تقارير

التمويل الإسلامي ومستقبل الاقتصاد العالمي

بقلم نضال أبوزكي، مدير عام “مجموعةأورينت بلانيت”

 

تتمثّل أهمية القاعدة النقدية في كونها الوحدة الأساسية للنظام المالي المعتمد في أي دولة، وهي تعد المقياس الرئيس لحساب قيمة جميع السلع والخدمات المتداولة في السوق المحلية، بما يجسّد الدور المحوري للقاعدة النقدية على صعيد دعم الحركة التجارية التي تشكّل ركيزة أساسية في دفع عجلة نمو الاقتصادات الوطنية. وتستند القواعد النقدية بشكل عام إلى نظام المعادن بصورة الذهب أو الفضة أو إلى نظام النقود الورقية الإلزامية. ويتم في الوقت الراهن إستخدام نوعين من القواعد النقدية في الأسواق العالمية، هما قاعدة الدولار الأمريكي الذي يعد أهم عملات الإحتياط في العالم، وقاعدة الذهب التي تنطوي على تحديد قيمة وحدة النقد المتداولة بالإستناد إلى قيمة وزن محدّد من الذهب.

وترتكز آليات تطوير السياسة النقدية لدولة ما إلى جملة من التدابير والإجراءات التي يتّخذها كل من البنك المركزي وخزانة الدولة لتعزيز الإقتصاد الوطني والحد من التذبذبات السعرية عن طريق ضمان توفّر السياسات الإئتمانية والضريبية والميزانية اللازمة وتبني الإجراءات التشريعية المنظّمة للسياسة الإئتمانية والمالية المعتمدة في الدولة. وتبرز هنا العلاقة الطردية القوية بين القواعد النقدية والوضع الإقتصادي العالمي حيث يمكن لأي عامل ذي تأثير ملموس على دولة ما أن يؤثّر تباعاً على المعروض النقدي ومعدّلات الإنفاق ومستوى الأسعار والدخل الحقيقي لدولة أخرى.

وعلى صعيد منطقة الخليج العربي تحديداً، يمكن القول أن النظم المالية المحلية تتأثّر إلى حد كبير بالتقاليد الثقافية والحضارية التي ترسم ملامح النظام الإقتصادي للدول الخليجية. ويسوقنا هذا إلى الحديث عن مفهوم الإقتصاد والتمويل الإسلامي القائم في مضمونه على مبادئ الشريعة الإسلامية التي تصبو إلى تحفيز النشاط البشري المثمر بالإستناد إلى قيم الإنصاف والمشاركة والملكية التي يقوم عليها مفهوم التمويل الإسلامي.

 

ولا بد من الإشارة هنا إلى إثنين من المبادئ الأساسية للتمويل الإسلامي وهي تحريم “الربا”، أي أخذ الفائدة على الأموال، و تجنّب “الغرر”، أي المخاطرة والشك، من خلال التحقّق من شرعية وصحة الدخول في صفقات أو إستثمارات محفوفة بالمخاطر لارتباطها بعمليات كالبيع المكشوف أو بيع السلع أو الأصول غير المضمونة من حيث الجودة وموعد التسليم، أو القمار أو الدخول في عقود مضلّلة ولا تتّسم بالوضوح والدقة. وصحيحٌ أن التمويل الإسلامي يعد نظاماً غير قائم على مبدأ الفائدة، غير أنه يضمن حصول العميل على مكافآت ومكاسب رأس مالية عادلة ومنصفة عند اتخاذه أي مخاطر، على خلاف النظم التقليدية الأخرى التي تستند إلى عامل الوقت فحسب.

كما يُنظَر إلى التمويل الإسلامي اليوم على أنه نظام تمويلي قائم على الأصول، الأمر الذي يعزّز الصلة المتينة بين التمويل والإقتصاد الحقيقي وفي الوقت نفسه يدعم حقوق الملكية الفردية وتطبيق الإلتزامات التعاقدية. ومما لا شك فيه أن التحوّل المتسارع نحو الإقتصاد الإسلامي من شأنه تعزيز القاعدة النقدية في دول مجلس التعاون الخليجي وذلك من خلال وضع إطار عمل متكامل للسياسات النقدية المتّبعة في كل دولة، وهو ما من شأنه أن يفتح المجال أمام المجتمع العام للمساهمة الفاعلة والمباشرة في الإقتصادات الوطنية.

ولا يختلف إثنان على أن الإقتصاد الإسلامي يزخر بالعديد من الفوائد والمزايا التي باتت تتّضح جلياً في ظل التوجّه المتنامي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نحو التحوّل إلى الإقتصاد الإسلامي في أعقاب الطفرة الاقتصادية الكبيرة التي شهدتها الساحة الإقليمية على مدار السنوات العشرة الأخيرة حيث بلغ متوسّط نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للمنطقة حوالى 4 بالمائة، مع تسجيل دولة قطر أعلى معدّل نمو بواقع 11 بالمائة تلتها المملكة العربية السعودية بنسبة 5.2 بالمائة. ومن الواضح أن هذه النتائج الإيجابية قد عادت بالمنفعة الكبيرة على مستوى نمو الإقتصاد الاسلامي الذي حقّق معدّلات نمو مضاعفة خلال العقد الأخير، وهو ما إستقطب إهتمام العديد من الدول الأوروبية وكذلك سنغافورة والولايات المتّحدة لإعادة النظر في المنظومة المالية التقليدية والإستثمار الأمثل في التحوّل إلى إقتصاد إسلامي.

ويشير تقرير حديث صادر عن شركة “إرنست آند يونج” إلى توقّعات بأن يحقّق قطاع الصيرفة الإسلامية نمواً سنوياً بمعدّل 19.7 بالمائة بحلول العام 2018. وتأتي هذه التقديرات لتتوافق مع النتائج الإيجابية التي حقّقها القطاع خلال الفترة الأخيرة والتي أثمرت عن إستحواذ المؤسّسات المالية العاملة بنظام الشريعة الإسلامية على حصّة 1 بالمائة من إجمالي الأصول العالمية بحسب الإحصائيات الأخيرة للعام 2014، حيث يتواجد حالياً ما يزيد على 700 مؤسّسة مالية تعمل بنظام التمويل الإسلامي في مختلف أنحاء العالم، منها 250 مؤسّسة في منطقة الخليج العربي و100 مؤسّسة في سائر الدول العربية.

وبالنظر إلى المعطيات الراهنة، يمكن القول أن المنظومة المتكاملة للتمويل الإسلامي تمهّد الطريق لمجموعة واسعة من الإحتمالات والإمكانات التي يمكن الإستثمار الأمثل بها للارتقاء بمجال إدارة المخاطر وتحسين المشهد المالي العالمي. ولا شك أن دفع عجلة نمو قطاع التمويل الإسلامي يتطلّب إرساء لوائح تنظيمية أكثر شمولية ودقة لضمان الإستقرار المالي على الصعيد العالمي في ظل التغيّرات الاقتصادية الراهنة والتقلّبات في القاعدة النقدية.