تقارير

بعد قرار معاقبة “موديز”..وكالات التصنيف فى ميزان المصداقية

The Moody's Investors Service Inc. logo is displayed outside of the company's headquarters in New York, U.S., on Thursday, July 28, 2011. Moody's Investors Service, Standard & Poor's and Fitch Ratings have said they may consider lowering the nation's top rating if officials fail to resolve the stalemate. Photographer: Scott Eells/Bloomberg

للمرة الأولى تعاقب الولايات المتحدة  موديز حيث وافقت وكالة التصنيف الائتماني على دفع أكثر من 16 مليون دولار لتسوية الاتهامات المرتبطة بالتصنيفات الخاطئة للأوراق المالية المدعومة بالقروض العقارية، التي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، بحسب ما أعلن يوم الثلاثاء.

وقالت الوكالة إن هذه هي المرة الأولى التي تصدر فيها لجنة الأوراق المالية والبورصات اتهامات تنطوي على رموز تصنيف غير سليمة.كما أنها تأتي بعد ما يقرب من عشر سنوات من الأزمة المالية العالمية، التي لعبت فيها التقييمات غير الصحيحة للأوراق المالية المدعومة بالقروض العقارية (MBS) دور البطولة.ويعتمد المستثمرون على هذه التصنيفات لتقييم الجدارة الائتمانية للقروض التي تدعم بعض الأوراق المالية المشتقة.

وقالت هيئة الأوراق المالية والبورصات إن وكالة “موديز” فشلت في وضع وتطبيق ضوابط داخلية مناسبة للنماذج المستخدمة لتخصيص التصنيف بين عامي 2010 و2013.ونتيجة لذلك، قامت الوكالة، وهي واحدة من أكبر الشركات في الولايات المتحدة، بتصحيح أكثر من 650 تصنيفاً للأوراق المالية التي تقدر قيمتها بأكثر من 49 مليار دولار، وفقاً للجنة المالية.

وفي 54 حالة، حصلت وكالة “موديز” على تصنيفات تختلف عما اقترحته النماذج الخاصة بها، لكنها لم تحتفظ بسجل لأسباب التناقضات.وحذرت هيئة الأوراق المالية والبورصات “موديز” من الضوابط الداخلية التي تتبعها، إلا أن الوكالة “لم تقم بتطوير عملية فعالة لضمان دقة النماذج التي تعتمد عليها في التصنيف”، بحسب بيان لهيئة الأوراق المالية والبورصة.

وقال تحقيق صدر عن الكونغرس عام 2011 إن وكالات التصنيف لعبت “دوراً أساسياً” في الدفع نحو الانهيار المالي في “وول ستريت” عام 2008، واتهمت “موديز” على وجه الخصوص بـ “الأعطال” الداخلية التي منحت فيها الشركة بشكل منهجي أعلى تصنيف لها للأصول السامة، التي انهارت فيما بعد.

القرار الأمريكى يفتح ملف هذه الوكالات وماهية عملها  وكالات التصنيف مؤسسات التصنيف الائتماني هي شركات خاصة مستقله  ، تقوم بتقييم الجدارة الائتمانية لمُصدريِ السندات من دول و شركات ، أي مدى قدرة الشركة أو الدولة على سداد الديون أو قابلية الإستثمار فيها، وينعكس هذا التصنيف الذي تصدره هذه المؤسسات بالإيجاب أو السلب على ثقة المستثمرين في الدولة أو الشركة المعنيين.فمثلاً إذا كان التصنيف الإئتماني لشركة  ما ضعيفاً فهذا يعنى وجود احتمال كبير بعدم إستطاعة هذه الشركة  لسداد ديونها ومن ثم تقل ثقة المستثمرين في هذه الشركة لشراء سنداتها مما يجعل استثمارهم في الغالب مشروط بطلب نسبة فائدة أعلى لتقديم القروض  والتمويل لهذه الشركة، والعكس صحيح عندما يكون التصنيف الإئتماني لهذه الشركة قوياً فنلاحظ نسبة الفائدة على هذه السندات تقل وطبعاً هذا بنطبق ايضا على الديون السياديه للدول.

التصنيف المرتفع يسهل على الحكومات والشركات الحصول على التمويلات والقروض اللازمة سواء من السوق المحلي او الخارجي لاستكمال رؤيتها وتنفيذ مشاريعها الاقتصادية التوسعية.

و لا تعتبر درجة التصنيف دعوة للمستثمرين لشراء وبيع أسهم الشركات أو التعامل مع شركات ذات تصنيف عالي أو الابتعاد عن تلك الأقل تصنيفا، ولا تعتبر درجة التصنيف حقيقة مطلقة بل هي مجرد تعبير عن رأي وتوقع لوضع المؤسسة المالي الحالي. فالتصنيف مرتبط  بوضع وأداء المؤسسة المالي ، حيث يمكن أن تتغير درجة تصنيف المؤسسة ارتفاعا وانخفاضا حسب أداء المؤسسة والظروف المحيطة بها.

 

وتعتمد مؤسسات التصنيف الإئتماني على عدة معايير مبنية على الاقتصاد والتشريعات والتأثيرات الجيوسياسية وحوكمة وإدارة الشركات والقدرة التنافسية في تصنيفها الائتماني للمؤسسات كالربحية، الأصول و التدفقات المالية التي توضح في النهاية الوضع المالي الحالي مما يترتب عليه توقع النظرة المستقبلية لهذه المؤسسة.

اللاعبون الكبار فى مجال التصنيف الائتماني  ثلاث وكالات هى “ستاندرد اند بورز”هي احد فروع لشركات مكغرو هيل التي تنشر البحوث والتحليلات المالية على الأسهم والسندات ومقرها في الولايات المتحدة  نشأت عام 1860، موديز وهي شركة قابضة، أسسها جون مودي بدأت نشاطها عام 1909، وتسيطر علىما يقارب 40% من سوق تقييم القدرة الائتمانية في العالم. أما الثالثة وكالة فيتش وتأسست عام1913 وهي أصغر حجما من الشركتين السابقتين، وهي شركة فرعية مملوكة بالكامل لشركة هيرس

تعرضت هذه المؤسسات الإئتمانية إلى العديد من الانتقادات خلال اﻷزمة المالية التي اندلعت في 2007، فقبل اندلاع اﻷزمة المالية في 2007، أعطت الوكالات الثلاث تصنيفًا ائتمانيًا ممتازًا ﻷوراق الرهن العقاري اﻷمريكية، وهي أوراق دين بضمان العقار والتي اتضح بعد اندلاع اﻷزمة عجز أصحابها عن سداد ديونهم، اتضح أن هذه اﻷوراق المالية لا تساوي شيئا،وتسبب الإدراك المفاجئ لهذا اﻷمر في اندلاع أسوأ أزمة مالية منذ عقود.واتضح أيضاً أنها  لا تأثر بشكل كبير على السوق ، فرغم خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة في 2011، لم ترتفع تكلفة اقتراض الحكومة اﻷمريكية بل انخفضت.

ودفعت مخاوف حول تأثير خفض التقييم الائتماني للدول على استقرارها، وزاد الانتقادات المواجهة لهذه الوكالات، حيث تكمن  مصلحة وكالة التصنيف الائتماني في الحصول على أعمال من الجهة المصدرة للسندات والتي تسعى إلى تقييم إصدارها، وهذا قد يجعل الوكالة تصدر تقيما مرتفعا عن الواقع من أجل حث جهة اﻹصدار على العودة للتعامل مع الوكالة في المستقبل.

ونتيجة لذلك فقامت الولايات المتحدة بتشديد الرقابة على هذه الوكالات، كما قام البرلمان اﻷوروبي بوضع مجموعة من المعايير لضبط أنشطة هذه الوكالات، فقد أعلن المفوض الأوروبي لشؤون تنظيم الأسواق قواعد مشددة تجاه عمل مؤسسات التصنيف الائتماني، ومنها السماح لأي دولة أو مستثمر في الاتحادالأوروبي بطلب تعويضات لدى محكمة مدنية إذا تكبد خسائر جراء خطأ أو شطط ارتكبته إحدى تلك المؤسسات.

 

تقليص النفوذ

 

وايضا للحد من نفوذ هذه الوكالات، شجعت أوروبا حاليًا الشركات المالية على إنجاز تقييماتها بنفسها دون اللجوءإلى الوكالات الثلاث، ومع بداية العام 2012 تزايدت المطالبات في ألمانيا بتأسيس وكالة أوروبية مستقلة للتصنيف الائتماني للانفكاك من هيمنة المؤسسات لأميركية، وجاءت هذه الدعوات بعد خفض ستاندرد أند بورز في الشهر الأول من العام نفسه التصنيف الممتاز لتسع دول أوروبية وصندوق الإنقاذ المالي الأوروبي من فئة “” (AAA) إلى فئة “” (AA)، وإعلان مؤسسة فيتش عزمها خفض تصنيف ست دول بمنطقة اليورو بين درجة ودرجتين نهاية يناير/كانون الثاني 2012، وفي نوفمبر/تشرين الثاني2011 .

 

تراجع المصداقية

 

لاشك أن مصداقية وكالات التصنيف الائتماني بحاجة إلى مراجعة بعدما ثبت عدم صحة درجات التقييم التي منحتها لبعض الشركات من جهة، و نظراً  لعدم حياديتها وموضوعيتها فيما تتوصل إليه من تقييم خاصة على المستوى السيادي للدول ومن جهة أخرى، الأزمة المالية الأخيرة التي عصفت بإقتصاديات العالم كانت وكالات التصنيف سببا فيها وقد اعترفت بعض مؤسسات التصنيف مثل موديز بارتكابها أخطاء تتمثل في سوء تقييم خطورة سندات الرهن العقاري، وأشارت إلى أنها اتخذت إجراءات للمراقبة الداخلية بغرض تحسين طريق عملها وإصدارها للتقييم.

 

المعايير التي يجب توافرها في مؤسسات التصنيف الائتماني لاعتماد تصنيفاتها

 

1- الموضوعية: حيث يجب أن تكون الطريقة التي تتعهد بها مهام تصنيفات الائتمان شديدة الدقة ومنتظمة وتخضع لبعض أشكال الموافقة على صلاحيتها بناء على الخبرة السابقة وفضلا عن هذا فإن التصنيفات يجب أن تخضع للمراجعة المستمرة وأن تستجيب للتغيرات في الحالة المالية ويجب قبل الحصول على موافقة المراقبين أن يتم وضع طريقة لتصنيف كل قطاع من قطاعات السوق بما في ذلك الرجوع للاختبار الماضي لمدة سنة واحدة على الأقل أو من الأفضل لمدة ثلاثة سنوات.

 

2- الاستقلالية: من المعايير التي يجب توافرها أيضا في مؤسسات التصنيف الائتماني أن تكون هذه المؤسسات مستقلة ولا ينبغي أن تخضع لأي ضغوط سياسية أو اقتصادية قد تؤثر على التصنيف، وينبغي أن تكون عملية التصنيف متحررة على قدر الإمكان من القيود التي قد تنشأ في المواقف المختلفة مثل تعارض المصالح.

– الشفافية: ينبغي أن تكون التصنيفات منفردة كلا على حدة ومتاحة لكل من المؤسسات المحلية والأجنبية ذات المصالح المشروعة وبشروط متساوية.

 

4- الإفصاح: يجب أن يتم الإفصاح عن الطرق المستخدمة في التصنيف، بما في ذلك تعريف التعثر عن الدفع والفترة الزمنية، ومعنى كل تصنيف، والمعدلات الفعلية للتعثر عن الدفع التي تمت مواجهتها في كل قسم من أقسام التصنيف، والتغيرات في التصنيف مثل درجة احتمال أن يصبح التصنيف AA مجرد A بعد فترة.

 

5- مصادر المعلومات: يجب أن يتوافر لدى مؤسسات التصنيف الائتماني مصادر كافية تمكنهم من القيام بعملية التصنيف بجودة مرتفعة، وينبغي أن تسمح تلك المصادر بالاتصالات المستمرة الهامة مع مستويات الإدارة العليا.

 

6- المصداقية: تشتق المصداقية إلى حد ما من المعايير السابقة بالإضافة إلى أن الاعتماد على تصنيفات مؤسسة التصنيف الائتماني من جانب أطراف مثل المستثمرون وشركات التأمين، والشركاء التجاريين، يعتبر دليلا على مصداقية التصنيفات التي تقوم بها مؤسسات التصنيف، كما أن مصداقية مؤسسات التصنيفات تعتمد على وجود إجراءات داخلية تمنع إساءة استخدام المعلومات السرية.

 

الملاءة المالية

 

إن الأساس الذي قامت من أجله وكالات التصنيف الائتماني هو إصدار تقارير تقييمية تعبر عن وجهة نظرها بحيادية حيال الملاءة المالية لدولة أو مؤسسة مالية ما وقدرتها على الاقتراض، اعتمادا في ذلك على المعلومات المتوفرة لتلك المؤسسة سواء كانت هذه المعلومات من المؤسسة نفسها أو من مكاتب التدقيق المعتمدة، أو من خلال التقارير التي تصدرها الحكومة والشركات الاستشارية المعتمدة في وقت زمني محدد.

 

وكما نعلم أن الملاءة المالية تعتبر متعددة ومتشعبة النواحي كما تعتبر من أكبر التحديات التي تواجه وكالات التصنيف الائتماني في تقييمها للدول والمؤسسات، وذلك لأنه لا توجد معادلة واحدة يمكن من خلالها تحديد مدى قوة أو ضعف الملاءة المالية والمتعلقة بعوامل الزمن والعملة والمكان ونوع السندات المصدرة والظروف الاقتصادية والسياسية المحيطة.