يعد الاستهلاك الكثيف للطاقة محوراً للجدل بشأن العملات الرقمية، ولكن هناك ثورة خضراء جديدة تعتري “بتكوين” وأخواتها تعتمد على استخدام مصادر نظيفة في الحصول عليها.
فمن المشاكل الكبرى التي تواجه الـ«بيتكوين» ــ التي قد تقوض نجاحها في نهاية المطاف ما لم يتم علاجها ــ الكمية الهائلة من الطاقة اللازمة لعملية “تعدين” القطع النقدية. واستعارة لفظ التعدين هي استعارة مناسبة لأن الـ«بيتكوين» يتم إنشاؤها بواسطة أجهزة حاسب آلي متخصصة تبحث عن الرموز الصحيحة “مفاتيح التجزئة”، تماما مثل الحفر بحثا عن الذهب. ويستهلك هذا الحفر الإلكتروني مزيدا ومزيدا من الطاقة ومزيدا ومزيدا من الناس الذين ينقبون عن هذا الذهب الافتراضي. ووفقا لحسابات سيباستيان ديتمان في عام 2016 فإن هذا التعدين سيتطلب كثيرا من الكهرباء بحلول عام 2020 وبما يوازي استهلاك شعب الدنمارك كله حاليا. وهذه مجرد بداية حيث ستزداد خوارزمية تعدين الـ«بيتكوين» صعوبة أكثر وأكثر مع مرور الوقت، لأن عملية التعدين نفسها ستزداد شعبيتها. ومع ذلك، فإن هذا الأمر ليس بجديد، فكل تكنولوجيا ناشئة في العالم كان لها ثمن، والثمن في حالة “بتكوين” هو الكهرباء، ويجب الأخذ في الاعتبار أن القائمين على تعدين العملات الرقمية يستهلكون الكميات الهائلة من الطاقة في صيانة الشبكات وتخزين البيانات ومعالجة العمليات المعقدة في التعدين.حاول القائمون على تعدين “بتكوين” الحفاظ على مكتسباتهم وأرباحهم، وفي ظل الاستهلاك الكثيف للكهرباء، يتبقى لهم القليل بعد أنشطة التعدين.
يشهد استهلاك الطاقة على الصعيد العالمي ارتفاعا مستمرا كما تتزايد أسعار الوقود الأحفوري، وفي نفس الوقت، تتراجع تكلفة مصادر الطاقة المتجددة لدرجة أن بعض المناطق تواجه وفرة في الطاقة.انتبهت جهات تعدين “بتكوين” لهذا الأمر سريعا، و ورأت أن الحل الأفضل هو جعل الطاقة المتجددة هي البديل في عمليات التعدين هذه، لأن المشكل الأكبر هو أن معظم الطاقة المستخدمة في العالم لتعدين عملة البتكوين يتم توفيرها من الوقود الأحفوري، والتي هي من أشد أعداء البيئة.لاسيما وأن مصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح، والطاقة الشمسية، والحلول المائية أكثر انتشارا و تستعمل في مثل هذه العمليات، و تعدين البيتكوين في هذه الحلة يمكنه استخدام الطاقة بقدر ما يريد دون أن يسبب ذلك أي نوع من المشاكل البيئية على الإطلاق. لذا توجهت الصناعة إلى أماكن مثل آيسلندا وأوريجون وواشنطن وكندا للاستفادة من التكلفة الرخيصة لمصادر الطاقة المتجددة.على سبيل المثال، هناك بلدة “إيست ويناتاتشي” في ولاية “واشنطن” التي تضم خمسة سدود كهرومائية يتم توليد الطاقة منها عن طريق اندفاع المياه على التوربينات بتكلفة تعد من بين الأقل على كوكب الأرض.كانت الطاقة الفائضة عن البلدة تصدر سابقا إلى مدن أخرى مثل “سياتل” أو “لوس أنجلوس”، ولكن مع انتعاش أنشطة تعدين “بتكوين”، تم بناء منشآت للتعدين في المنطقة والاستفادة من هذه الكهرباء
كما ستقوم شركة Hadouken Pty Ltd بإنشاء مزرعة شمسية بقدرة 20 ميجاوات لتعدين العملات الرقمية في أستراليا، قدمت الشركة، التي يملكها Ben Tan، طلبًا لإنشاء عملية تعدين بيتكوين بقدرة 20 ميجا/ واط في Collie في أستراليا، وستعتمد الشركة فقط على الطاقة الشمسية لتشغيل هذه العمليات كثيفة الاستهلاك للطاقة حصلت الشركة بالفعل على موافقة التخطيط لبدء إنشاء المؤسسة في Collie، ومن الممكن أن يبدأ الموقع أيضًا في تخزين الطاقة الشمسية الزائدة من خلال نظام البطارية في المستقبل
هناك مشكلة في الطاقة الكهربائية الفائضة تكمن في عدم وجود تكنولوجيا تخزين كافية حيث توجد العديد من مشروعات الطاقة المتجددة، ولكن لا توجد بطاريات تسع الكهرباء الناتجة عنها بشكل كامل. وأفاد أحد الخبراء بأن مشكلة التخزين يمكن أن تنتهي، فبدلا من كبح أنشطة منتجي الطاقة المتجددة وإهدار الكهرباء الناتجة، من الممكن توجيهها إلى أنشطة تعدين العملات الرقمية والحصول على عائد مقابل ذلك.
في الوقت الذي اعتبرت فيه تكنولوجيا “بلوك شين” – التي يتم تداول العملات الرقمية عن طريقها – بمثابة منارة لامركزية لتوزيع الطاقة والمرافق، فإن مشروعات الطاقة النظيفة يمكن أن تستغل تعدين “بتكوين” في دعم منشآت الطاقة بوجه عام.على أثر ذلك، تُحل مشكلة تخزين الطاقة، وتظهر فائدة جديدة لتعدين “بتكوين” تكمن من خلال توفير عائد لمنتجي الطاقة المتجددة وزيادة مشروعاتها.
يتوقع مسؤولو البنك الدولي أن يرتفع حجم النفايات العالمية من 1.3 مليار طن إلى أربعة مليارات طن بحلول عام 2100 الأمر الذي يؤثر سلبا على الصحة العامة والبيئة.يتم التعامل مع هذه النفايات بطرق غير اقتصادية مثل الحرق والتخزين والمعالجة المكلفة للغاية، ولكن في الآونة الأخيرة، هناك جهود تُبذل للتحول إلى الوقود الحيوي من خلال تكنولوجيا تحويل القمامة إلى طاقة.يمثل هذا الأمر فرصة أخرى لجهات تعدين “بتكوين” من أجل استغلال التطور في تكنولوجيا الطاقة وظهور مصدر آخر للحصول على الكهرباء اللازمة للتعدين.
من هذا المنطلق، فإن “بتكوين” ليست شرا يحدق بالعالم، بل يمكن أن تكون فرصة لتطوير الإبداع في توليد الكهرباء من مصادر نظيفة متعددة.
أضف تعليق