تقارير

بعد قرار فيتش..هل تعثرت الولايات المتحدة عن سداد ديونها سابقاً؟

 أثار تحذير وكالة فيتش حيال الديون الأمريكية تساؤلات ملحة حول الوضع في الولايات المتحدة وتداعيات هذا القرار، وما إذا كانت عملية تعثر سيادي عن السداد تلوح في الأفق، وهل حدث هذا الأمر من قبل؟

في البداية، من الهام توضيح قرار وكالة التصنيف الائتماني “فيتش” حول الوضع المالي في الولايات المتحدة، حيث خفضت النظرة المستقبلية للديون الأمريكية من مستقرة إلى سلبية.

وأرجعت الوكالة قرارها إلى تدهور في المالية العامة للولايات المتحدة وغياب خطة موثوقة لضبط الأوضاع المالية، مع الإشارة إلى أن المستويات المرتفعة للعجز المالي والديون قد بدأت في تآكل نقاط القوة الائتمانية التقليدية لدى البلاد.

وجاء قرار “فيتش” عقب إعلان التقديرات الأولية لأداء الاقتصاد الأمريكي في الربع الثاني من العام، حيث أظهرت البيانات أن الناتج المحلي الإجمالي انكمش بوتيرة سنوية تبلغ 32.9 بالمائة.

لكن مع ذلك، لا تزال وكالة “فيتش” تُبقي على التصنيف الائتماني للولايات المتحدة عند “AAA“، مع حقيقة أن البلاد لديها أعلى ديون حكومية بمثل هذا التصنيف قبل الأزمة الحالية.

وتأتي هذه الخطوة في سياق احتدام معركة التحفيز التي أطلقها البنك المركزي والحكومة الأمريكية من أجل مكافحة التداعيات الاقتصادي التي خلفتها الأزمة الصحية “كوفيد-19”.

وساهم الدعم الذي قدمه الكونجرس الأمريكي في مساندة الاقتصاد خلال الأشهر الأخيرة، لكن المزيد من الإجراءات ستكون حاسمة في تحديد الطريق نحو التعافي، حيث يتم حالياً التفاوض حول حزمة جديدة بقيمة تريليون دولار.

وفي الوقت نفسه، كرر بنك الاحتياطي الفيدرالي هذا الأسبوع تعهد باستخدام كافة أدواته لدعم تعافي الاقتصاد، مع إبقاء معدلات الفائدة قريبة من الصفر وتوسيع ميزانيته العمومية.

وتتوقع “فيتش” أن تتجاوز ديون الحكومة العامة 130 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2021، مع احتمالية انكماش الاقتصاد الأمريكي بنحو 5.6 بالمائة هذا العام قبل أن يتعافى بنحو 4 بالمائة في العام القادم.

كما أن مكتب الميزانية في الكونجرس توقع في أبريل/نيسان الماضي أن يصل العجز الفيدرالي إلى 3.7 تريليون دولار خلال العام المالي 2020 والذي سينتهي في سبتمبر/أيلو المقبل.

وبالنظر إلى الوكالات الأخرى، فإن وكالة موديز لخدمات المستثمرين، أكدت على تصنيف الولايات المتحدة عند “Aaa“، وهو أعلى تصنيف لدى الوكالة، مع نظرة مستقبلية مستقرة في يونيو/حزيران الماضي.

كما أن وكالة “ستاندرد آند بورز”، والتي خفضت التصنيف الائتماني للبلاد إلى “AA+” في عام 2011 في أعقاب الأزمة المالية والكساد العظيم، لديها نظرة مستقرة على هذا التصنيف.

ويعني ذلك أن قرار فيتش هو المراجعة الوحيدة بالخفض من جانب وكالات الائتمان الرئيسية.

ويعتقد كبير الاقتصاديين في أكشن إيكونوميكس “مايك أنجلوند” خلال تعليقات مع وكالة رويترز، أن تتفاعل الأسواق سلباً مع هذه الخطوة.

وأضاف: “هذا القرار يقلل الثقة في الأسواق المالية الأمريكية ويدفع بعض الكيانات إلى الرغبة في بيع سندات الخزانة لذلك قد نرى بعض التراجع في العوائد على الرغم من أنه لا يتوقع أحد حقاً عن حالات التخلف عن السداد للديون الأمريكية”.

إذن؛ ما المقصود بعملية التعثر السيادي عن السداد أو “Sovereign Default“؟، هو عملية فشل دولة ما في سداد ديونها بما في ذلك الفوائد وأصل الدين.

لكن إذا كانت الدولة المدينة تقترض بعملتها المحلية – كما هو الحال في الولايات المتحدة – فهل هذه الاحتمالية قائمة؟، هذه مسألة شائكة بعض الشي.

وهنا يبزر تساؤل “هل تعثرت الولايات المتحدة عن سداد ديونها من قبل؟”، الإجابة بالنفي بشكل قاطع، حيث من المعروف أن الحكومة الأمريكية لم تتعثر عن سداد ديونها أو الوفاء بالتزاماتها في الموعد المحدد أبداً.

وكان عدم التعثر هذا هو أحد الأسباب بأن التدفقات الجماعية نحو الديون التي تتمتع بالجودة في العادة تنطوي على شراء سندات الخزانة الأمريكية، حيث إن الولايات المتحدة دفعت ديونها في الوقت الذي قالت فيه إنها ستدفعها بشكل متميز في تاريخ المقترضين السياديين.

لكن هناك بعض الآراء التي ترى حالات معينة في التاريخ الأمريكي تقترب من كونها عملية تعثر عن سداد الديون، بيد أنها كانت أشبه أكثر بكونها إعادة هيكلة للديون أو تخلف بعض الولايات والمدن محلياً عن دفع ديونها في موعد الاستحقاق.

ويشرح الاقتصاديين “كارمن راينهارت” و”كين روجوف” في كتابهما “هذه المرة تختلف” أربعة أمثلة على حالات يمكن النظر إليها كعملية تعثر عن السداد أو إعادة هيكلة للديون.

المرة الأولى في عام 1790: بعد فترة وجيزة من تشكيل أول حكومة فيدرالية للولايات المتحدة بموجب دستور عام 1787، أقر الكونجرس كما وقع الرئيس على قانون التمويل لعام 1790.

وقبل إصدار قانون التمويل، كان من المتوقع الفشل في سداد غالبية الديون، لكن بمجرد تمريره تم تحويل السندات الصادرة عن حكومة الاتحاد والتي كانت موجودة قبل الحكومة الفيدرالية إلى سندات فيدرالية جديدة.

وكانت وزارة الخزانة الأمريكية قد اقترضت في ذلك الحين ما مجموعه 21.5 مليون دولار كديون الحرب الثورية للولايات، لكن تم تأجيل دفع جزء من الفائدة على السندات والبالغة حوالي 6 بالمائة لمدة عشر سنوات حتى عام 1801.

المرة الثانية في الفترة من 1841 وحتى 1842: كانت في الواقع سلسلة من حالات التعثر عن السداد من جانب تسع حكومات ولايات أمريكية بما في ذلك ثلاث ولايات تنصلت من دفع ديونها تماماً.

المرة الثالثة في الفترة من عام 1884 وحتى عام 1873: كان هناك مجموعة من عمليات التعثر عن سداد الديون من جانب الولايات الأمريكية والمدن.

وفي المجمل تخلفت 10 ولايات عن سداد ديونها، مع حقيقة أن ولاية غرب فرجينيا كانت الأسوأ حيث ظلت تعمل على تسوية ديونها مع الدائنين حتى حلول عام 1918.

المرة الرابعة في عام 1933: أصدر الكونجرس قراراً مشتركاً لضمان قيمة موحدة للعملات الورقية والمعدنية الأمريكية عبر إلغاء بند الذهب، ما يعني بطلان حق الدائن في المطالبة بسداد الدين بالذهب.

ويمكن القول بأن هذا يشبه عملية تسييل الدين أكثر من كونه عملية تخلف عن السداد، لكن النزاع ظل قائماً حتى عام 1963 قبل تسويته.

وعلى صعيد آخر، يرصد تقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية “بي.بي.سي” ثلاثة أمثلة في تاريخ الولايات المتحدة تقترب من كونها تعثر عن السداد لكنها ليست كذلك في واقع الأمر.

وكان آخر هذه الحالات في عام 1979، عندمت تعثرت وزارة الخزانة الأمريكية عن غير قصد في سداد 122 مليون دولار بسبب ما قالت إنه خطأ كتابي.

ومع ذلك فإن هذا الخطأ – كان عبارة عن جزء صغير من الدين البالغ 800 مليار دولار في ذلك الحين – قد تم إصلاحه سريعاً بالرغم من تسببه في رفع تكلفة الاقتراض بنحو 0.6 بالمائة أو 6 مليارات دولار لكل عام.

أما عمليتي التعثر السداد الأخرى، فكانت في عام 1933 وفي عام 1790، وكلاهما شهد حصول الدائنون على أموال أقل مما يملكون، وهو ما اعتبره بعض الاقتصاديون بأنه عبارة عن تعثر عن السداد.