تقارير

خاص :لماذا تتجه دول الخليج لاقتصادات القارة السمراء ؟

 

الخليج يستثمر 30 مليار دولار بالبنى التحتية الأفريقية خلال عقد

100 مليار دولار استثمارات  الدول الشرق أوسطية فى أفريقيا  

سابك توجه أنظارها إلى أسواق أفريقيا

الانكماش الاقتصادي  تسبب في توجه بعض المصارف نحو أفريقيا

تُدرك دول مجلس التعاون الخليجي أن حضورها الإقتصادي في أفريقيا تعززه مصالح استراتيجية لدول الإقليم، وتحمل أفريقيا عوامل جذب قوية للقوى الاقتصادية بالإقليم، فهي القارة الأقرب جغرافيًا، كما أنها تتمتع بموارد طبيعة وافرة، وسوق واسع، وإنتاج محلي ضعيف التنافسية. وأفريقيا صاحبة ثاني أكبر بساط أخضر في العالم تمتلك مقومات الاستثمار في شتى المجالات، فهي غنية بمواردها البشرية والمادية، وتتميز بموقعها الاستراتيجي، واليوم تشهد نشاطاً اقتصادياً واسعاً وتدفقاً لاستثمارات كبيرة.

وتتجه دول الخليج بقوة  لاسيما الإمارات العربية المتحدة، وقطر، والكويت، والبحرين للاستثمار فى أفريقيا. وطبقاً لبنك التنمية الأفريقي، فقد قدمت الدول الشرق أوسطية مجتمعة استثمارات تُقدر بحوالي 100 مليار دولار خلال العقد الأخير. وطبقًا لدراسة مولتها ونشرتها غرفة دبي للصناعة والتجارة في 2015، فإن كل من نيجريا، وكينيا، وجنوب أفريقيا يتواجد بها ما بين 15-25 شركة خليجية.

 

قطاع البنية التحتية

وهو أهم قطاع على الإطلاق تهتم به الحكومات الأفريقية، نظرًا لأنه أكبر متطلبات التنمية المنشودة، وقد برز الاهتمام الشرق أوسطي بهذا القطاع، حيث بلغت إجمالي الإسهامات العربية في هذا القطاع 30 مليار دولار خلال العقد المنصرم – طبقاً للدراسة المشتركة لغرفة دبي للصناعة والتجارة مع وحدة الدراسات بالإيكومنست – منها 15 مليار استثمارات مباشرة، و15 مليار منح ومساعدات. وإجمالاً قدمت الدول الخليجية حوالي 7-10 % من الاستثمارات الاجنبية بهذا القطاع في القارة.

وكشفت غرفة تجارة وصناعة دبي أن قيمة الاستثمارات الخليجية في البنية التحتية الأفريقية خلال العقد الماضي بلغت نحو 30 مليار دولار، وأن عدد الشركات الأفريقية العاملة في دبي، والمسجلة في عضوية الغرفة، تخطى حاجز الـ 12 ألف شركة.

وأكد ماجد سيف الغرير، رئيس مجلس إدارة غرفة دبي، خلال كلمته في المؤتمر، أن للبعثات التجارية لغرفة دبي المستمرة للقارة السمراء، بالإضافة إلى مكاتب الغرفة التمثيلية في إثيوبيا وغانا وموزمبيق وكينيا، دوراً رئيسياً في تعزيز حضور الشركات الخليجية، وخصوصاً شركات دبي، في هذه الأسواق الواعدة.

وتابع: “بلغت قيمة الاستثمارات الخليجية في البنية التحتية الأفريقية خلال العقد الماضي حوالي 30 مليار دولار أمريكي، في حين بلغت الاستثمارات الخليجية المباشرة في النصف الأول من العام 2015 في دول جنوب الصحراء الأفريقية 2.7 مليار دولار أمريكي، واستحوذت كل من نيجيريا وجنوب أفريقيا وكينيا وأوغندا على النسبة الأكبر من الاستثمارات الخليجية”.

 

وأشار إلى أن “النظرة الإيجابية التي تملكها الغرفة لإمكانات وقدرات القارة السمراء، وخصوصاً منطقة جنوب الصحراء الأفريقية، كانت أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت الغرفة لإطلاق المنتدى العالمي الأفريقي للأعمال، والذي نجح على مدى ثلاث دورات سابقة في جمع المستثمرين وصناع القرار في القطاعين العام والخاص الأفريقي مع نظرائهم في دبي والعالم، في نقاشات مثمرة وحوارات بنّاءة”.

 

قطاع الخدمات المالية

يتسع تواجد المصارف الخليجية بالقارة الأفريقية، كما بدأت بعض الدول الأفريقية تطوير بنيتها التشريعية لتطبيق خدمات التمويل الإسلامي داخلها، ومن أبرز الصفقات في هذا القطاع ما قدمه ائتلاف بنوك خليجية يقوده بنك الإمارات دبي الوطني من قروض مجمعة بقيمة 85 مليون دولار لبنك “ستانبك” في أوغندا، و125 مليون دولار امريكي لبنك “فيرست راند” في جنوب إفريقيا. وأيضًا ما قام به بيت التمويل الكويتي من إصدار أول صكوك سيادية لجنوب إفريقيا بقيمة نصف مليار دولار في العام 2014.

قالو رئيس اتحاد المصارف العربية «وسام فتوح» إن مصارف خليجية وعربية تتوجه للاستثمار في أفريقيا بحثا عن فرص واعدة في السوق الأفريقية، وذلك بعد أن فقدت السوق الأوروبية جاذبيتها بسبب أزماتها المالية وحالة الانكماش الاقتصادي التي تعيشها بعض الدول.

أوضح «فتوح» أن توجه المصارف الخليجية والعربية نحو القارة الأفريقية جاء أيضا بسبب التشريعات والتنظيمات الصارمة المعقدة التي فرضتها الدول الأوروبية على القطاع المصرفي وتعاملاته المالية، لاسيما أن المصارف الخليجية بدأت تتطلع نحو أسواق جذابة في أفريقيا في ظل حالة التشبع الواضحة في أسواقها المحلية.

وذكر أن الاستثمار في السوق الأفريقية ليس مقصورا على مصارف خليجية وعربية ،وإنما شهدت استثمارات متعددة لمصارف عالمية، حيث إن هناك انفتاحا أفريقيا على دول المغرب العربي.

وتوقع «فتوح» زيادة اهتمام المصارف الخليجية بالاستثمار في الدول الأفريقية خاصة مع وجود فوائض مالية لدى هذه المصارف تحتاج إلى توظيف بالشكل الصحيح لتحقيق عوائد مالية مجدية، مؤكدا أن بعض الأسواق الأفريقية، التي تتمتع ببنية مصرفية تحتية متطورة، تعتبر ملاذا آمنا للمصارف الخليجية والعربية خلال السنوات المقبلة، خاصة المصارف الإسلامية، في ظل وجود سياسة انفتاحية، من قبل بعض الأسواق الأفريقية فيما يتعلق بقطاعي المال والأعمال.

وأشار إلى اهتمام المؤسسات والمصارف المالية بالاستثمار في الدول الأفريقية، في ظل وجود أفريقي مصرفي كبير، في اجتماع «صندوق النقد الدولي»، و«البنك الدولي»، بواشنطن في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وذلك للبحث عن فرص مشتركة مع المصارف العالمية، بخلاف الاهتمام الكبير من قبل «صندوق النقد الدولي» بالأسواق الأفريقية.

بيئة استثمارية جاذبة

وأوضح أن بعض الدول الأفريقية، خاصة تلك التي حققت طفرة مالية كبيرة خلال السنوات الماضية، وفرت بيئة استثمارية جاذبة، ويتوقع أن تحقق طفرة أكبر في ظل ارتفاع أسعار النفط واستغلال مواردها الطبيعية لخدمة الاستثمار، منوها بفرص تدفق الاستثمارات المصرفية الكبيرة في سوق المغرب العربي، خلال السنوات المقبلة.

وقال رئيس اتحاد المصارف العربية، إن الاستثمارات الجاذبة والمربحة، وتلك التي لا تواجه مخاطر عالية، تعد هدفا لجميع المصارف من جميع دول العالم ليس الخليجية والعربية فقط، حيث إن هذه المميزات تتوافر الآن في بعض الأسواق الأفريقية، بعد وجود نزاعات سياسية، وعسكرية، في كثير من الدول العربية، الأمر الذي يرفع من درجة المخاطر في هذه الدول.

أكد أن الأزمات المالية والانكماش الاقتصادي في بعض دول أوروبا، تسبب في توجه بعض المصارف نحو أسواق أخرى واعدة في أفريقيا، التي تعد سوقا جاذبة للاستثمارات المالية المصرفية، خاصة أن هذه الدول بحاجة إلى استغلال مواردها الطبيعية في الصناعات وهذا الأمر يحتاج إلى وجود مصارف تقوم بتمويلها.

 

وأوضح «فتوح» أن نمو العلاقات الاقتصادية بين دول الخليج مع الأسواق الأفريقية سيكون حافزا للمصارف الخليجية والعربية للتوجه نحو الأسواق الأفريقية، وبالتالي فإن دول الخليج عليها أن تؤسس لقيام مراكز مالية ضخمة في مدنها لتقديم الخدمات للمستثمرين والمصارف الأفريقية

 

قطاع التجزئة

يبدو أن الثقافة الاستهلاكية قد اتسعت في القارة الأفريقية، وتغير معها نمط السوق ليبرز الاهتمام الأفريقي بمراكز التسوق، والعلامات التجارية العالمية، وفي هذا الشان برزت مجموعة “ماجد الفطيم” الخليجية التي استئجرت “سدس” مساحة “مول كينيا”، والذي سيصبح أكبر مركز تجاري في القارة الأفريقية. علاوة علي امتلاك مجموعة لاند مارك 13 متجر لعلامات تجارية متنوعة بنيجريا وتنزانيا وزامبيا وكينيا. بينما تعد تركيا هي أكبر المهتمين من الإقليم بهذا القطاع حيث تمتلك 22 مكتب تجاري بالقارة.

 

القطاع اللوجستي

وهو قطاع يمثل أهمية استراتيجية لدول الشرق الأوسط، لا سيما في شرق أفريقيا، والتي تحتل موقعًا جغرافيًا هامًا على البحر الأحمر، حيث تمارس شركة الخدمات الوجيستية (إجيليتي) الكويتية نشاطها في 11 دولة أفريقية. كما تبرز شركة دبي للموانىء في هذا المجال من خلال استثمارات مميزة، أبرزها إدارة محطة للحاويات في جيبوتي منذ عام 2000، وهو ما يُعد ثالث أكبر ميناء للحاويات بالقارة، كما تمتلك الشركة استثمارات في السنغال وموزمبيق.

 

قطاع السياحة

اتجهت مجموعات فندقية عربية للاستثمار في القارة الأفريقية مؤخراً؛ أبرزها مجموعة فنادق الخليج البحرينية، والمملكة القابضة السعودية (التي تدير سبعة فنادق في كينيا وغانا وسيشيل وموريشيوس)، وأيضاً مجموعة “آي أف إي” للمنتجعات والفنادق الكويتية (التي تدير خمسة فنادق في جنوب إفريقيا).

 

قطاع الطاقة والتعدين

تزخر إفريقيا بالموارد المعدنية التي تدخل في العديد من الصناعات، فتمتلك حوالي 80% من احتياطات البلاتنيوم على مستوى العالم، وأكثر من 50% من الماس، ويزخر غرب أفريقيا بكميات ضخمة من الحديد والذهب، مما يفتح الفرص أمام الشركات الشرق الأوسطية التي تعمل في مجال الصناعات الاستخراجية والتعدين. ناهيك عما تمتلكه القارة من خام اليورانيوم الذي يعد الأساس في توليد الطاقة النووية، والتي تتجه الدول الشرق أوسطية لتوليدها حاليًا.

وكشف الرئيس التنفيذي لشركة سابك السعودية يوسف البنيان، أن شركته التي تعد أكبر شركة بتروكيماويات في منطقة الشرق الأوسط، ستركز على السوق الأفريقية العام الجاري، ووضعت استراتيجية مفصلة لذلك.

قطاع الزراعة والأمن الغذائي

تُعرف أفريقيا بأنها سلة للغذاء العالمي، وتُمثل الأراضي الزراعية حوالي 43,9% من مساحة إقليم إفريقيا جنوب الصحراء، كما أن 56 مليون هكتار من الأراضي الزراعية بالعالم قد تم شراءها وتأجيرها – بحسب تقديرات البنك الدولي في 2011 – وتحتل القارة الأفريقية وحدها 70% من هذه المساحة. في مقابل هذه الإمكانية الأفريقية تظهر حاجة الدول الخليجية إلى سد احتياجاتها من الأمن الغذائي، حيث تعتمد هذه الدول بنسبة تتراوح بين 80-90% على الواردات لتلبية احتياجاتها الغذائية، وعليه فإن هذا القطاع من المرجح أن يكون من القطاعات الواعدة للاستثمار البيني.

 

معدلات النمو

بشكل عام يُعد النمو الاقتصادي لأقليم إفريقيا جنوب الصحراء متذبذباً وفقاً لصندوق النقد الدولي، حيث بلغ 3,4% في العام 2015، وانخفض إلى 1,4% في عام 2016، ومن المتوقع أن يعاود الصعود مرة أخرى إلى 2,9% في عام 2017. ولكن تحقيق هذه التوقعات من عدمه يتوقف على مدى كفاءة وتسارع إجراءات الإصلاح الاقتصادي التي سوف تتخذها الدول الإفريقية.

لا ينفصم الأداء الاقتصادي بالقارة الأفريقية عما يشهده الاقتصاد الكلي من تباطؤ في معدلات النمو الاقتصادي، والتجارة العالمية، وعليه فإن التدفقات الخارجية لاقتصاد إفريقيا قد تراجعت – على الرغم من ارتفاع المساعدات – بنسبة 1,8% بين عامي 2014 و2015، حيث بلغت في نهاية 2015 حوالي 208 مليار دولار أمريكي. وذلك بحسب بنك التنمية الأفريقي.

إن القارة الأفريقية هي قارة الاقتصادات النامية، التي يتواجد بها أعلى نسب الفقر، والعجز المالي، وعليه فإنها في حاجة متزايدة لاستيراد نماذج النمو الاقتصادي، ونقل الصناعات المتطورة، وجذب رؤوس الأموال الأجنبية، بهدف سد احتياجات مواطنيها، ومواجهة تحدياتها الاقتصادية، وإجمالاً فإن بناء الشراكة الاقتصادية خارج القارة يعد هدفًا استراتيجيًا للحكومات الأفريقية.

وتمتلك القارة الأفريقية ميزات جاذبة للشراكة الاقتصادية سواء في مجالات التبادل التجاري أو التدفق الاستثماري؛ أولها، هو اتساع السوق الأفريقي وتزايد معدلات الطلب الكلي، وهو ما يعود إلى ارتفاع معدلات النمو السكاني، فيبلغ إجمالي عدد السكان حاليًا حوالي 1,2 مليار نسمة، ومن المتوقع أن يصل إلى بين 1,7- 2 مليار نسمة في 2030.

ثانيها، هو نمو القوة الشرائية نسبيًا للمستهلكين داخل القارة الأفريقية، ويرجع ذلك إلى تزايد تحويلات العاملين بالخارج إلى داخل القارة، والتي بلغت حوالي 64,6 مليار دولار في عام 2015، وفقاً لبنك التنمية الأفريقي. ناهيك على النمو الملحوظ في حجم الطبقة الوسطى، وذلك بسبب الإجراءات المتسارعة التي اتخذتها الحكومات الأفريقية بالتعاون مع الشركاء الدوليين لمكافحة الفقر، والتي أسفرت عن ارتفاع نسبة الطبقة الوسطى إلى سكان القارة من 27% عام 2000 إلى 35% عام 2013، وهي الطبقة التي يتراوح دخلها اليومي بين (2 : 20) دولار، كما ارتفعت نسبة الفئة التي يتراوح دخلها اليومي من (2 : 4) دولار من 14% عام 2000 إلى 21% عام 2013، بحسب بنك التنمية الأفريقي.

وتعد أهم ميزة هي استهداف الحكومات الأفريقية تحسين بيئة الأعمال، من خلال تطوير البيئة التشريعية، ورفع الميزات الاستثمارية، وقد أسفر ذلك عن تحسن 23 دولة من ضمن 51 في مؤشر أداء الأعمال لعام 2015.

 

أسس وتحديات

وعلى الرغم من وجود أسس قوية لشراكة أفريقية-خليجية على المستوى الاقتصادي، إلا أن هناك عدد من التحديات التي ربما تعرقل هذه الشراكة؛ يعود بعضها إلى تدخلات القوى الدولية، إلى جانب الصراعات العسكرية والسياسية القائمة في الشرق الأوسط، ناهيك عن العوامل البنيوية الداخلية – خاصة المخاطر الأمنية – التي توجد بالقارة ذاتها.

 

على الرغم من اتساع فرص الشراكة وجودة أُسسها، إلا أن هناك تحديات قد تقف أمام تعزيز الشراكة الشرق أوسطية الأفريقية، وتحول دون تدفق الاستثمارات إلى أفريقيا، حيث يأتي في مقدمتها؛ الصراع الإقليمي، فهناك تخوف أفريقي، من نقل الصراعات المذهبية والسياسية الشرق أوسطية إلى الساحة الأفريقية، لا سيما وأن الدول المتصارعة تغذي وجود مؤيدين لمذاهبها وتوجهاتها السياسية، من خلال دعم أنشطة ومراكز ثقافية بعينها في القارة.

هذا، بالإضافة إلي عنصر المنافسة الدولية علي المنطقة، إذ تواجه القوى الشرق أوسطية تنافس قوي من الشركاء التقليدين لأفريقيا على رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، ودول الاتحاد الأوربي، والصين، والهند،   لا سيما  هذه الدول لديها رؤية واستراتيجية واضحة لشراكتها مع الدول الأفريقية، ناهيك عن الخبرة في التعامل مع الشئون الأفريقية، وعلاقات قديمة بالدول الأفريقية.