تقارير

خطايا البريكست …الغموض يحيط بمستقبل الاقتصاد البريطانى

كشفت صحيفة “إندبندنت أون صنداى” البريطانية إن أكثر من 2300 أكاديمى أوروبى استقالوا من جامعات بريطانية خلال العام الماضى وسط مخاوف من “هجرة” المواهب فى التعليم العالى بعيد عن بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبى، الذى يعرف باسم “بريكست”.

وأضافت الصحيفة أن الأرقام الجديدة تظهر زيادة قدرها 19% فى عدد الموظفين الأوروبيين الذى غادروا الجامعات البريطانية العام الماضى مقارنة بما كان الوضع عليه قبل استفتاء عضوية بريطانيا فى الاتحاد الأوروبى فى يونيو 2016، كما ارتفعت نسبة الاستقالات إلى 10% بعد أن شهد عام 2015-2016، 2130 استقالة.

وحثت رئيسة وزراء بريطانى تيريزا ماى مواطنى الاتحاد الأوروبى على البقاء فى المملكة المتحدة بعد مغادرة بريطانيا التكتل الأوروبى، ولكن عدم اليقين الذى طال أمده بشأن حقوق ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى جعل بعض الأكاديميين يخشون المستقبل.

جاء ذلك بعد أن حذر تقرير من الأكاديمية البريطانية من أن قطاع الجامعات الرائدة فى العالم فى المملكة المتحدة يمكن أن يكون تحت التهديد بسبب التغيرات المحتملة لقواعد الهجرة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى.

وكانت المؤسسة التى أبلغت عن أكبر عدد من الاستقالات جامعة أكسفورد، التى شهدت 230 مغادرة من أكاديمى الاتحاد الأوروبى فى العام الماضى مقارنة مع 171 فى عام 2014.

بريطانيا قد تخسر حوالى 500 ألف وظيفة في حلول 2030

وحذرت دراسة أعدت بطلب من رئيس بلدية لندن صادق خان من أن بريطانيا قد تخسر حوالى 500 ألف وظيفة في حلول 2030 في حال خروجها من الاتحاد الأوروبي (بريكست) من دون التوصل إلى اتفاق.

 

وحذر رئيس البلدية العمالي المؤيد لأوروبا في بيان من أنه «في حال خرجت المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي في آذار (مارس) 2019 من دون اتفاق حول السوق الموحدة أو الاتحاد الجمركي أو التدابير الانتقالية (…)، فإن ذلك قد يؤدي إلى خسارة 482 ألف وظيفة».

ومن القطاعات التي درسها مكتب «كامبريدج إيكونوميتريكس» للأبحاث، القطاع المالي المهدد بخسارة قياسية في الوظائف (-119 ألف وظيفة)، يليه قطاع العلوم والتكنولوجيا (-92 ألف وظيفة) والبناء (-43 ألف وظيفة).

وفي لندن، مركز المملكة المتحدة المالي، قد تصل خسائر الوظائف إلى 84 ألفاً، لكن العاصمة ستتضرر أقل من باقي البلاد. ومن المحتمل أن تتراجع الاستثمارات على المستوى الوطني 15 في المئة أي بمقدار 46.8 بليون جنيه استرليني (52.8 بليون دولار).

وتناولت الدراسة التأثير المحتمل لخمسة سيناريوهات على ارتباط بـ«بريكست» على البلاد وعاصمتها، مركزاً على سبعة قطاعات أساسية في الاقتصاد البريطاني. وتتدرج هذه السيناريوهات من الحفاظ على وضع قائم ترفضه الحكومة البريطانية منذ الآن، إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق ولا فترة انتقالية.

وفي السيناريو الأكثر تفاؤلاً، وهو بقاء المملكة المتحدة في السوق الموحدة بعد فترة انتقالية مع خروجها من الاتحاد الجمركي، فإن بريطانيا قد تخسر 176 ألف وظيفة.

واتهم صادق خان الحكومة البريطانية «بعدم الاستعداد على الاطلاق» لعواقب «بريكست»، داعياً السلطات إلى تبديل موقفها في المفاوضات والقبول ببقاء البلاد في السوق الموحدة والاتحاد الجمركي.

وكان وزير «بريكست» ديفيد ديفيس أقر في كانون الأول (ديسمبر) أمام عدد من النواب بأن أجهزته ليس لديها دراسة تتناول تأثير الخروج من الاتحاد الأوروبي على كل من القطاعات الاقتصادية على حدة.

51% من البريطانيين نادمون على “البريكست”

وكشف استطلاع للرأي أن 51% من البريطانيين نادمون على “البريكست” ويريدون الآن البقاء في الاتحاد الأوروبي، بينما يريد 41% مغادرة التكتّل، وذلك عكس نتيجة استفتاء العام الماضي. وبحسب ما نشرت وكالة رويترز، أجرت الاستطلاع مؤسسة “بي.إم.جي” لصالح صحيفة “الإندبندنت”، وشمل 1400 شخص.

 

وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة “كومريس” لصحيفة “ديلي ميرور”، وشمل 1049 بالغا، أنه رغم أن الأغلبية (51% مقابل 43%) ترى أنه لا ينبغي إجراء استفتاء آخر، فإنه في حال إجراء استفتاء آخر سيختار 55% من الناخبين البقاء داخل الاتحاد الأوروبي مقابل 45% يصوتون لصالح الخروج منه.

جاء الاستطلاع في وقت تنتقل فيه بريطانيا للمرحلة الثانية من المفاوضات بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي، وستركّز في هذه المرحلة على التجارة.وقالت “الإندبندنت”، إن تقدّم معسكر البقاء على معسكر الانسحاب هو الأكبر في أي استطلاع، منذ استفتاء يونيو 2016.

قال نايغل فاراج، المؤيد لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ، إنه يشعر بقلق متزايد من أن تتغير نتيجة تصويت البريطانيين على الانسحاب من الاتحاد إلى رفض الانفصال نتيجة تحرك مجموعة قوية من مؤيدي البقاء داخل الاتحاد.

وصرح فاراج، الرئيس السابق لحزب الاستقلال البريطاني، لصحيفة “أوبزرفر” البريطانية، أن مجموعة جيدة التنظيم والتمويل تريد البقاء داخل الاتحاد الأوروبي تطغى على أصوات من يريدون الخروج منه.

وأضاف أن “الطرف المؤيد للبقاء يتقدم. لديهم أغلبية في البرلمان وما لم ننظم أنفسنا فقد نخسر الانتصار التاريخي المتمثل في الخروج من الاتحاد الأوروبي”.

وأبدى فاراج، تقبلا لفكرة إجراء تصويت ثان على عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي لإنهاء الجدل – وهي فكرة استبعدها مؤيدون آخرون للخروج من الاتحاد حثوا الحكومة على المضي قدما في محادثات الانفصال.

 

وصوت البريطانيون في عام 2016 لصالح إنهاء عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي بأغلبية 52%. واستبعدت رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، إجراء استفتاء آخر، قائلة إن الحكومة تسعى إلى انفصال سلس عن الاتحاد الأوروبي يحمي الاقتصاد ويضمن لبريطانيا إبرام اتفاقات تجارية مع دول أخرى.

النقد الدولى : الاقتصاد البريطانى يشعر بأثر قرار الناخبين

وقالت مديرة صندوق النقد الدولى كريستين لاجارد ، إن الاقتصاد البريطانى يشعر بأثر قرار الناخبين العام الماضى بالخروج من عضوية الاتحاد الأوروبى وقرار الحكومة بالمضى قدما فى الانفصال.

وقالت لاجارد فى التقرير السنوى للصندوق حول الاقتصاد البريطانى “هذان القراران لهما بالفعل تأثير على الاقتصاد على الرغم من أن من المستبعد أن تغادر المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبى قبل عام 2019”.

وأضافت أن الشركات تؤخر الاستثمارات حتى تتضح الرؤية أكثر فيما يتعلق بقواعد التجارة فى المستقبل ودعت بريطانيا والاتحاد الأوروبى إلى التوصل إلى اتفاق بشأن الترتيبات الانتقالية بحلول مارس 2019.

وقال الصندوق إن الاقتصاد البريطانى من المنتظر أن ينمو بنحو 1.5% فى عام 2018 بما يتوافق مع التوقعات السابقة بعد أن يحقق نموا يبلغ 1.6% فى عام 2017، وهو معدل أقل من الكثير من الاقتصادات المتقدمة، واستندت توقعات 2018 إلى افتراض أن مفاوضات الانفصال ستواصل إحراز تقدم

“ماى” تبدأ المرحلة الأصعب

وكانت رئيس الوزراء البريطانية قد نجحت خلال الفترة الماضية في التوصل إلى صيغة توافقية بخصوص القضايا العالقة في مفاوضات “البريكست” والخاصة بالحدود وتسديد فاتورة الخروج والوضع القانوني لمواطني الاتحاد في بريطانيا.

ووافق القادة الأوروبيون على هذا الاتفاق، خلال القمة الأوروبية التي انعقدت في 14 و15 ديسمبر/كانون الأول الجاري، موضحين أنه قد تم إحراز تقدم ملموس يسمح بالانتقال إلى المرحلة الثانية من المفاوضات والخاصة بالعلاقات التجارية في المستقبل بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي. ومن المتوقع أن تطرح المفوضية الأوروبية اليوم مشروع مذكرات للتفاوض يتيح بدء مرحلة المفاوضات الجديدة اعتبارا من يناير/كانون الثاني القادم.

وكان من أبرز ما توصلت إليه ماي بشأن مسألة الحدود مع أيرلندا هو تعهد بريطانيا بعدم إقامة أي حدود مادية بين جمهورية أيرلندا الجنوبية، وأيرلندا الشمالية واستمرار الحدود مفتوحة بينهما دون أى عوائق فيما يتعلق بحركة الأفراد أو البضائع.

أما فيما يتعلق بفاتورة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والتي كانت من أكثر النقاط الخلافية بين الطرفين، فقد وافقت لندن على دفع مبلغ يترواح ما بين 35 و39 مليون يورو.

وبالنسبة لأوضاع المواطنين الأوروبيين المقيمين في بريطانيا والبريطانيين في الدول الأوروبية الأخرى، فقد تم الاتفاق على أنهم سيتمتعون بالحقوق نفسه عندما تغادر المملكة المتحدة التكتل. ووافقت بريطانيا كجزء من الاتفاق على حماية المواطنين الأوروبيين عبر آلية تمنح مواطني الاتحاد الحق بالاحتكام إلى محكمة العدل الأوروبية في حال شعروا بأنهم لا يعاملون بشكل عادل.

وعلى الرغم من هذا التقدم الذي وصفه الكثيرون بـ “الجيد” واعتُبر بمنزلة طوق نجاة لحكومة تيريزا ماى بعد عام صعب ملئ بالتوتر والاضطرابات، فإن هناك مخاوف جادة من المرحلة المستقبلية في مفاوضات الطرفين للعديد من الأسباب. فمن ناحية يعتبر اتفاق المرحلة الأولى الذي تم التوصل إليه عبارة عن أطر عامة يسودها التفاهمات ولغة التطمينات، وكانت ماي تسعى من خلاله لإحراز أكبر قدر من التقدم من أجل الانتقال إلى المرحلة التالية من التفاوض وحفظ ماء الوجه في ظل الضغوط الداخلية والخارجية التي كانت تتعرض لها.

أما المرحلة المقبلة فهي مختلفة لأنها تتناول ملامح الفترة الانتقالية وشكل العلاقات البريطانية الأوروبية المستقبلية في مرحلة ما بعد الخروج، وهي مرحلة مليئة بالتفصيلات وتحدد بشكل صريح الشراكة الاقتصادية التي ستقوم عليها علاقة الطرفين. وبالتالي يتوقع المراقبون أن تشهد تلك المرحلة حالة واضحة من الشد والجذب الذي سيختلف بدرجة كبيرة عما شهدته المرحلة الأولى من اختلافات في وجهات النظر.

من ناحية أخرى ، يبدو أن الحكومة البريطانية لا تحمل رؤية واضحة حول شكل العلاقات التجارية التي تريد تأسيسها مع الاتحاد الأوروبي بعد البريسكت. ففي وقت سابق اقترح القادة الأوروبيون بأن يكون اتفاق التجارة الحرة مع بريطانيا أشبه بالنموذج الكندي، وهو ما رفضته لندن ودعت ماي حينذاك إلى “شراكة اقتصادية طموحة” مع الاتحاد الأوروبي.

كما أن هناك اختلاف في الرؤى حيال هذه المسألة داخل حزب المحافظين نفسه حيث يذهب فريق إلى إمكانية إقامة علاقات شبيهة بالنموذج السويسري القائم على عقد سلسلة واسعة من الاتفاقات المنفصلة مع بروكسل في مختلف المجالات والقطاعات الاقتصادية والمالية والخدمية، بينما يذهب آخرون إلى نموذج النرويج أى التعامل كممر مفتوح للسوق الأوروبية الموحدة مع دفع مساهمة مالية مقابل هذا، وهو ما يعني قبول مبادئ ومعايير الاتحاد الأوروبى فى عدد كبير من القطاعات الاقتصادية.

في ضوء المشهد السابق يبدو جليا أن التفاوض على ملف العلاقات التجارية مع الاتحاد الأوروبي لن يكون بالأمر الهين على الحكومة البريطانية، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار الضغوط الداخلية الأخرى التي تتعرض لها ماي بعد تصويت مجلس العموم البريطاني الأربعاء الماضي لصالح تعديل يتعلق بأحقية النواب في الموافقة على أي اتفاق مع بروكسل للخروج من الاتحاد الأوروبي، وهو ما أثار استياء الحكومة حيث أن هذا الأمر قد يشكل عائقا أمام عملية الخروج السلسلة التي تريدها. كما أن هذا التصويت جاء بعض انضمام عدد من نواب حزب المحافظين مع جبهة المعارضة للتصويت ضد إرداة الحكومة، الأمر الذي يعكس حالة التخبط والانقسام داخل الحزب.