رغم الطبيعة العائلية والنخبة بالغة الثراء المسيطرةعلى الحياة التجارية والمصرفية فى الكويت ؛ دون تداخلات كبيرة أو شراكات في ملكيات البنوك، وهو ما يجعل أحاديث الاندماج أمراً صعباً، لما يمثله كل كيان تجاري من إرث عائلي. اتخذ بيتك خطوة جريئة يتحدى بها مجريات الواقع بالقطاع المصرفى الكويتى حيث أعلن عن اندماج مرتقب مع مجموعة البنك الأهلى فى البحرين
سادس بنك
قالت وكالة “موديز” إن الاندماج المحتمل بين بيت التمويل الكويتي “بيتك” ومجموعة البنك الأهلي المتحد في البحرين سينتج عنه أكبر بنك في الكويت وسادس أكبر بنك في الخليج من حيث الموجودات، بقاعدة أصول تصل إلى 85 مليار دولار.
وقفز سهم بيتك في سوق الكويت اليوم بنسبة 1.5%.لكن بيتك سيظل بعد الاندماج ثاني أكبر بنك إسلامي في العالم بعد مصرف الراجحي السعودي.
وأشارت موديز إلى أن الاندماج المحتمل سيستفيد من النمو القوي للمصرفية الإسلامية في الخليج، والذي سيظل أسرع من نمو البنوك التقليدية، لكنها لفتت إلى تحديات قد تواجه التكامل بين البنكين، نظراً للانتشار الجغرافي الكبير لعملياتهما.كما أنها ستغير الصورة العامة للمخاطر في بيتك، من حيث الملاءة والرسملة والربحية.
أحداث مثيرة
ولبيت التمويل الكويتى قصة مثيرة أيضا، فهو أكبر بنك إسلامي كويتي، وبين الأكبر إقليميا، وأدت المخاطرة والتوسعات غير المدروسة في شركات عقارية واستثمارية قبل الأزمة الى الإطاحة بقيادييه السابقين الذين تحكموا لسنوات طويلة في مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية.وقد بلغت المخصصات نحو 1.8 مليار دينار شُطب نصفها تقريبا.
وقبل 3 أعوام، شُكل تحالف من مجموعات عائلية كويتية لديها تاريخ قوي في عالم التجارة والمصارف، على رأسها المرزوق والغانم والنفيسي، لإحداث تغيير جذري في البنك وأعادته إلى موقعه الريادي الذي كاد يفقده بسبب الأزمة.
وتمكنت هذه المجموعات من تنظيف أغلب مشاكل البنك الآن، وهي تدرك أن النمو صعب أمام “بيتك” وغيره من البنوك الكويتية. ودفع ذلك الإدارة التنفيذية الجديدة للبحث عن فرص الدمج وخلق كيان مصرفي إسلامي ضخم، أشبه بما جرى في الإمارات بعد اندماج الخليج الأول وأبوظبي الوطني.
ويقول مازن الناهض الرئيس التنفيذي لبيت التمويل الكويتي إن “فرص النمو محدودة في الكويت.. ونحن ننظر كيف ممكن أن نحسّن من أرباح البنك عن طريق دمج أو شراء أو استثمار معيّن.. إذا وجدنا فرصة لها قيمة مضافة لمساهمي “بيتك” فأنا متأكد أنه سيتم استثمارها والموافقة عليها”.ويضيف أن البنك أعلن أكثر من مرة أنه مهتم بالتوسع، وكان لديه اهتمام سابقا بالسوق المصري ولكن الفرص حاليا غير متاحة.
ويؤكد أن البنك تغلب على مشاكل المرحلة السابقة الان ليعود بالربحية الى مستويات أفضل من حيث الاستدامة عما كانت عليه قبل الأزمة المالية.وكان “بيتك” حقق أعلى أرباح في تاريخيه في العام 2007عندما بلغت 275 مليون دينار.
ويفسر الناهض أنه بالنظر إلى ميزانية البنك في ذلك العام، يلاحظ أن هناك نحو 265 مليون دينار من هذه الأرباح، جاءت من استثمارات أو صفقات استثنائية وغير دائمة، فيما لو عدنا إلى نتائج العام 2016 لـ “بيتك” نجد أنه من أصل 165 مليون دينار أرباح حققها البنك، هناك نحو 123 مليون دينار أرباح مستدامة ومن عمليات تشغيلية مصرفية.
ويضيف أنه منذ وصوله الى الادارة التنفيذية وضع بالتنسيق مع مجلس الادارة أهدافا رئيسية، وهي التركيز على النشاط الرئيسي للبنك في التمويل والأعمال المصرفية لتكوين الأرباح المستدامة، وليس الاهتمام بالأرباح الناتجة عن بيع الأصول أو الأرباح غير المتكررة.
نادى مغلق
وعلى الرغم من أن البنوك الكويتية بمثابة ناد مغلق لنخبة العائلات الكويتية الفائقة الثراء، التي تتحكم في ملكيتها واستراتيجياتها،.إلا أن أرباحها مازالت أقل بـ25% مما حققته قبل الأزمة المالية وأسعارها مرتفعة نسبيا حيث تتداول على مضاعف للربحية قريب من 16 مرة وهو الأعلى إذا قارناه بالبنوك الخليجية.
يذكر أنه إلى جانب العائلات المتواجدة في قائمة كبار الملاك في البنوك الكويتية وفي مجلس الإدارة، إلا أن الحكومة الكويتية عبر مؤسساتها تمتلك نسبة مؤثرة في أغلب الأسهم المصرفية بملكيات تصل إلى ملياري دينار أو نحو 6.6 مليار دولار، تعادل نحو 66% من إجمالي الحكومة في البورصة، لكن يُنظر دائما للمشاركات الحكومية في مجالس إدارات البنوك على أنها مشاركات صامتة تكتفي بالحصول على العوائد من التوزيعات السنوية.
قصة خاصة
وللبنوك الكويتية قصة خاصة، فهي حافلة بالأحداث منذ الأزمة المالية في العام 2008، فرغم أنها ناد مغلق لنخبة العائلات الكويتية الفائقة الثراء، التي تتحكم في ملكيتها واستراتيجياتها، إلا أن الأزمة غيرت كثيرا من خارطة ملاكها وفرضت تحولات جديدة في نموذج أعمالها.
ففي حصاد الـ9 سنوات من عمر الأزمة، لا تزال ذاكرة السوق حاضرة حول بنك الخليج، الذي كاد أن يُفلس في بداية الأزمة لولا تدخل الحكومة السريع لإنقاذه، ليستمر الآن بملكية رئيسية لعائلة الغانم، رغم أنه انتقل من قيادة بسام الغانم الى قيادة ابن أخيه عمر قتيبة الغانم الذي يرأس البنك حاليا، علما أن إنقاذ الحكومة تحول إلى ملكية في أسهم البنك بـ18.3%.
في الواقع، أن البنوك الكويتية حجزت مخصصات ضخمة منذ بداية الأزمة بلغت 6.3 مليار دينار أو نحو 21 مليار دولار، شطبت نصفها تقريبا، وأكبر هذه المخصصات كانت لدى “الخليج” و”الوطني” وبيت التمويل الكويتي.
الكويت الوطنى
في الأزمة أيضا عائلات استفادت من سقوط مجموعات استثمارية في مأزق الديون، حيث تمكنت مجموعة بنك الكويت الوطني التي تقودها أكبر العائلات الكويتية من السيطرة على حصة رئيسية في بنك بوبيان، ليصبح للمجموعة ذراعا إسلامية محلية.وكاد البنك، الذي كانت تقوده مجموعة دار الاستثمار الإسلامية، أن يشهد أزمة حادة بعد أن تراكمت ديونه المتعثرة.
ومن مفارقات “بوبيان” أن المواطنين اكتتبوا فيه عند تأسيسه بنسبة 80% من عدد الكويتيين آنذاك، كما صرحت اللجنة التأسيسية، ليستقر أخيرا في حضن المجموعات العائلية الكبرى التي نظفته من مرحلة دار الاستثمار وأعادته للحياة مرة أخرى.
ومن العائلات الرئيسية في “الوطني”: الخرافي والصقر والبحر والخالد والفليج والحمد والساير، وهي ممثلة في مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية.
البنك التجاري الكويتي
الحال نفسه تكرر في بنك التجاري الكويتي الذي انكشف بشكل كبير على الشركات الاستثمارية، وعانى منذ بداية الأزمة من قروض متعثرة، شطب منها ما يقارب 700 مليون دينار، كما يقول لـ”العربية” رئيس البنك علي الموسى، الذي جاء للإدارة عقب تغييرات عديدة في قياديي البنك منذ بداية الأزمة.
ويرى الموسى أن هناك دورا كبيرا للمساهمين الرئيسيين في البنك، فهم تحملوا برضاء تام منهم شطب هذه الملايين التي خرجت من الميزانية، ويعتبر ذلك “حلما لإدارة أي بنك”، فالقاعدة أن المساهمين يبحثون عن الأرباح، ولكن مساهمي البنك متفهمون للأوضاع وهم الآن يجنون نتيجة هذه السياسة حيث إن نسبة القروض غير المنتظمة من إجمالي القروض 0.5%، وما جعل نسبة المخصصات المحجوزة مقابل القروض غير المنتظمة تتخطى 1000%، أضف الى ذلك أن البنك يسترد سنويا جزءا من المخصصات.
وتعتبر مجموعة الشيخ سالم العلي السالم الصباح، المستثمر الرئيسي في بنك التجاري عبر ذراعها الاستثمارية شركة الشرق القابضة التي تعد أكبر مالك بنسبة 23%، وهي الوحيدة الظاهرة في قائمة كبار الملاك حسب بيانات البورصة الكويتية.
توسعات سابقة وتحديات
في الواقع أن التوسع لاستدامة الأرباح هو حل للبنوك الكويتية التي تواجه منافسة صعبة محليا بسبب عدد السكان المحدود نسبيا حيث لا يتجاوز 4 ملايين نسمة، بينما تتنافس في السوق 10 بنوك متوزعة مناصفة بين الاسلامية والتقليدية، ولديها تحديات في المنافسة مع 12 فرعا لمجموعات مصرفية اقليمية وعالمية داخل الكويت، أخذت تستحوذ على حصص من تمويل الشركات والمشاريع الرأسمالية.وفي ظل كل التحديات الداخلية، دخلت العائلات المالكة لهذه البنوك في تحديات أكبر عند توسعها خارج الحدود الكويتية حيث يفترض العمل بإحتراف وبمعايير دولية أو التكيف مع نموذج أعمال الأسواق التي دخلتها، خصوصا الاقليمية منها الغارقة في المشاكل السياسية.
الأهلي الكويتي
ففي الفترة الأخيرة، توسع بنك الأهلي الكويتي نحو السوق المصرية مستحوذا على بنك بريوس، في أول توسع للبنك خارج الكويت.
ولعائلة بهبهاني نسبة رئيسية في “الأهلي” تقارب 40%، وهي تديره منذ سنوات، وأيقنت بضرورة التحول نحو الخارج بعد دخول الرئيس التنفيذي ميشال العقاد في الادارة، آتيا من الادارة التنفيذية لبنك الخليج.
والعقاد مؤمن بالتوسع الجديد وبمستقبل أقوى لبنكه، وحتى أنه بدأ يغير في الخدمة المقدمة للعملاء محليا بعد أن كان البنك مركزا على قطاع الشركات.
مجموعة برقان
ولكن سبق “الأهلي الكويتي” بنوك عدة بالتوسع نحو الخارج، على رأسها مجموعة بنك برقان التي تتبع مجموعة مشاريع الكويت القابضة (كيبكو)ويرأسها الشيخ حمد صباح الأحمد الصباح، ويقود العمليات التنفيذية فيها نائبه فيصل العيار.
ومجموعة برقان المصرفية متوسعة في أسواق اقليمية عبر بنوك تابعة في العراق والأردن والجزائر وتونس وتركيا، ورغم نموها المتواصل الا أنها تعاني مؤخرا من تحديات السياسة في دول انتشارها ومن تقلبات العملة في تركيا، تماما كما يعاني “بيتك” المتواجد هناك أيضا، علما أن “بيتك” توسع سابقا أيضا نحو اندونيسيا والبحرين واخيرا نحو المانيا.
ومثل “برقان” و”بيتك”، يعاني بنك الكويت الوطني من تقلبات العملة المصرية عبر بنكه هناك، علما أن “الوطني” متواجد أيضا في البحرين وخرج من قطر مؤخرا لعدم قدرته على زيادة حصته في بنك قطر الوطني فوق 50%، ولأسباب متعلقة بنموذج أعمال المصارف القطرية المغلق نسبيا أمام توسع الأجانب.
عائلات جديدة
وأمام تحديات الخارج، تظل تحديات المنافسة الداخلية راهنة ومؤثرة كون نسبة أرباح البنوك من السوق المحلية تبقى الأكبر.
وفي الفترة الأخيرة، دخلت مجموعة عائلية جديدة على خط المنافسة المصرفية لتصعب المهمة أكثر حيث أبدت مجموعة الساير القابضة اهتماما في تملك 16% من بنك وربة وحصلت على موافقة من بنك الكويت المركزي لتجميع هذه النسبة من البورصة الكويتية .
ويعتبر هذا البنك أحدث المنضمين الى سوق المصارف، وقد نشأ قبل 7 سنوات بقانون لكسر الاحتكار العائلي للبنوك كما ادعى تكتل العمل الشعبي المعارض الذي قدم اقتراح قانونه، كاشفا عن صراع سياسي تواجهه البنوك أيضا.
ورغم أن المواطنين امتلكوا 50% منه عند التأسيس، كما فرض ذلك القانون، الا أن التجربة التاريخية في القطاع المصرفي أظهرت الحاجة دائما الى مجموعات عائلية لتقود البنوك أو تفشل في المنافسة في سوق يغلب عليها النظام العائلي في البزنس، علما أن بعض التجارب العائلية فشلت ودفعت البنك المركزي للتدخل وتغيير ادارتها أو ابعاد رؤسائها أو مراقبتها من الداخل.
ويشبه رئيس مركز الجمان للاستشارات الاقتصادية ناصر النفيسي بنك وربة بـ”اليتيم”، ويقول أنه كان مقتنعا بأنه لا يمكن للبنك أن يستمر من دون دخول مستثمرين استراتيجيين لقيادته وتمكينه من المنافسة.
وقد تمكنت مجموعة الساير من تملك نحو 9% حتى الآن عبر البورصة، وسط تفاؤل من المساهمين قفز بسعر السهم بنسبة 67% منذ 18 اكتوبر الماضي. فالمجموعة تعتبر من بين أكبر المجموعات العائلية الناجحة في السوق الكويتية وتدير استثمارات في قطاعات عدة أبرزها الوكالة الحصرية لسيارات تويوتا موتورز اليابانية.
وحسب مصادر مسؤولة في المجموعة فإنها مهتمة في أن يكون لديها ذراعا مصرفية تضمها لشبكة أعمالها متوقعة مستقبلا واعدا لـ”وربة”، حيث يمكن للمصرف أن يخلق تكامل Synergy في تمويل القطاعات الاستهلاكية لديها.
ويقول الرئيس التنفيذي لبنك وربة شاهين الغانم ” نحن سعداء في أن يحصل البنك على اهتمام من مستثمر استراتيجي وهذا دافع لنا كبير وسوف يدعم تواجد البنك في السوق الكويتي “.
أضف تعليق