تقارير

المشاريع الإفريقية ..طوق النجاة لاقتصاد المغرب

رغم الثغرات ..السياسة الاقتصادية المغربية في المسار الصحيح

 

يطرح ازدهار صناعة أجزاء السيارات والطائرات أمثلة على نجاح السياسات الاقتصادية المغربية في أكثر من مجال، حقق المغرب بالفعل قفزة هامة لا تقتصر على معدلات نمو جيدة بحدود 3 إلى 5 بالمائة خلال السنوات القليلة الماضية، بل تشمل أيضا تنويع اقتصاده من خلال ترسيخ أقدام قطاعات جديدة في مقدمتها صناعة السيارات وصناعة أجزاء ومكونات الطائرات ، والطاقات المتجددة والاتصالات. وعلى سبيل المثال وصلت صادرات السيارات ومكوناتها إلى الأسواق الأفريقية والأوروبية إلى 3.5 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2015، أي ما يزيد على الصادرات الزراعية التي وصلت إلى 3.1 مليار دولار خلال نفس الفترة.

 

مسيرة التنويع

الملفت للنظر في مسيرة تنويع الاقتصاد المغربي أنّ تعزيز الصناعات الجديدة لا يتم على حساب القطاعات التقليدية كالزراعة والأنسجة والحرف والسياحة. فهذه القطاعات تستفيد بدورها من تحديث البنية التحتية والحوافز الضريبية والجمركية والترويجية والقروض الميسرة التي تقدمها الدولة. تعود بدايات التنوع الذي يدخل الاقتصاد المغربي من أبواب واسعة إلى بداية الألفية الحالية عندما وضعت حزمة دراسات وخطط ومشاريع وقوانين متنوعة. وقد ركزت تلك الحزمة بعد وصول الملك محمد السادس إلى السلطة على توفير البنية التحتية واللوجستية لصناعات و خدمات تقوم على أنّ المغرب يتمتع بميزات تنافسية مثل رخص قوة العمل والقرب من الأسواق الأوروبية والأفريقية والتسهيلات الضريبية، إضافة إلى جملة من اتفاقيات الشراكة والتجارة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أفريقية عديدة. ومع اندلاع ما سُمي بثورات “الربيع العربي” أعطى الملك لعملية الإصلاح الاقتصادي دفعة جديدة تجسدت في خطوات أبرزها “الجهوية المتقدمة” ومما تعنيه هذه الجهوية تقسيم المغرب إلى مناطق للاستثمار تتمتع الإدارات المسؤولة فيها بحرية اتخاذ القرارات المتعلقة بالمشاريع الصناعية والزراعية والخدمية بما يخدم عملية التوازن الاقتصادي والتنمية، ما أدى إلى “تقليص الإجراءات الإدارية والحد من البيروقراطية المتعلقة بالوثائق والتراخيص اللازمة لإقامة المشاريع وتمويلها في مختلف القطاعات”

 

إيقاع ضعيف

ورغم ذلك أنهي الاقتصاد المغربي العام 2016 على إيقاع نمو ضعيف يعدّ الأبطأ منذ عقدين، وربما لا يتجاوز 1.5 في المائة، بعدما بقي لسنوات طويلة عند نحو 4 في المائة في المتوسط.وهذه المرة الثانية التي يدخل فيها العام الجديد من دون إقرار مشروع الموازنة في البرلمان، بسبب تعثّر مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة عقب انتخابات 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

واثرت الخلافات السياسية بين أعضاء الحكومة أثرت سلبا في الأداء الاقتصادي، إلى جانب عوامل مناخية مثل شح الأمطار وضعف المحصول الزراعي، وأخرى خارجية تشمل ضعف الطلب على الصادرات في الأسواق الأوروبية، وتداعيات الأزمات الأمنية في المنطقة العربية وتأثيرها في عائدات السياحة والاستثمارات الأجنبية.

وتوقع المصرف المركزي ألا يتجاوز النمو 1.2 في المائة خلال العام الحالي، الذي خسرت خلاله سوق العمل 73 ألف وظيفة، وارتفع فيه معدل بطالة الشباب إلى 40 في المائة من الفئة النشيطة، وزاد عجز الميزان التجاري 2.6 بليون دولار، تحت وطأة نمو الواردات أكثر من الصادرات على رغم انخفاض مشتريات المغرب من الطاقة في مقابل ارتفاع واردات القمح والمواد الغذائية وسلع التجهيز.

ونتيجة ذلك، فإن عجز الحساب الجاري لميزان المدفوعات الخارجية قد يتجاوز التقديرات، بسبب ضعف التدفقات المالية، ومنها هبات الشركاء من مجلس التعاون الخليجي، التي كانت قُدرت بـ800 مليون دولار سنوياً، لتغطية التزام مالي بدعم المغرب بما قيمته 5 بلايين دولار بين عامي 2012 و2017.

ولا يخفي محللون أن الوضع الاقتصادي في المغرب كان صعبا خلال العام الماضي، إذ تراجعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنحو 25 في المائة، والإنتاج الزراعي للحبوب بنحو 60 في المائة، إلى جانب اتساع حالات الغضب من ارتفاع الأسعار وإقرار الحكومة قوانين غير شعبية مثل إصلاح صندوق التقاعد الذي رفع سنّ الإحالة وخفض الرواتب.

إضافة إلى تحرير بعض الخدمات مثل الماء والكهرباء ورفع الدعم من المحروقات في إطار إصلاح “صندوق المقاصة” الذي انخفضت نفقاته من 52 بليون درهم عام 2012 إلى 15 بليوناً خلال العام الحالي، تم تحميلها للمواطنين وأصحاب السيارات.
صندوق النقد
ومن أجل الإبقاء على تصنيفات صندوق النقد الدولي الائتمانية، حرصت الحكومة على الوفاء بالتزاماتها معه، بعدما اعتبر أن الاقتصاد المغربي تجاوز المرحلة الصعبة وقد يجني الآن ثمار الإصلاحات التي لم تكن دائماً محط تأييد.

واعتبر الصندوق أن النمو سيعاود الارتفاع فوق 4.5 في المائة عام 2017، وسينخفض عجز الموازنة إلى 2.8 في المائة عام 2018، وستتراجع المديونية إلى دون 64 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وسينخفض العجز التجاري إلى 2 في المائة.

وتتطلع فئات كثيرة في المجتمع المغربي إلى تحسّن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية عام 2017، بعدما تغلّب المغرب على الصعوبات المالية خلال السنوات الخمس الماضية، وأنجز إصلاح الحسابات الماكرو اقتصادية التي جعلت المؤسسات الدولية تمنحه صفة “بلد الاستثمار”.

ويحتاج المغرب إلى إعادة النظر في النموذج الاقتصادي المعمول به منذ نحو 20 عاما، والانتقال تدريجا من اقتصاد الطلب الداخلي إلى اقتصاد التصنيع والتصدير، ويستند في ذلك إلى تجربته في مجال صناعة السيارات وأجزاء الطائرات والإلكترونيات والتكنولوجيا والاتصالات والطاقات المتجددة وغيرها، وهي كلها مهن عصرية لم تكن متطورة قبل سنوات، لكنها أصبحت اليوم أهم مصدر للعملة الصعبة وأكبر مقاوم للتقلبات الاقتصادية الدولية.

ويحتاج المغرب، وفق توصيات صندوق النقد الدولي، إلى بذل جهود كبيرة لمعالجة بطالة الشباب من خريجي الجامعات والمعاهد العليا، التي بلغت 40 في المائة، للاستفادة من خبراتهم ودمجهم في سوق العمل والدورة الإنتاجية، بما يعزز مناعة الاقتصاد وفائض القيمة.

.
توسع إفريقى
ويملك المغرب، عبر توسعه الاستثماري في أفريقيا، فرصا كبيرة للتطور الاقتصادي، ونقل خبرته إلى جنوب الصحراء وتحصيل عقود عمل لشركاته، وتأمين أسواق كافية لصادراته الأقل جودة. واستثمرت الرباط في السنوات الماضية، نحو ستة بلايين دولار في مشاريع في أفريقيا، جعلتها الأولى في الاستثمار في عدد من المناطق والقطاعات والخدمات.

ويراهن المغرب على مدّ خط لأنبوب للغاز بين نيجيريا والشواطئ الأوروبية على مسافة 6 آلاف كلم، وهو مشروع من شأنه جلب عشرات بلايين الدولارات من الاستثمارات إلى القارة السمراء في مجالات البنية التحتية والطاقة الكهربائية والمتجددة والزراعة، بما يساعد في دمج شمال أفريقيا وغربها في منطقة متكاملة، يكون فيها للرباط دور مميز. وقد تتراجع الخلافات السياسية بين الجيران تحت تأثير تقاسم المنافع والمصالح الاقتصادية والنمو

 

رغم ثغراتها العديدة تبدو السياسة الاقتصادية المغربية سائرة في المسار الصحيح، ويدل على ذلك مؤشرات عدة منها معدلات نمو جيدة ونسب بطالة أقل في صفوف الشباب مقارنة بالدول العربية. ففي الوقت الذي تصل فيه هذه النسبة في معظم الدول العربية إلى 25 بالمائة، فإنها تقدر في المغرب بنسبة 16 بالمائة.