قبل نحو سنوات , كان النظرة الاقتصادية العامة للقارة الإفريقية على المنجم الكبير للمواد الأوّلية. أمّا اليوم، مع سطوع الثورة الرقمية؛ تغيّرت مُحرّكات الاقتصاد الأفريقي وتنوّعت بموجبها زوايا الإغراء الاستثماري في هذه القارّة حتى أضحت شركات الـ”فينتك” أو التكنولوجيا المالية أكثر جاذبية للمستثمرين في قطاع التكنولوجيا الذين يتطلعون نحو أفريقيا، وذلك حسب ما ورد على موقع “كوارتز”.
و في أفريقيا، يُفضّل أغلب الناس استعمال «الكاش» بدل المرور بالعمليات البنكية الكلاسيكية نظرًا لرداءة الخدمات المصرفية. وساهم ضعف المنظومة البنكية في ازدهار خدمات الـ«فينتك» خاصة بعد نجاح خدمة M-Pesa في دول شرق أفريقيا والتي تتيح التصرف في الأموال عبر الهاتف. ومن المنتظر أن يتواصل ازدهار هذه الخدمات خلال السنوات القادمة وستساهم مرابيحها الكبيرة بالتأكيد في إبراز أثرياء جدد.
وبحسب تقرير أصدره مؤخرًا موقع “Disrupt Africa” فقد نجحت نحو 20% من شركات الـ “فينتك” الناشئة في جمع تمويل على مدى العامين الماضيين.وشهد عام 2016 زيادة بنسبة 84% في عدد شركات الـ”فينتك” الناشئة التي حصلت على استثمارات مقارنة بعام 2015.
وبشكل عام فإن شركات الـ”فينتك” الناشئة في أفريقيا حصلت على استثمارات بقيمة 93 مليون دولار منذ 2015 وحتى يونيو 2017، وقد زادت شركة المدفوعات “Flutterwave” هذا المبلغ إلى 100 مليون دولار بعد أن تمكنت من جمع 10 ملايين دولار.وتعمل أكثر من 300 شركة “فينتك” ناشئة في أفريقيا، ويرجع اهتمام المستثمرين بهذه الشركات الـ”فينتك” إلى مدى أهميتها بالنسبة لمستقبل الأعمال في القارة.
وفقا لتقرير استكشاف النظام البيئي الأفريقي فينتيك2017 الصادر عن ديسروبت أفريقيا، توجد 301 شركة فينتيك إفريقية نشطة حاليا؛ وذلك في أعقاب ازدهار الشركات الناشئة التي بدأت في العامين الماضيين على وجه الخصوص.. وتبين البيانات أن الشركات الناشئة في مجال الخدمات المالية تنتشر في جميع أنحاء القارة الإفريقية، بينما تنشط مناطق جنوب وغرب وشرق أفريقيا على حد سواء، في حين تتخلف شمال أفريقيا عن الركب. ولا تزال جنوب أفريقيا ونيجيريا وكينيا أهم ثلاث نقاط ساخنة للنشاط التشغيلي في فينتك، على الرغم من أن عددا من الأسواق الأخرى آخذة في الظهور كوجهات نابضة بالحياة.
ومن بين الفئات التسعة التي يغطيها التقرير، تسيطر عمليات الدفع والتحويلات على السوق، مع تركيز 41.5 في المائة من جميع الشركات الناشئة على هذا المجال. ويثبت الإقراض والتمويل أيضا أولوية شعبية للمبتكرين في أفريقيا.
غابرييلا موليجان، المؤسس المشارك ل ديسروبت أفريقيا المشتركة مع أبسافريكا “الكثير من مواطني أفريقيا لا يزالون لايمكنهم الحصول على الخدمات المالية الأساسية، والعمل الذي يقوم به المبدعين في الشركات الناشئة في القارة له أهمية حاسمة وتأثير كبير. ويسرنا أن نبلغ عن هذا النشاط المزدهر بين مجتمع فينتك الأفريقي، ونعتقد أن أصحاب المشاريع المحليين هؤلاء يخلقون نموذجا جديدا للخدمات المالية – والإدماج المالي – في أفريقيا “.
وتركز الشركات الناشئة في الاقتصادات الأكثر تقدمًا على تحويل القطاع المصرفي التقليدي من خلال تغيير الطريقة التي يحصل بها الأشخاص على الخدمات المالية.وليس ذلك هو الحال في معظم أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ذلك أن شركات الـ “فينتك” الناشئة هناك عادة ما تقوم ببناء بنية تحتية مالية جديدة خاصة بها.
وبعبارة أخرى فهناك عدد كبير من السكان في العديد من الدول الأفريقية لا تتوافر لهم الخدمات المالية، وبالتالي فليس هناك صناعة مالية موجودة لتقوم تلك الشركات بتحويلها.ولا يتعلق الأمر بعدم توافر الخدمات المالية لسكان الريف فحسب، فعدد كبير من سكان المدن أيضًا لا يستطيعون الحصول على الخدمات المالية.
وتبلغ نسبة البالغين الذين يمتلكون حسابات مصرفية في أفريقيا جنوب الصحراء 34% فحسب، وبالتالي فإن هذا السوق الهائل الذي يبقى بدون خدمات مالية يمثل فرصة كبيرة أمام شركات الـ”فينتك” الناشئة وأمام المستثمرين أيضًا.
وهناك العديد من الأسباب التي تجعل أنظار المستثمرين تتجه نحو شركات “الفينتك” الناشئة في أفريقيا من بينها أنهم يدركون مدى أهمية البنية التحتية للمدفوعات في سد الفجوات المالية، وهم على استعداد لدعم الشركات الناشئة التي تحاول حل هذه المشكلة.وإلى جانب ذلك تقدم شركات الـ”فينتك” الناشئة ضمانًا أفضل للمستثمرين للنمو المرتفع، فعلى سبيل المثال تمكنت شركة “Flutterwave” بعد نحو عام من تأسيسها من إجراء مدفوعات بقيمة 1.2 مليار دولار من خلال 10 ملايين صفقة.
وتتمتع شركات الـ”فينتك” الناشئة بميزتين أساسيتين تجذبان المستثمرين وهما إمكانية تحقيق عائدات هائلة من بناء نظام مالي رقمي من الصفر، والأثر الاجتماعي لذلك من تمكين ملايين الأفارقة من الحصول على الخدمات المالية.
ويمكن لهذه الشركات الناشئة الاستفادة من نوعين من الممولين، ويتمثل النوع الأول في مستثمري رأس المال المخاطر الموجودين في عدة أماكن من وادي السيليكون وحتى لاغوس، بينما يتمثل النوع الثاني في المستثمرين المؤثرين اجتماعيًا والذين يتركز العديد منهم في نيروبي.
تعد منصة ” Safaricom’s M-Pesa” المتخصصة في تقديم الخدمات المالية عبر الهاتف واحدة من أكبر قصص النجاح التكنولوجي في القارة، وبسبب النجاح الكبير الذي حققته الشركة أصبح المستثمرون أكثر ثقة في هذا النوع من الشركات وفيما يمكن أن يحققه.ويرجع النشاط الاستثماري المتزايد أيضًا في هذه الشركات إلى الاستثمارات التي تضخها شركات رأس المال المخاطر والاهتمام الذي توليه مسرعات الأعمال في وادي السيليكون لهذه الشركات مثل مسرعة الأعمال ” “500 startups.
وهناك حاجة للتنوع في وجهات الاستثمار، حيث اتجه كثير من رأس المال نحو بلدان مثل نيجيريا وكينيا وجنوب أفريقيا، في حين تم ضخ استثمارات أقل في باقي بلدان القارة.ومن أجل ضمان تحقيق الاندماج المالي بشكل حقيقي ينبغي سد الفجوة المالية بين مختلف أنواع شركات الـ”فينتك” الناشئة، ويمكن ذلك عبر ضخ المزيد من الأموال في شركات تعمل في مجالات أخرى مثل التأمين والمدخرات والرواتب التقاعدية.
فينتك فضاء نابض بالحياة داخل المشهد التكنولوجي الأفريقي، وربما الأكثر حيوية للجميع. وعلى نحو متزايد،حيث يرى المستثمرون الإمكانات الضخمة التي يوفرها هذا المجال.
أضف تعليق