تقارير

بعد البريكست .. “أوقات عصيبة ” تنتظر الاقتصاد البريطانى فى 2017

نجح الاقتصاد البريطاني خلال العام 2016 في الإفلات بجدارة من الركود رغم قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي، الذي تم التصويت عليه في منتصف العام، وذلك بحسب المؤشرات التي توافرت حتى نهاية العام، إلا أن المخاوف لا تزال قائمة بشأن أداء الاقتصاد خلال العام 2017 بسبب أن لندن قد تبدأ الإجراءات الفعلية للخروج من الاتحاد وهو ما يدفع أغلب المراقبين إلى ترجيح أن يتأثر الاقتصاد سلباً.
وكان 52% من البريطانيين قد صوتوا في استفتاء عام جرى يوم الثالث والعشرين من يونيو الماضي من أجل الخروج من الاتحاد الأوروبي، بينما أيد 42% فقط من البريطانيين البقاء في الاتحاد، فيما انشغل المحللون الاقتصاديون في توقعات بشأن تأثيرات الخروج على الاقتصاد البريطاني، بينما لم يتضح حتى الآن متى سيتم الانفصال فعلياً عن الاتحاد الأوروبي.
مؤشرات التفاؤل

وواصل الاقتصاد البريطاني تسجيل النمو الايجابي بعد الاستفتاء، حيث تبين أن الشهور الثلاثة المنتهية في آخر سبتمبر 2016 كانت إيجابية على الاقتصاد، وهي أول ثلاثة شهور تلي نتائج الاستفتاء، إذ سجل الاقتصاد الكلي في بريطانيا نمواً بنسبة 0.6%، بحسب ما أعلن مكتب الاحصاءات الوطني في لندن.
ويودع البريطانيون العام 2016 مع استمرار التوقعات بأن يكون الاقتصاد قد سجل خلال العام نمواً بنسبة 2%، وهي النسبة التي إن تحققت فسوف يكون الاقتصاد قد تجاهل كلياً المخاوف التي نتجت في أعقاب التصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي.

ووفقا لتقديرات مكتب الإحصاء البريطانى فقد نما اقتصاد المملكة المتحدة بوتيرة فاقت التقديرات السابقة خلال الثلاثة أشهر التالية على تصويت البلاد لصالح الانسحاب من الاتحاد الأوروبي نهاية يونيو/ حزيران الماضي، وهو ما يدحض التكهنات التي أشارت إلى احتمال حدوث تباطؤ كبير عقب الاستفتاء.

وقال مكتب الإحصاءات البريطاني إن اقتصاد المملكة المتحدة نما بنسبة 0.6% خلال الربع الثالث وهي ذات الوتيرة التي نما بها خلال الربع الثاني، لكن التقديرات الأولية للنمو خلال الربع الماضي بلغت 0.5% فقط.وعلى أساس سنوي، تم تعديل بيانات النمو خلال الربع الثالث بالرفع إلى 2.3% مقارنة بالقراءة السابقة عند 2%.

وأشار مكتب الإحصاءات في بيانه، إلى أن النمو جاء مدفوعاً إلى حد كبير بتحسن الإنفاق الاستهلاكي الذي عوض جزءًا من الأداء الضعيف للصادرات البريطانية.

وارتفع الجنيه الاسترليني مقابل الدولار بعد نشر البيانات. وبلغ الاسترليني أدني مستوياته في سبعة أشهر مقابل العملة الأمريكية في وقت سابق من اليوم.

لكن البيانات الصادرة اليوم لا تظهر أي مؤشر على أن الانخفاض الحاد للاسترليني بعد التصويت على الانفصال دعم الصادرات فبينما تداعت التجارة بشكل واضح زاد النمو بقيادة الطلب من المستهلكين المحليين أكثر مما كان يُعتقد في السابق.

بوادر إيجابية

البوادر الإيجابية كانت  حاضرة بالمشهد البريطاني فقد أظهرت بيانات رسمية أن استثمارات الشركات البريطانية زادت بأكثر من المتوقع في الربع الثالث من العام الجاري، في الوقت الذي نما فيه الاقتصاد بقوة بعد التصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي في استفتاء يونيو، وقال مكتب الإحصاءات الوطنية إن استثمارات الشركات زادت بمعدل فصلي يبلغ 0.9% في ثلاثة أشهر حتى سبتمبر، لتفوق التوقعات بزيادة بنسبة 0.6%، وأكد مكتب الإحصاءات الوطنية نمو الاقتصاد البريطاني 0.5% في الربع الثالث، على أساس فصلي، مدعوماً بانتعاش الصادرات وإنفاق قوي للمستهلكين، وبينما يمثل هذا أداءً أفضل بكثير عما كان يتوقعه غالبية الاقتصاديين في أعقاب تصويت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي في يونيو، مازالت هناك اختبارات أكثر صعوبة في الانتظار العام المقبل.

ورغم أن الأرقام تظهر نمواً أفضل من المتوقع بنسبة 2,1% هذا العام، لكن تظل توقعات التراجع قائمة بانخفاض النمو إلى 1,4% في عام 2017، ليعود إلى 2,1% في عام 2019، واعتبر النائب المحافظ جون ريدوود، أحد مؤيدي الانفصال، أن هذه الأرقام تثبت أنه لا يوجد أي ركود بعد الاستفتاء، خلافاً لتوقعات البعض، وأشار إلى أن مكتب مسؤولية الموازنة “ربما لا يزال مخطئاً تماما في ما يتعلق بعام 2017″، متوقعاً أداءً اقتصادياً جيداً، ورفضت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي التأكيد إن كانت ستسعى إلى احتفاظ بلادها بحرية التعامل مع السوق الأوروبية المشتركة أو الاتحاد الجمركي، في مفاوضات المغادرة التي تريد إطلاقها بنهاية مارس، لكن تشديدها على إلغاء حرية تنقل الأفراد التي تشكل مبدأ جوهرياً للسوق الموحدة، أثار تكهنات بشأن انفصال بريطانيا التام عن الكتلة وحالة من عدم اليقين.

تحذيرات

و حذر اقتصاديون من أن الضغوط التي يتعرض لها الإنفاق الاستهلاكي جراء ارتفاع معدلات التضخم قد تؤثر على النمو خلال العام المقبل. ونقلت وكالة “رويترز” للأنباء عن اقتصاديين تم استطلاع آرائهم أنهم يتوقعون أن ينخفض النمو الاقتصادي في العام 2017 إلى 1.1%، أي إلى نحو نصف النمو الذي سيكون الاقتصاد قد حققه في العام 2016.
وقال كبير الاقتصاديين لدى “إنفستك” فيليب شو “إن ستة شهور مضت حتى الآن منذ التصويت لمصلحة الانفصال البريطاني، ومن الواضح أن عام 2017 من المرجح أن يكون مليئا بالتحديات للاقتصاد، وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بتقييم الاختلالات التقليدية في ميزان المعاملات الجارية وإنفاق الأسر”.
وقال جيريمي براون المبعوث الخاص لمؤسسة حي المال في لندن إلى أوروبا “إن نحو 10 في المائة من الوظائف في الحي المالي تعتمد على المصارف وغيرها من الشركات المالية التي لديها إمكانية وصول كامل إلى السوق الأوروبية الموحدة”.
لكنَّ المسألة الأهم في هذا المجال هو أن بريطانيا لم تخرج فعلياً من الاتحاد، ولم تبدأ إجراءات الخروج، كما لم تعلن جدولاً زمنياً للخروج كما لم تتضح تفاصيل المحادثات الجارية بين لندن ودول الاتحاد، وهو الأمر الذي دعا الكثير من المحللين إلى إبداء القلق حيال أداء الاقتصاد البريطاني في العام 2017. فالمساحة الزمنية لمفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي, قد تستغرق عامين كاملين, بدء من الإعلان عن تفعيل المادة (50) من معاهدة لشبونة , وحتى الانتهاء من المفاوضات تماماً ولكن تداعيات البريكست  قد بدأت فى الظهور ويمكن استقرائها من خلال إلقاء الضوء على الاقتصاد البريطانى

تحتل بريطانيا  الترتيب الرابع من حيث المساهمة فى ميزانية الاتحاد الأوروبى بعد (ألمانيا, وفرنسا, وإيطاليا), بإجمالي مساهمة 17.8مليار يورو, وبعد تطبيق  خصم المساهمة, والمنفق على برامج التمويل مثل قطاعا(السياسة الزراعية المشتركة  بقدر 4.9مليار يورو, والقطاع العام بقدر 4.4 مليار يورو ) ليصبح صافى مساهمة بريطانيا8.5 مليار يورو. وتظل بريطانيا عضو فى الاتحاد الأوروبى, ومساهماً في ميزانيته, حتى انتهاء مفاوضات الخروج, والتي تستمر بحد أقصى عامين من تفعيل المادة 50 من اتفاقية لشبونة. ومن خلال الأوضاع الاقتصادية القائمة بين الاتحاد الأوروبى وبريطانيا, يعتمد الناتج المحلى- الإجمالي البريطاني بنسبة 12.6على الصادرات لدول الاتحاد الأوروبى, مقارنة بـ3.1من نسبة الناتج المحلى الإجمالي، ناتجة عن صادرات 27 دولة أخرى إلى بريطانيا, فضلا عن 60% من إجمالي التجارة في بريطانيا مرتبطة بعضويتها في الاتحاد الأوروبى, والتي تمكّن بضائعها من دخول سوق الاتحاد الأوروبى – والذي يتجاوز حجمه الـ500 مليون نسمة، إضافة إلى إتاحة الوصول لـ 53 سوقاً خارج الاتحاد  الأوروبي. يضاف لما سبق، أن نحو 44% من إجمالي صادرات بريطانيا تذهب لأسواق الاتحاد الأوروبى. عقب إعلان نتيجة الاستفتاء وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى, انخفضت قيمة الجنيه الإسترلينى بمعدل10%, صاحب انخفاض قيمة العملة, ارتفاع أسعار السلع  للمستهلكين البريطانيين, مع زيادة معدلات التضخم

 

العمالة والوظائف

تتعدى تداعيات بريكست على حجم العمالة  والقدرة على خلق فرص عمل ووظائف، سواء داخل بريطانيا أو المقيمين في دول أوروبا داخليا، حجم العمالة مرتبط بالأوضاع الاقتصادية من ناحية ,ومدى منافسة العمالة الأوروبية لها من ناحية أخرى.وحسبما أعلن المكتب الوطني للإحصاء في بريطانيا عن زيادة في حجم العمالة الأوروبية -في بريطانيا- بقدر (221000) عامل, وذلك خلال الفترة  من يوليو 2015 وحتى سبتمبر2016,ليصل إجمالي حجم العمالة من أصول أوروبية 2.26مليون حتى سبتمبر[7]2016. أما عن حجم العمالة غير الأوروبية, والتي تعمل أيضا في بريطانيا، فقد ارتفعت خلال نفس الفترة, بحجم (20000) عامل لتصل حجم العمالة 1.23مليون عامل. من هنا وفي حالة ترحيل هذه الإعداد من بريطانيا, وعودتها إلى دول أوروبا, يستبدل سوق العمل المحلى نفس الحجم. غير أن نجاح هذه الفرضية يتوقف على حجم العمالة المدربة والماهرة ومدى احتياج الاقتصاد البريطاني لها من ناحية, وحجم العمالة غير الماهرة من ناحية أخرى, والتي قد تكون محل نزاع في مفاوضات الخروج. في المقابل، أيضا مصير أكثر من (1000) موظف بريطاني يعمل في مؤسسات الاتحاد الأوروبى غير معروف. بالإضافة إلى ذلك فإن  (1.2) مليون بريطاني من المقيمين في دول أوروبا ,سوف تحدد مصير عملهم, وطبيعة حقوقهم, طبقا لما تتفق عليه بريطانيا مع الاتحاد الأوروبى.

 

أهم التداعيات الاقتصادية المرتقبة والحالية للبريكست :

 

1- انخفاض معدل النمو، ليصل إلى 2% في أكتوبر2016, ومرشح ليصل إلى 1.7% في2017.

 

2- انخفاض في القطاع الخدمي, وقطاع الإنشاءات, نتيجة لقلة الاستثمارات في ظل عدم التأكد السياسي والاقتصادي المصاحب لمصير المفاوضات.

 

3- يعانى تصنيع السلع الرأسمالية من نفس الانخفاض السابق.

 

4- قد يشهد قطاع صادرات التصنيع ارتفاعاً بسبب انخفاض قيمة الجنية, وهو ما يعزى إلى زيادة النشاط السياحي.

 

5-خسران برامج التمويل الإقليمية للاتحاد الأوروبى, والتي من أبرزها برامج السياسة الزراعية المشتركة, مما يسبب نقصاً في دعم المزارعين البريطانيين, والتي تلزم الحكومة البريطانية تعويضهم.

 

6-توقع زيادة مستوى الدين العام من 1.945تريليون في العام المالي 2019/2020, إلى 1.952تريليون في العام المالي 2021/2022, إلى جانب تقليل الإنفاق العام.

 

7- مكانة لندن كعاصمة المال الأهم في أوروبا, قد تشهد تحولا لصالح إحدى العواصم الأوروبية الأخرى مثل برلين, باريس, فرانكفورت, ودلل على ذلك الرأي مفوض الخدمات المالي- السابق- في الاتحاد الأوروبى “جوناثان هيل”، حين قال: (إنه بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، ستضطر البنوك إلى نقل أعمالها من لندن إلى فرانكفورت وباريس، فضلاً عن الفوضى والتخبط الذي سيشهدهما قطاع المال والأعمال..

 

8- صعوبة دخول البضائع البريطانية السوق الأوروبية الموحدة, بعد الخروج من الاتحاد الأوروبى, فضلا عن ارتفاع تكلفة الواردات بسبب الرسوم الجمركية.

 

وعلى الجانب الآخر، وفى محاولة للحد من تداعيات – بريكست- الاقتصادية, أعلنت الحكومة البريطانية نيتها لخفض ضريبة الشركات من 20%, لتصل إلى 17أو 15% عام2020.