الاقتصاد الوجه الاخر لعراك السياسة , فالاستفتاء الذى يتابعه العالم عن كثب , نتائجه لن تنحصر فى الجانب الأيديلوجى وإنما ستمتد تداعياته لتعيد رسم خارطة النفط العراقى برمتها . إلى جانب ذلك سيكون له آثار اقتصادية على العراق عموماً، وإقليم كردستان بوجه خاص .
فالأمر لا يتعلق فقط بالمناطق الكردستانية الثلاث التي يشملها الاتفاق حول الفيدرالية مع بغداد، بل في مقدمة المشهد، ثمة كركوك الغنية بالنفط ومحيطها، التي سيطر عليها الأكراد في 2014.
سلطات إقليم كردستان كانت قد أعلنت أخيراً أن المنطقة التي تقع تحت إدارتها الآن تطفو فوق احتياطيات نفطية تقدر بـ 45 مليار برميل من الخام، وهو ما يقارب ثلث احتياطيات العراق ثاني منتج للنفط الخام في منظمة “أوبك”، والتي تبلغ 142.5 مليار برميل، بحسب بيانات المنظمة.
وقبل ضم كركوك في 2014، لم تكن حكومة كردستان تسيطر سوى على 6% من احتياطيات العراق، وفق الاتفاق مع بغداد الذي جرى في 2005، فيما يتركز أكثر من 70% من الثروة النفطية العراقية جنوب البلاد، أما النسبة المتبقية فتكتنزها كركوك ومحيطها.
حالياً، بات الإقليم ينتج ما يصل إلى 600 ألف برميل من النفط يومياً، قرابة الثلثين من حقول كركوك الغنية، بحسب بيانات “بلومبيرغ”، هذه المستويات من شأنها أن تضع الدولة الوليدة إذا ما اختار الأكراد الانفصال في استفتاء اليوم، في مصاف أعضاء في “أوبك” كالإكوادور وقطر وقد تتخطى بذلك نيجيريا.
وبالرغم من أن رئيس بعثة صندوق النقد الدولي في العراق كريستيان جوس ٌقال ، ان “استقلال اقليم كردستان لن يكون له تأثير اقتصادي ومالي كبير على العراق، لأن الحكومة العراقية لم تقم بالدفع لإقليم كردستان منذ عامين، وبالتالي لن يؤثر ذلك على الموازنة العامة للحكومة إلا أنه أغفل أن حقول النفط في كركوك ستتحول إلى رافد هائل لاقتصاد كردستان “المستقلة”، سيشكل الأمر بالمقابل خسارة هائلة لبغداد التي تعاني من أزمة مالية سببها انهيار عائدات النفط بعد انخفاض الأسعار عالمياً، خاصة أن الصفقة التي عقدتها الحكومة المركزية مع الإقليم بعد سيطرته على المدينة وإعادة عجلة الإنتاج إلى حقولها النفطية في العام الماضي، والقاضية بتقسيم إيرادات نفط المنطقة مناصفة بين الجانبين، من المرجح لها أن تنتهي بطريقة أو بأخرى، بعد “الاستقلال الكردستاني”.
وقد طالبت الحكومة العراقية جميع الدول حصر التعامل معها في كل العمليات المرتبطة بالمنافذ الحدودية وتحديداً النفط، القرار الذي إذا ما تمت الاستجابة له من شأنه أن يعيد الإقليم من جديد إلى دائرة العزلة عن الأسواق العالمية، ويبدد حلم الطفرة النفطية للدولة العتيدة، التي انبثقت عن إقليم لم يتمكن بعد من تنويع موارده، كما سينجم عنها إخلال بالتزامات أربيل بسداد مستحقات الشركات الأجنبية.
كما لوّح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بإغلاق خط أنابيب نقل نفط إقليم كردستان العراق، المار عبر تركيا، إلى الخارج، وذلك ردا على إصرار قادة الإقليم على إجراء الإستفتاء حول الإستقلال.
وقال أردوغان في كلمة خلال مشاركته في مؤتمر دولي بإسطنبول: “فلنر بعد اليوم لمن سيبيع الإقليم الكردي في العراق النفط؟ الصنبور لدينا، وعندما نغلقه ينتهي الأمر”. ويصدر كردستان العراق نحو 550 ألف برميل من أصل 600 ألف ينتجها في اليوم، عبر أنبوب يصب في مرفأ جيهان التركي (جنوب) البحر المتوسط.
خارطة الاقتصاد الكردى
شكّل سقوط نظام صدام حسين في العام 2003 علامة فارقة في تاريخ الإقليم. فقد بشّر بنهاية نظامين للعقوبات، أحدهما فرضته الأمم المتحدة على العراق والآخر فرضه العراق على حكومة إقليم كردستان، فضلاً عن النهاية التدريجية للإدارتين المنفصلتين للإقليم وتشكيل حكومة موحّدة.
في السنوات العشر التي تلت ذلك، شهد إقليم كردستان طفرة اقتصادية. كان النمو السريع قائماً على عائدات النفط والاستثمارات الأجنبية، وخاصة من تركيا، ومهّدت له القوانين الملائمة لممارسة الأعمال التجارية والبيئة الآمنة. واعتباراً من آب/أغسطس 2006 وحتى آذار/مارس 2014، تم استثمار أكثر من 38 مليار دولار أميركي في إقليم كردستان. وجرى استثمار أكثر من ثلثَي هذا المبلغ في قطاع البناء والتشييد، مايعكس رغبةً في تحقيق أرباح سريعة وكبيرة، في حين أُهملت قطاعات الزراعة والصناعة التحويلية في الإقليم.
في آب/أغسطس 2007، أقرّ البرلمان الإقليمي قانون النفط والغاز في كردستان، وذلك بهدف المساعدة في تطوير موارد النفط والغاز في الإقليم، والذي يموّل مايقرب من 94 في المئة من ميزانيته.3 وتعمل الآن في الإقليم تسع وثلاثون شركة نفط من تسع عشرة دولة، حيث وقّعت حكومة إقليم كردستان 60 عقداً معها. وتبلغ احتياطيات النفط المؤكّدة في الإقليم 45 مليار برميل، فيما تتراوح احتياطيات الغاز الطبيعي بين 100 و200 تريليون قدم مكعب.4 وفي العام 2014، بلغت الطاقة الإنتاجية للنفط 400 ألف برميل يومياً.5 ولدى وزارة الموارد الطبيعية خطّة طموحة لرفع الطاقة الإنتاجية إلى مليون برميل يومياً بحلول نهاية العام 2015، وإلى مليونَي برميل يومياً بحلول نهاية العام 2019. وبدأت حكومة إقليم كردستان بتجاوز بغداد وتصدير النفط بصورة مستقلّة عبر تركيا.
واحدة من المشاكل العالقة حتى اللحظة بين حكومتي المركز والإقليم، هي صادرات النفط وعائداتها، فبغداد تتهم الإقليم ببيع النفط خارج إطار الحكومة العراقية، وأربيل تقول إن قطع العاصمة الاتحادية لرواتب موظفي الإقليم، دفعها لبيع النفط وعدم إرسال مستحقاته لبغداد.
تعتمد حكومة كردستان العراق على النفط كمصدر أساسي لاقتصادها، لكنها من دون موازنة مالية خاصة، فهي تحصل على 17% من موازنة العراق الاتحادية.وتُعتبر السياحة في الإقليم مورداً مالياً أساسياً بالنسبة للحكومة هناك نتيجة أعداد السياح العرب القادمين من بغداد ومحافظات الجنوب التي وصلت إلى 80%،
الـ17% من موازنة العراق العامة التي يحصل عليها الإقليم من بغداد في كل عام، تُقدّر بـ12 مليار دولار، وهذا المبلغ يوزَّع على أربع محافظات كردية يعيش فيها أكثر من خمسة ملايين نسمة، بحسب إحصائية لوزارة التخطيط العراقي عام 2014.
ينفق الإقليم حالياً 10 مليارات دولار سنوياً يحصل عليها من موازنة العراق الإتحادية، لكن إذا ما انفصل فإن إيراداته من النفط ستكون 7 مليارات دولار فقط عبر تصدير 600 ألف برميل نفط يومياً عن طريق تركيا. .
وكانت حكومة إقليم كردستان قد بثت تطمينات لشركات الطاقة العاملة في المنطقة، من خلال سداد أو إعادة هيكلة الديون والمدفوعات المستحقة للشركات الأجنبية التي تبلغ قيمتها أكثر من 3 مليارات دولار.
شركات النفط العالمية هي الأخرى، لها مصالح كبيرة في إقليم كردستان، فهي عوض أن تلجم استثماراتها حتى تتضح الصورة في منطقة يشوبها عدم الاستقرار السياسي، انغمست أكثر في نفط المنطقة، فعملاق النفط الأميركي “شيفرون” استأنفت عملياتها في الإقليم أسبوعاً فقط قبل الاستفتاء، بعد توقف دام لعامين. أما “إكسون موبيل” التي تعد أولى الشركات دخولاً إلى حقول النفط في كردستان، تعمل الآن في حقول كركوك المتنازع عليها، إلى جانب كل من “توتال” الفرنسية و”غازبروم” الروسية، فيما تتوزع في حقول المنطقة عشرات من الشركات الأخرى أقل حجماً.
إلى جانب ذلك برزت المصالح الروسية على السطح، فشركة “روسنفت” العملاقة تعهدت للإقليم بتطوير خط أنابيب النفط، وزيادة سعته ليصبح قادراً على نقل ما يصل إلى مليون برميل يومياً من الخام عوض 700 ألف هي قدرته الحالية، وذلك بنهاية العام الجاري. كما أنها تخطط لإنشاء مشروع أنبوب جديد لنقل الغاز بقدرة تصل إلى 30 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً في عام 2019، وهو ما سيغطي جزءاً مهماً من الطلب الأوروبي الإجمالي، على أن تنقل عبره أول كمية من الغاز إلى تركيا بحلول 2020.
فرصة تاريخية
لدى كردستان اليوم فرصة تاريخية لترتيب أوضاعه الاقتصادية وفق أسس ومبادئ مبتكرة تحقق توظيف موارده البشرية والمادية، استنادا إلى أسس اقتصادية سليمة ذات كفاءة تضمن كفاءة توزيع هذه الموارد بشكل عقلاني ورشيد من أجل تحقيق معدلات نمو متسارعة للدخل والناتج القومي بما يؤمن توظيف المتوفر منها في القطاعات الإنتاجية والخدمية المختلفة؛ كالصناعة والزراعة والسياحة والتعليم والصحة والبنوك والبنى التحتية وغيرها، مما يؤدي بالتالي إلى رفع مستوى الرفاهية ومعدلات الدخل الفردي للعائلة الكردستانية
دولة كردستان المقبلة يمكن أن تقدم كثيرا من المنافع الاقتصادية لدول الجوار ومنطقة الشرق الأوسط، فهناك قانون الاستثمار رقم (4) لسنة 2006 الذي شرع لتنظيم النشاطات الاستثمارية في الإقليم وتأمين البيئة والمناخ الاستشاري الملائم وتوفير الفرص الاستثمارية ودعم القطاع الخاص بأنواعه؛ الوطني والأجنبي والمشترك ويتزايد الحديث في الفترة الأخيرة ، حول ظهور مؤشرات ‹قوية› لعودة الانتعاش الاقتصادي إلى كردستان وعودته إلى ما كان عليه منذ ثلاث سنوات، وذلك بعد تأمين كافة مناطقه وحدوده
أضف تعليق