استقرار الإنتاج عند 1.2 مليون برميل يمثل أعمق وأطول فترة توقف في النمو
الأسعار المنخفضة أضعفت نمو النشاط الصخري وأبطأت انتشاره
استراتيجية أوبك تحقق نجاحاً معقولا
أدى الازدياد السريع والكبير لإنتاج النفط الصخري في أميركا الشمالية دوراً مهماً في الدورة الحالية لتدهور الأسعار العالمية. وعلى رغم الدور المهم لهذا النفط غير التقليدي، لا يزال الغموض يكتنف هذه الصناعة الحديثة العهد. فما هو تأثير انهيار الأسعار في ربحية النفط الصخري؟ وما هو السعر الذي يحدد ربحية إنتاجه؟ وكم انخفض الإنتاج في أميركا الشمالية بسبب تدهور الأسعار؟
الولايات المتحدة
أن تطور صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة، على رغم حداثتها، ترك بصماته على أسواق النفط العالمية. ويذكر أن حجم احتياط البترول غير التقليدي في الولايات المتحدة، يُقدَّر بنحو 78 بليون برميل من النفط (ما يُعتبَر كافياً لاستهلاك الولايات المتحدة لـ 10 سنوات) و17 تريليون متر مكعب من الغاز (تفي باستهلاك الولايات المتحدة لنحو 20 سنة).
وتشير تقارير إلى أن إنتاج 4.2 مليون برميل يومياً من النفط الصخري في الولايات المتحدة العام الماضي، بالإضافة إلى 1.8 مليون برميل يومياً من سوائل الغاز الطبيعي و350 بليون متر مكعب من الغاز. لكن ، بدأ انخفاض النفط الصخري في الولايات المتحدة في ربيع هذا العام ويُتوقَّع استمرار انخفاض الإنتاج خلال الأشهر القليلة المقبلة. ويعود السبب الرئيس لانخفاض الإنتاج هذا إلى تقليص عدد الآبار التي تُحفَر نظراً إلى تدهور أسعار النفط ويلبى النفط الصخري يلبي نحو 60 في المئة من الاستهلاك الأميركي للنفط الآن.
اجتياز العاصفة
فاقت مرونة منتجو النفط والغاز الصخري في الولايات المتحدة كل التوقعات حيث استطاعوا تحقيق كفاءات تشغيلية إضافية في أنشطتهم وأعادوا توجيه منصات الحفر إلى أغزر القطاعات إنتاجا في الحقول القائمة.
فقد كانت قدرة قطاع النفط الصخري على خفض التكاليف والحفاظ على استمرار الإنتاج في مواجهة هبوط الأسعار هائلة وشهادة على روح المثابرة في تنظيم المشروعات والمهارات الفنية لدى شركات الإنتاج المستقلة.ونجح منتجو النفط والغاز الصخري فى اجتياز العاصفة الكاملة التي اجتاحت صناعتهم منذ منتصف عام 2014 بسلام.
غير أنه يجب ألا يخفي ذلك ما حدث من توقف للثورة الصخرية نتيجة انهيار أسعار النفط إذ تحول تركيز القطاع من النمو إلى مجرد البقاء.ولا مجال لتغيير مسار الثورة. ولا يمكن إغفال ما تم إتقانه من تقنيات. كما أن المحن أجبرت شركات الحفر في الحقول الصخرية على أن تصبح أكثر كفاءة.وإذا ارتفعت الأسعار فمن المرجح أن يبدأ إنتاج النفط والغاز الصخري في الزيادة من جديد بل ومن قاعدة تكاليف أقل.
تباطؤ فى نورث داكوتا
غير أن الأسعار المنخفضة في الوقت الحالي أضعفت نمو النشاط الصخري في الولايات المتحدة وأبطأت انتشاره في بقية أنحاء العالم.
في نورث داكوتا تباطأت الطفرة النفطية إذ أدت الأسعار المنخفضة إلى توقف النمو السريع في الإنتاج منذ نهاية 2014.ونما إنتاج النفط في الولاية في المتوسط بمعدل مركب 0.38 في المئة شهريا خلال الأشهر الاثنى عشرة الماضية وفقا للسجلات التي نشرتها إدارة الموارد المعدنية.
وعلى النقيض زاد الإنتاج بمعدل مركب يبلغ 2.37 في المئة شهريا في الاثنى عشرة شهرا التي سبقت بداية انهيار الأسعار في يونيو حزيران عام 2014.
ومنذ نهاية 2014 استقر الإنتاج على 1.2 مليون برميل يوميا فيما يمثل أعمق وأطول فترة توقف في النمو منذ بدأت ثورة النفط الصخري في الولاية عام 2005.
ولو استمرت الزيادة في الإنتاج بالمعدلات التي سبقت يونيو حزيران 2014 لكان الإنتاج الآن أكبر بمقدار 330 ألف برميل يوميا عند 1.52 مليون برميل في اليوم.
ويتساءل بعض المحللين عما إذا كانت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) تحقق النصر في حرب الأسعار التي تخوضها على المنتجين بتكلفة مرتفعة.
ويشير هؤلاء إلى مرونة الإنتاج في نورث داكوتا وتكساس باعتبارها دليلا على أن استراتيجية أوبك لم تحقق إلا نجاحا محدودا.
لكن المقارنة السليمة تكون بما كان سيحدث لو ظلت الأسعار على مستواها قبل يونيو حزيران 2014 متجاوزة 100 دولار للبرميل واضطرت أوبك لخفض إنتاجها في محاولة لتدعيم هذه الأسعار.في تلك الحالة كان إنتاج نورث داكوتا سيتجاوز على الأرجح 1.5 مليون برميل يوميا الآن ويصل إلى نحو 1.7 مليون برميل يوميا بنهاية عام 2015. فمن خلال السماح بهبوط الأسعار أوقفت أوبك نموا محتملا في الإنتاج الصخري في نورث داكوتا يتراوح بين 300 ألف و500 ألف برميل يوميا.
حجم الانتاج
بالنسبة للولايات المتحدة ككل كان إنتاج النفط الخام والمكثفات سيبلغ 11.3 مليون برميل يوميا بنهاية 2015 لو أنه استمر في الزيادة بالوتيرة التي كان عليها قبل يونيو حزيران 2014.وبدلا من ذلك تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن يبلغ الإنتاج في نهاية العام نحو تسعة ملايين برميل يوميا.
وتبين الفجوة التي تزيد على مليوني برميل بين الإنتاج الفعلي والإنتاج بوتيرة ما قبل يونيو حزيران 2014 لماذا لم يكن من الممكن أن تبقى الأسعار أعلى من 100 دولار وأن الانهيار كان ضروريا لإعادة التوازن إلى السوق.
وفي حالة أسعار النفط والثورة الصخرية كان الإنتاج الأمريكي يسير في مسار لا يمكن أن يستمر لذلك انخفضت الأسعار وتوقف هذا الاتجاه.كذلك فإن فارق المليوني برميل يمثل مؤشرا على نجاح أوبك في وقف نمو إنتاج النفط الصخري ودفع سوق النفط إلى مسار جديد.
ديون النفط الصخري
لكن ملفا ماليا نفطيا ساخنا يمكن أن يشعل أزمة في سوق الديون الأميركية ، حيث ومع تراجع الوادرات ارتفعت ديون شركات النفط الصخري الى 235 مليار دولار، وتعاني هذه الشركات من عجوزات مالية تضطرها الى مبادلة سندات مستحقة بأخرى بخصومات تصل الى 30% او 70 سنتا للدولار.فالاقتراض وإصدار السندات، وهما الأداتان الماليتان اللتان استخدمتهما شركات النفط الصخري في التوسع وزيادة إنتاجها في السنوات الثلاث الماضية، هما نفسهما الأداتان اللتان باتتا تهددان استقرارها ووجودها اليوم.
وفي ذات السياق، كشف تقرير لوكالة “بلومبورغ” أن شركات النفط الصخري قامت باستقطاع جزء كبير من أرباحها لسداد فوائد هذه الديون.
وبدأت الديون تضغط على التصنيف الائتماني لشركات النفط الصخري المستقلة، التي في الغالب ما تكون صغيرة إلى متوسطة الحجم، في وقت خفضت وكالة التصنيف الائتماني “ستاندارد آند بورز” تصنيفاتها لائتمان 45 شركة الى “خردة” أو “مضاربة”.
ويرى مراقبو القطاع أن غالبية شركات النفط الصخري تبحث عن طوق نجاة وهي تعاني من مشكلة سيولة كبيرة، وخفضت شركات الطاقة الأميركية الإنفاق.
الأرجنتين
وتملك الأرجنتين ثاني أكبر احتياطات الهيدروكربونات غير التقليدية،. فالاحتياط المحتمل يُقدَّر بنحو 27 بليون برميل من النفط الصخري (كافٍ للاستهلاك الداخلي الأرجنتيني لـ 100 سنة) و22 تريليون متر مكعب من الغاز الصخري (يفي بالاستهلاك الداخلي الأرجنتيني لـ 400 سنة). ويوجد هذا الاحتياط الضخم في حوض فاسا موريتا. وحُفِرت حتى الآن 300 بئر. ويبلغ الإنتاج الحالي لكونسورتيوم يضم «شيفرون» و «الشركة البترولية الفنزويلية» نحو 50 ألف برميل يومياً من النفط الصخري ونحو 1.5 بليون متر مكعب سنوياً من الغاز الصخري.
ومن المتوقع زيادة كميات الإنتاج في شكل ملحوظ خلال السنوات المقبلة، خصوصاً لأن ربحية الغاز ممكنة عند سعر سبعة دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. وتواجه الأرجنتين ثلاثة تحديات: إقناع المواطنين بقبول إنتاج النفط الصخري، وتخفيض الدعم الحكومي للمحروقات، وتغيير القوانين والنظم الضريبية لجذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية.
الصين
كما أن الصين دولة واعدة في مجال الهيدروكربون غير التقليدي، خصوصاً لاحتياطات الغاز الصخري، إذ تُقدر الاحتياطات الغازية بنحو 31 تريليون متر مكعب (كاف للاستهلاك الداخلي لـ 160 سنة)، وتُقدَّر احتياطات النفط الصخري بنحو 32 بليون برميل (تفي بالاستهلاك الداخلي الصيني لثماني سنوات). وبدأت عمليات الاستكشاف والإنتاج بإشراف شركة «سينوبك» الصينية. وبدأ إنتاج الغاز الصخري في إقليم سيشوان بمعدل خمسة بلايين متر مكعب سنوياً.
وتقدّم القيادة السياسية الصينية دعماً واسعاً إلى التطوير المستقبلي لصناعة الهيدروكربون غير التقليدي. لكن الأهداف المستقبلية طموحة جداً، فالهدف هو إنتاج 30 بليون متر مكعب سنوياً بحلول 2020. وتُغيَّر القوانين المرعية لتشجيع الاستثمار في الاستكشاف والإنتاج. وتشمل التعديلات التسعير والامتيازات لاستعمال شبكات أنابيب الغاز. ويشير تقرير المعهد الفرنسي إلى أن الهدف من تكثيف إنتاج الغاز الصخري هو مساعدة البلاد في تحقيق خططها في تقليص انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون من خلال إحلال الغاز محل الفحم الحجري في إنتاج الكهرباء، والمساعدة في تطوير الصناعات، والمساهمة في تحقيق استقلال البلاد في الطاقة. لكن، وفق التقرير، ستواجه الصين صعوبات، منها الجيولوجيا المعقدة للبلاد، وصعوبة الحفر في بعض الأحواض. وثمة إمكانات محدودة في مجال المياه المطلوبة في الاستخراج، كما لا تتوافر البنى التحتية اللازمة.
انتصار أوبك
مازال العرض أكبر من الطلب في سوق النفط غير أنه لو لم تنخفض الأسعار بأكثر من النصف منذ منتصف عام 2014 لكانت الزيادة في المعروض أسوأ كثيرا.
وقد حققت استراتيجية أوبك التي هي في واقع الأمر استراتيجية سعودية -تقوم على إبقاء الإنتاج على مستواه وإرغام دول أخرى على تعديل إنتاجها- نجاحا معقولا وما من سبب يدعو للانقطاع عنها.
لكن بينما يكافح معظم المنتجين الصخريين عند انخفاض الأسعار دون 50 دولارا للبرميل فإن كثيرين منهم على استعداد لبدء زيادة الإنتاج ما إن يصل سعر الخام الأمريكي إلى 60 أو 70 دولارا للبرميل الأمر الذي سيؤدي إلى تدهور وضع الزيادة في المعروض في الأجل القصير.وإنتاج النفط الصخري متوسط التكلفة على الأقل في أغزر الحقول مثل باكن وايجل فورد وبرميان.
كفاءة التشغيل
ومن خلال زيادة كفاءة التشغيل ضيق منتجو النفط الصخري على المنتجين من مصادر غير صخرية ومن غير أعضاء أوبك في بحر الشمال والدائرة القطبية الشمالية وأعماق البحار والمشروعات العملاقة والمناطق الجديدة بالإضافة إلى الأعضاء الأضعف في أوبك في أمريكا اللاتينية وأفريقيا لتحمل قدر أكبر من التعديل في الإنتاج.
و قال رئيس شركة النفط الأميركية كونوكو فيليبس إن طفرة النفط الصخري الأميركي ستظل باقية رغم انخفاض أسعار الخام، حيث سيتيح التقدم التكنولوجي خفض التكلفة بشكل كبير.
وأضاف رئيس مجلس إدارة الشركة ورئيسها التنفيذي ريان لانس “إن احتياطات النفط المحكم قد تستمر” موضحا أن التكاليف التي تحقق نقطة التعادل لإنتاج النفط الصخري تراجعت بنسبة تتراوح بين 15% و30% في الأشهر الماضية، وقد تنخفض من 15% إلى 20% أخرى بحلول 2020.
وقال لانس “إذا استقرت الأسعار وبدأت في التحسن قليلا أعتقد أن منصات الحفر ستبدأ في الزيادة في 2016 و2017 وتوفير المزيد من الإمدادات”.
تحديات تواجه النفط الصخرى
- إمكان الحفاظ على مستوى الإنتاج على رغم تدهور الأسعار
- التأكد من تخفيض أسعار الخدمات الهندسية والمعدات
- تواجه الولايات المتحدة في المستقبل المنظور، تشمل تطوير صناعة الغاز الصخري المسال
- التوصل إلى اتفاقات داخلية للسماح بتصدير النفط الصخري إلى الأسواق العالمية
- تطوير وسائل النقل والبنى التحتية المرادفة لعمليات الإنتاج والتصدير
- وأخيراً تحسين الوسائل التقنية لإنتاج النفط الصخري، من أجل تخفيض تكاليف الإنتاج والحفاظ على البيئة.
أضف تعليق