ثالثاً باحتياطي قدره 24.5 تريليون متر مكعب، ويفترض التقرير انتهاء العمر الافتراضي للاحتياطي العالمي خلال أكثر قليلاً من نصف قرن.
الملامح المستقبلية
ويرى قادة مختصون أن التغيُّرات في مصادر الطاقة العالمية، هي التي سترسم ملامح استثمارات النفط والغاز المستقبلية، كما يرون أن الغاز الطبيعي يشهد أعلى طلب عالمي بين أنواع الوقود الأحفوري بزيادة 50 بالمئة في الاستهلاك بحلول 2040.
وتعمل دول الخليج لاعتماد الطاقة النظيفة والتخطيط لتنفيذ مشاريع جديدة لإنتاج الطاقة الكهربائية عبر استخدام الغاز الطبيعي. وباتت المنطقة ضمن المناطق التي ستشهد نمواً كبيراً في حجم الطلب على الغاز الطبيعي، وتضخم حجم الاستثمارات فيه، نظراً لتزايد الاعتماد عليه في توليد الطاقة الكهربائية، وهذا النمو سيصحبه ارتفاع تكلفة الطاقة الإنتاجية للغاز الطبيعي، وسيضمن لكبار المستثمرين المحافظة على مواقعهم التنافسية في الأسواق العالمية الخاصة بالطاقة النظيفة.
وذكرت شركة “المزايا القابضة”، أن مؤشرات النمو على الغاز، مستمرة بشكل ملحوظ، بسبب انخفاض كلفته، مقارنة بتكاليف إنتاج الطاقة النظيفة، وتوفره بكميات هائلة حول العالم، إضافة إلى حجم الخطط والاستثمارات المتزايدة التي ستؤهله لأن يصبح المصدر الأول لتوليد الطاقة الكهربائية عالمياً بحلول 2040.
وأفاد تقرير “ميد”، أن الدول الرئيسة المصدرة للنفط، مثل السعودية وإيران والإمارات والكويت، ظلت تكافح لمواكبة ارتفاع الطلب على الغاز على مدى العقد الماضي، فيما تعكف كل من الكويت والإمارات على الاستثمار في مرافق وأصول لاستيراد الغاز الطبيعي المسال.
ولفتت “ميد” إلى أن هذه الدول تستخدم الغاز بصورة مكثفة لتغذية محطات الكهرباء ومجمعات البتروكيماويات، وكذلك تحسين وسائل إنتاج النفط الخام من الحقول.
قائمة الأولويات
ومؤخراً، تصدرت الخطط المتعلقة باستخدام الغاز لتوفير احتياجات الطاقة المحلية قائمة الأولويات، حيث زار الرئيس التنفيذي لشركة “بريتش بتروليوم” البريطانية بوب دادلي، سلطنة عمان لتوقيع عقد مشروع خزان لتوسيع وزيادة الطاقة الإنتاجية بنسبة 50%.
ويعتبر هذا المشروع أكبر مشروعات الغاز بالمنطقة وتعادل طاقة المرحلتين 40% من طاقة الغاز الحالية في السلطنة، ويجب أن تكون كافية لتلبية الطلب على الغاز لعدة أعوام، فضلاً عن تمكين عمان من تعزيز صادرات الغاز الطبيعي المسال.
وهناك مشروع غاز الحصن في أبوظبي، وهو عبارة عن شركة تضامنية بين بترول أبوظبي الوطنية “أدنوك” و”أوكسيدانتال بتروليوم” الأميركية لتطوير مجمع شاه للغاز، الذي يعتبر أكبر مجمع لتطوير الغاز الحامض في المنطقة.
وبعد رفع العقوبات عن إيران، توصلت “شركة النفط الوطنية الإيرانية” إلى اتفاقية مع كل من “توتال” الفرنسية و”شركة النفط الصينية الوطنية”، لتطوير المرحلة الـ11 من حقل غاز جنوبي فارس، وسبق للشركتين أن عملتا في هذا الحقل، ولكنهما انسحبتا خلال 2008 و2012 على التوالي.
و أعلن الرئيس التنفيذي لـ”أرامكو”، أمين الناصر، أن الشركة تنوي زيادة إنتاج الغاز الطبيعي إلى نحو مثليه، ليبلغ 23 مليار قدم مكعبة يومياً خلال عشرة أعوام.
وتسعى عُمان لزيادة إنتاج الغاز المسال 20% العام الجاري، فيما تعمل الإمارات حالياً على تقليل احتياجاتها من الغاز الطبيعي من 100% إلى 70% بحلول 2021، نظراً لأن الجزء الأكبر منه يتم استيراده من الخارج.
وبدأت قطر الاستثمار في الغاز عندما كان سعر برميل النفط 10 دولارات، أي عندما كان سعر النفط في أدنى مستوياته، فكان الاستثمار مربحاً رغم الأسعار المنخفضة لأن أسواق النفط والغاز تزدهر وتكسد ضمن دورات اقتصادية، وما لبثتالأسعار أن تحسنت بعد ذلك.
واليوم، تخطط قطر لتبني سياسة مماثلة والاستثمار في صيانة قدرات الغاز الطبيعي المسال وتطويرها رغم الأسعار المنخفضة.وتعتبر إيران ثالث أكبر منتج للغاز عالمياً، ولكنها في الوقت ذاته رابع أكبر مستهلك له، ما يدع فقط قليلاً من الطاقة الإنتاجية الممكن تصديرها.
التحديات
وتواجه صناعة الغاز تحديات متعددة لارتباط أسعارها بشكل كلي مع أسعار النفط، إضافة إلى بعض الفروقات التي يتم تسجيلها بين أطراف التعاقد، بسبب اتفاقيات الاستيراد طويلة الأجل نظراً لارتفاع تكاليف الإمداد.
وأفاد تقرير شركة الاستشارات الإدارية العالمية “ستراتيجي آند” (بوز آند كومباني سابقاً)، أن أسعار الغاز المنخفضة في الخليج غير قابلة للاستمرار،وستؤدي إلى تحديات اقتصادية وبيئية واجتماعية.
ورجح التقرير ارتفاع متوسط إنتاج الغاز من مصادر جديدة في دول “مجلس التعاون الخليجي” 30% إلى 60% بحلول 2030 في ظل ارتفاع المتطلبات التقنية اللازمة للوصول إلى الغاز واستخراجه، ما يزيد سعر كلفة الغاز من 1.50-4.50دولار لكل ألف قدم مكعب في 2015 إلى 2-7 دولار لكل ألف قدم مكعبة بحلول 2030.
وعليه، من الضروري اعتماد إصلاح منظومة تسعير الغاز الطبيعي في الخليج لتفادي فجوة في إمدادات الغاز تفوق الـ300 مليار متر مكعب بحلول 2030.
وحث خبراء في قطاع الطاقة بدولة الإمارات العربية المتحدة، شركات النفط والغاز على إظهار مرونة وخفة عاليتين في منهجيات العمل، داعين إلى التكيف مع تنوع مصادر الطاقة المعروضة سريع التغير، وذلك من خلال البقاء في طليعة المنافسة عندما يتعلق الأمر بالابتكار والتقنيات المتخصصة.
وفي هذا السياق، قال علي الجنابي، نائب الرئيس ورئيس مجلس الإدارة في شركة شل أبوظبي، إن التغيّر الحاصل في مشهد الطاقة يحتّم على مجتمع النفط والغاز، أن يتبنى استراتيجيات انتقالية فعّالة داخل حقول النفط وخارجها، وذلك بالرغم من أن الوقود الأحفوري سيواصل تصدّر المشهد في مزيج الطاقة العالمي.
وأضاف الجنابي: «ما من شك في أن الوقود الأحفوري سيستمر في كونه المصدر الرئيسي للطاقة خلال العقدين القادمين، ولكننا بالتأكيد سنظلّ نشهد حدوث تغيّرات كبيرة في مصادر الطاقة».
ولفت التقرير إلى أن صناعة الغاز تواجه تحديات متعددة لارتباط أسعارها بشكل كلي مع أسعار النفط، إضافة إلى بعض الفروقات التي يتم تسجيلها بين أطراف التعاقد، بسبب اتفاقيات الاستيراد طويلة الأجل نظراً لارتفاع تكاليف الإمداد.
أضف تعليق