في ظل التحول العالمي المتسارع نحو الطاقة النظيفة والتنمية المستدامة، تبرز السندات الخضراء كأداة مالية رئيسية لتمويل المشاريع البيئية، خاصة تلك المرتبطة بمصادر الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة والبنية التحتية منخفضة الانبعاثات. ويعكس الإصدار الأخير لشركة “مصدر” الإماراتية قوة هذا التوجه، وموقع الإمارات المتقدم في سوق التمويل المستدام.
“مصدر” تجمع مليار دولار لتوسيع مشاريعها الخضراء
أعلنت شركة أبوظبي لطاقة المستقبل “مصدر” عن استكمال إصدار سندات خضراء جديدة بقيمة 3.67 مليار درهم (ما يعادل مليار دولار)، ليرتفع إجمالي ما جمعته الشركة في إطار برنامج السندات الخضراء منذ عام 2023 إلى أكثر من 10 مليارات درهم.
يتألف الإصدار الجديد من شريحتين متساويتين، بقيمة 1.8 مليار درهم (500 مليون دولار) لكل شريحة، بآجال استحقاق 5 و10 سنوات، وبعائد سنوي 4.875% و5.375% على التوالي.
ووفقًا لبيان رسمي للشركة، بلغت طلبات الاكتتاب 24.24 مليار درهم، ما يشير إلى ثقة المستثمرين القوية بهذا النوع من التمويل، وقد تم تخصيص 85% من الإصدار للمستثمرين الدوليين و15% لمستثمري منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو ما يعزز البعد العالمي للإصدار.
ويُعد هذا الإصدار الأقل تكلفة (من حيث الهوامش فوق سندات الخزانة الأميركية) في تاريخ الشركة، عند 80 نقطة أساس لشريحة الخمس سنوات و90 نقطة لشريحة العشر سنوات.
تمويل لمشاريع استراتيجية
من المرتقب أن تُستخدم عائدات السندات في تمويل مشاريع طاقة متجددة عالمية، حيث تنفذ “مصدر” سبعة مشاريع رئيسية بدأ العمل فيها خلال 2024، من أبرزها:
محطتان للطاقة الشمسية الكهروضوئية في أذربيجان بقدرة إجمالية 760 ميغاواط.
مشروع العجبان للطاقة الشمسية في الإمارات بسعة 1.5 غيغاواط.
وتستهدف “مصدر” تحقيق سعة 100 غيغاواط من الطاقة النظيفة بحلول عام 2030، ما يجعلها من بين أبرز اللاعبين في التحول العالمي نحو الطاقة المستدامة.
ويقول محمد جميل الرمحي، الرئيس التنفيذي للشركة:
“عائدات السندات ستسهم بدور محوري في تحقيق هدف الشركة برفع القدرة الإنتاجية لمحفظة مشاريعها العالمية، وتمكينها من دعم نقلة نوعية في قطاع الطاقة العالمي، لا سيما في الأسواق الناشئة.”
سوق السندات الخضراء عالميًا.. نمو متسارع
شهد سوق السندات الخضراء نموًا ملحوظًا خلال العقد الماضي، إذ تجاوز إجمالي الإصدارات عالميًا نحو 600 مليار دولار في 2023 وحدها، بحسب تقارير “كلينتيك فاينانس” و”بلومبرغ NEF”، وسط توقعات بتجاوز تريليون دولار خلال 2025، نتيجة التزامات الدول والمؤسسات المالية الكبرى بخفض الانبعاثات وتحقيق أهداف “صفر كربون”.
وتتصدر الصين، الولايات المتحدة، وفرنسا قائمة الدول الأكثر إصدارًا للسندات الخضراء، بينما تسجل دول الخليج، خاصة الإمارات والسعودية، دخولًا قويًا إلى السوق مدعومًا بأجندات تحول وطني ورؤى بيئية طموحة.
الإمارات لاعب إقليمي بارز
تسعى الإمارات إلى ترسيخ مكانتها كمركز مالي أخضر في المنطقة. وتأتي مشاركة شركات كبرى مثل “مصدر”، المدعومة من كيانات حكومية قوية مثل “طاقة” و”مبادلة” و”أدنوك”، لتؤكد هذا التوجه الاستراتيجي.
كما أن نجاح إصدارات “مصدر” بهذا الحجم والتسعير يعكس جاذبية أدوات التمويل المستدام في المنطقة، وثقة المستثمرين العالميين بالحوكمة البيئية والاجتماعية والاقتصادية للمشاريع الإماراتية.
إصدار “مصدر” الأخير للسندات الخضراء لا يُمثل فقط نجاحًا ماليًا للشركة، بل يعد أيضًا دليلًا على تسارع التحول في أدوات التمويل نحو الاستدامة البيئية، مع إمكانات هائلة لأسواق الخليج في هذا المجال. ومع تزايد الاهتمام العالمي بالاقتصاد الأخضر، تبرز السندات الخضراء كأداة رئيسية لتوجيه رأس المال نحو مستقبل منخفض الكربون وأكثر استدامة.