عمدت دولة الإمارات إلى استخدام مواد البناء والتقنيات المبتكرة لتحويل أحلام المستقبل إلى حقيقة ملموسة، وفقاً لتقرير جديد صدر عن المنتدى الاقتصادي العالمي بالتعاون مع مجموعة بوسطن كونسلتينج جروب
بحسب التقرير الجديد الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي بالتعاون مع مجموعة بوسطن كونسلتينج جروب، تسهم التقنيات الجديدة في تعزيز التطور والتحول الذي يشهده قطاع الهندسة والبناء بوتيرة متسارعة. ويحلل هذا التقرير بعنوان “مستقبل البناء: المبتكرون الملهمون يعيدون رسم ملامح القطاع”بناء برج خليفة الذي يعدّ أطول برج في العالم ومن أهم المعالم الحضارية، إضافة إلى عدد من مشاريع البناء المبتكرة الأخرى، حيث تم تصميم هذا المبنى الأيقوني ليس فقط ليكون أطول برج في العالموإنما ليعكسفكرةالمدينة العمودية المتكاملة التي تنظر للمستقبلوتستخدم الابتكار لمواجهة التحديات العالميةالمتمثلةبحركة التمدنوزيادة كثافة السكان في المدن العالمية الضخمة.
وبالمقارنة مع القطاعات الأخرى، فقد شهدت الإنتاجية في قطاع الهندسة والبناء على المستوى العالمي، تراجعاً على مدى الخمسين عاماً الماضية. ولم تحقق التكنولوجيا أي تقدم جوهري عبر القطاع، ورفضت الشركات تغيير أساليبها التقليدية.
وتوضح الأمثلة المبتكرة التي تم تسليط الضوء عليها في التقرير مدى أهمية تبني أسس الابتكار في هذا القطاع، حيث بيّنت أبرز المشاريع الرائدة، مثل برج خليفة في دبيالذي يعد أطول مبنى في العالم، أهمية الابتكارات التي تم تبنيها في عملية بنائه. وحتى في مراحل تخطيطه في عام 2002، كان من الواضح أن المشروع سيستلزم العديد من الابتكارات في التصميم والتشييد وتقنيات البناء. وكان ملخص التصميم الأولي لمبنىطوله 550 متراً، وعندما تمت زيادة الارتفاع المقرر في وقت لاحق إلى 750 متراً، أصبح الدافع إلى الابتكار أكثر وضوحاً. ولكن عندما تم منح عقد البناء الرئيسي في عام 2004،تم إقرار زيادةالارتفاع المستهدف في تلك المرحلة مرة أخرى بتشجيع من صاحب الرؤى الحكيمة والأفكار الملهمة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات ورئيس مجلس الوزراءوحاكم إمارة دبي، الأمر الذي تطلب إعادة حساب وتصميم أسس البرج لتتناسب مع الارتفاع الجديد.
وتعليقاً على أهمية دمج عنصر الابتكار في قطاع البناء، قال فيليب جيربيرت، شريك أول في بوسطن كونسلتينج جروب والمشارك في إعداد التقرير : “سأبدأ باقتباس كلمات ويليام جيبسون: مستقبل البناء هناالآن، إلا أنه لم يتوزع بشكل منظم بعد. ويتناولالتقرير من خلال الشركات والمشاريع المبتكرة فن تحقيق الأمور المستحيلة وكيفية مواجهة التحديات ذات الصلة. إن تأثير هذه الابتكارات على منظومة البناء التقليدية سيكون مثيراً للاهتمام. ونحن نرى فجوة تتسع يوماً بعد يوم بين المتخلفين عن دمج عنصر الابتكار وقادته ولا سيما فيما يتعلق بالتحول الرقمي”.
تحتاج الشركات إلى مواكبة التحولفي القطاع
استناداً إلى تحليل بوسطن كونسلتينج جروبلهؤلاء المبتكرين الناجحين، يطرح التقرير طرقاًيمكن للشركات تطبيقها لتحفيز الأفكار المبتكرة وتحويل تلك الأفكار إلى واقع ملموسلتحقيق النجاحات في السوق. فالشركات الرائدة، على سبيل المثال، تتحلىببيئة تشجع على الابتكار وتكافئ الخطط الجريئة؛ حيث ان هذه الشركات تتحلى برؤية بعيدة المدى فيما يتعلق بالمنتج، وذلك بدلاً من التفكير بمشاريع فردية؛ لتنجح في نهاية المطاف بشكل استباقي في تشكل البيئة التنظيمية.
فعلى سبيل المثال، يعد برج خليفة نموذجاً يحتذى به للشركات التي تحتضن بيئة مبتكرة. فقد استثمرت شركة إعمار العقارية جهوداً كبيرة في تجميع فريق المشروع من مختلف أنحاءالعالم، مع خبرة وباع طويل في مجال الأبنية فائقة الارتفاع. وقد أدتالمبادرة المشتركة التي أسهم بها أطراف متعددة إلى تشييد برج خليفة الذي كسر أرقامقياسية عالمية لأبنية عديدة، ليصبح معلماً حضرياًابداعياً بكافة المقاييس. وقد استغرق بناء البرج الذي يبلغ ارتفاعه828 متراًويعدّأطول مبنى في العالم وأطول بناء من صنع الإنسان، أقل من أربع سنوات بداية من أعمال الحفر الأولى ليتجاوز برج تايبيه 101 الذي كان يعد المبنى الأطول، بالإضافة إلى ثلاث سنوات أخرى فقط لإكمال عملية البناء. ويجذب المبنى اليوم آلاف الزوار يومياً، مما جعل وسط مدينة دبي الوجهة الحضرية المفضلة لدى الكثيرين.
مساهمة الحكومات الحاسمة
تعتبر الحكومات عنصراً ضرورياً وحاسماً في عملية تحويل وتطوير قطاع البناء والتشييد. وهي بحاجة إلى تهيئة بيئة مواتية لاعتماد التكنولوجيا المبتكرة ذلك باعتبارها الجهة المنظمة أو الحاضنةالاستراتيجيةأو صاحبة المشروع. وفيما يتعلق ببناء برج خليفة، بدأت المفاوضات مع الجهات الحكومية على الفور تقريباً. وقام مستشارون محليون، تم تعيينهم خصيصاً لهذا الغرض، بالتواصل مع بلدية دبي للحصول على موافقات البناء، ومع الدفاع المدني في دبي من أجل إجراءات الحماية والسلامة من الحرائق وغيرها، ومع شركة إدارة المرافق المحلية من أجل إمدادات الكهرباء.
وفي ضوء ذلك، يسلط التقرير الضوء على فوائد هذه المشاركة المهمة من الحكومات مستخدماً برج خليفة كمثال. كما يوصي التقرير بأن تقوم الحكومات بتحديث قوانين البناء والانتقال إلى المعايير القائمة على الأداء والتطلع دوماً نحو المستقبل، إضافة إلى اعتماد نماذج شراء أكثر مرونة فيمشاريع البنية التحتية للتغلب على العقبات التقليدية التي تقف في وجه الابتكار.
الدروس المستخرجة من بناء برج خليفة
هناك أربعة دروس يستخلصها التقرير من مشروع بناء برج خليفة:
- إعداد واعتماد رؤية من شأنها تحفيز الجميع ورفض الواقع الراهن، حيث ألهمت الرؤية التي تقف وراء تشييد برج خليفة فريق المشروع لتجاوز الحدود التي يعرفونها–من خلال زيادة ارتفاع المبنى وتطبيق إجراءات وتقنيات لم يكن قد تم إثباتها بعد.
- تشكيل فريق متكامل ذو خبرةمميزة ومهارات متعددة لقيادةودفع أسس الابتكار، حيث أن مشروع برج خليفة لم يساوم على التميز، وكان للفريق الذي تم اختياره من الخبراء أثره في تعزيز نقل المعرفة إلى أقصى حد وتحسين إدارة الخدمات اللوجستية واستغلال المواد المسبقة الصنع بشكل مثالي إضافة إلى تسهيل التعاون بين الخبراء.
- التعاون الوثيق مع الموردين لتطوير واختبار وتنفيذ الابتكارات، حيث تمالتعويل على خبرات مختلف الشركاء في مرحلة مبكرة من مرحلة التخطيط للمشروع وذلك من أجل تمكين إجراء التعديلات الوقائية منذ البداية لتجنب إعادة القيام بالأعمال الأمر الذي سيزيد التكاليف.
- إشراك السلطات التنظيمية في المشروع منذ البداية لتسريع عملية الحصول على الموافقات المطلوبة، حيث حرص فريق عمل مشروع برج خليفة، الذي كان ذوخبرة عالية، على التواصل والتفاوض مع الجهات الحكومية ذات الصلة ومزودي الخدمات العامة للإسراع والمضي قدماًبالمشروع دون أي تأخير من أجل سرعة التغلب على أي عقبات لاحقة قد تنشأ.
أضف تعليق