مع دخول الرسوم الجمركية الجديدة حيّز التنفيذ يوم غد سوف يشهد الاقتصاد العالمى نزاعاً تجارياُ حاسماً بين أكبر اقتصادين الأمر الذى قد يلقي بظلاله على مستقبل النمو.
وأكدت وزارة التجارة الصينية اليوم أن فرض الولايات المتحدة رسوماً جمركية على ما يعادل قيمته 34 مليار دولار من الصادرات الصينة لن يضر فقط بالصين بل بالولايات المتحدة وبقية العالم.
وأشارت الصين إلى أن التعريفات الجمركية الانتقامية على الولايات المتحدة ستصبح فعّالة مباشرةً بعد تنفيذ الولايات المتحدة لقرارات الرسوم الجديدة.
وقالت إنه “ضمن ما يُسمى القائمة الأميركية للمنتجات الخاضعة للضريبة بقيمة 34 مليار دولار، نحو 20 مليار دولار أو 59% منها من صنع شركات استثمارية أجنبية تمثل الشركات الأميركية قسماً مهماً منها”.
وحذرت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني من أن تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين سيكبد الاقتصاد الأمريكي خسائر فادحة.
وقالت الوكالة أمس الثلاثاء في تقرير تضمن سيناريوهات مختلفة لتطور النزاع التجاري إن واشنطن ستواجه “سيناريو الصدمة” في حال تبادلت فرض الرسوم الجمركية مع شركائها التجاريين.
وتوقعت الوكالة ارتفاعا يتراوح بين 35% و40% في أسعار البضائع الواردة إلى أمريكا، وتأثيرا سلبيا على نمو الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة بنسبة حوالي 0.5%.
وعن تأثير التوترات التجارية على الاقتصاد العالمي، قال كبير الاقتصاديين في وكالة “فيتش”، بريان كولتون، إن التوترات التجارية المتصاعدة زادت من خطر اتخاذ إجراءات جديدة سيكون لها تأثير على النمو الاقتصادي العالمي أكبر بكثير من الوقت الراهن.
وأضافت الوكالة أنه إذا ازدادت حدة التوترات وانسحبت الولايات المتحدة من “نافتا”، فهذا من شأنه أن يضخم التأثير على الاقتصاد العالمي، مشيرة إلى أن فرض رسوم جمركية على واردات السيارات إلى أمريكيا من شأنه أن يمثل تهديدا لاتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية.
وأوضح التقرير أنه مع فرض الولايات المتحدة ضرائب على على السيارات المستوردة بنسبة 25%، ورسوما إضافية على بعض السلع من الصين، والرد الانتقامي للدول ضد الإجراءات الأمريكية، وانهيار “نافتا”. هذا السيناريو، إلى جانب التدابير الحالية، من شأنه أن يؤثر على ما يقرب من 2 تريليون دولار من التدفقات التجارية العالمية.
ولفت كولتون إلى أنه على الرغم من أن الإجراءات، التي اتخذتها الولايات المتحدة والصين، وكذلك الاتحاد الأوروبي حتى الآن كانت محدودة التأثير، فإن اتخاذ المزيد من التدابير قد يؤدي إلى تصاعد كبير في الحرب التجارية.
وحذر أكثر من 40 بلدا عضوا في منظمة التجارة العالمية، من بينهم 28 دولة من الاتحاد الأوروبي، من أن فرض الولايات المتحدة رسوما جمركية إضافية على واردات السيارات ومكوناتها قد يتسبب في أضرار بالغة للسوق الدولية ويهدد نظام منظمة التجارة العالمية.
وحذر المدير العام لمنظمة التجارة العالمية الشهر الماضى من أن الاقتصاد العالمي قد يتأثر سلبا إذا تصاعد الصراع التجاري بين الولايات المتحدة ودول أخرى مشيرا إلى أن هناك مؤشرات بالفعل على حدوث هذا الأمر. وتشير توقعات المنظمة السنوية إلى وتيرة انتعاش سريعة بمتوسط نمو 4.4% سنويًا، وأنّ هذه النسبة الجيّدة نسيبة إلى حالة الركود التي تلت الأزمة الاقتصادية عام 2008، مهددّة بالهبوط مرّة أخرى إذا ما تصاعدت التوترات التجارية.
سناريو نهاية الحرب التجارية
نيران الحرب التجارية بدأت تتخطى المستهدف الأساسي منها وهي الصين، إلى دول مهمة في الصناعة العالمية مثل كندا واليابان ودول الاتحاد الأوروبي والهند وغيرها. المشكلة الحقيقية هي أن كل ما قامت به منظمة التجارة العالمية حتى الآن هو “مراقبة الوضع عن كثب” فقط.
فمعظم النزاعات التجارية العادية قد تم حلها في الماضي، من خلال إجراءات تسوية المنازعات التي تتبعها منظمة التجارة العالمية، والتي تعتمد على إحالة الدول الأعضاء قضاياها إلى المنظمة من أجل التوصل لحل.
وقالت مصادر مقربة من منظمة التجارة العالمية ” إن كلاً من كندا واليابان، تسير بإجراءاتها لدى هيئة المنازعات بالمنظمة، متوقعةً أن يكون البت بالشكاوى خلال سنة مقبلة تنقسم إلى 6 أشهر من المشاورات، وفترة مماثلة للاستئناف في الأحكام بعد صدورها.
وتوقعت المصادر أن تكون “نهاية الحرب التجارية بقرارات تحكيمية من منظمة التجارة العالمية، تفرض فيها عقوبات على الدول التي تخوض غمار هذه الحرب أو التي شرعت فيها بالبداية، وبالتالي ستفشل هذه الحرب أمام آليات الأسواق الحرة على المدى البعيد”.
وتوصف حرب التجارة الحالية بأنها الأكبر، منذ العام 1932 أي بعد الكساد العظيم الذي ضرب الولايات المتحدة واضطرها في ذلك الوقت إلى فرض رسوم بمعدل 50% على معظم الواردات من الدول الأوروبية.
ولفت خبراء إلى أن “إن جميع الحروب التجارية التي نشأت في العالم منذ العام 1800 ميلادية كانت نتيجتها خسارة الدول التي تفرض الرسوم الجمركية.وأكدوا أن حرب التجارة لطالما أثبتت التجارب التاريخية أنها ترتد بأكبر الخسائر على من يشرع بالبدء فيها” ولهذا تبدو الدول حذرة في التعاطي مع هذه الحرب بمحاولة تجاوزها بأي ثمن ومواجهتها بقرارات مماثلة لكنها “للأسف تأخذ بالاتساع يوميا”.
وباتت إجراءات الرسوم الجمركية المضادة، السلاح الأكبر في هذه الحرب المستعرة مع اتساع نطاق الدول المتصارعة فيها، عبر فرض رسوم على السلع المستوردة أو تقديم الدعوم المالية للصناعات المحلية في مواجهة شرسة مع المنافسين بدول أخرى.
وفي الشهر الماضي، شرعت إدارة الرئيس الأميركي بفرض رسوم جمركية ضد واردات بضائع من الصين بقيمة 50 مليار دولار، فردت الصين بإجراء ممثال، لتنتشر هذه الإجراءات المتعلقة في أساسها بصناعات الحديد والألمنيوم إلى دول منتجة مؤثرة أخرى مثل كندا، التي فرضت رسوماً على واردات بقيمة تقدر بنحو 13 مليار دولار.
ويتوقع أن تتأثر صناعة السيارات الكندية في الحرب التجارية بشكل رئيسي لذلك فإنها اضطرت إلى التدخل بشكل قوي في هذه الحرب لاسيما وأن تداعياتها على قطاع صناعة السيارات في الدول الداخلة في هذه الحرب وعلى رأسها أميركا وكندا تصل إلى التهديد بإجراءات مضادة تجاه صادرات أميركية بقيمة 300 مليار دولار من السيارات.
واعتبروا أن خطورة الحرب التجارية في أنها ستؤثر في أرقام التجارة الدولية، وبخاصة في قطاع تجارة السيارات نظراً لترابط أسواق هذه الصناعة بشكل كبير في عدد من دول العالم، وبقاء الميزة التنافسية لكل دولة عنصراً مهماً في هذه الحرب.
من ناحيته حذّر الاتحادُ الأوروبي الولايات المتحدة من أنّ فرضَ التعريفات الجمركية على السيارات وقطع غيار السيارات من شأنه أن يضرَ بصناعة السيارات الاميركية.وتوعد الاتحاد الأوروبي باتخاذ تدابير مضادة على 294 مليار دولار من الصادرات الأميركية من السيارات إلى الدول الأوروبية.وأشار الاتحاد الأوروبي إلى أن التعريفات الجمركية على السيارات وقطع غيار السيارات لا يمكن تبريرَها وليس لها أي معنى اقتصادي.
على المدى الطويل، قد تكون الاختيارات المتاحة هو الاعتراف بالهزيمة وهو خيار غير محتمل. ويبقى الخيار الثاني وهو عقد اتفاق بين الدولتين لحفظ ماء الوجه، وهو الحل الأكثر احتمالا، خاصة إذا ما ارتفعت الكلفة الاقتصادية للخلاف.
تداعيات الحرب داخل الولايات المتحدة
ذكرت غرفة التجارة الأميركية أن الشركاء التجاريين للولايات المتحدة ردوا على الهجوم التجاري الذي شنه الرئيس دونالد ترمب، بفرض رسوم على صادرات أميركية بقيمة 75 مليار دولار، ما يدفع شركات محلية إلى الاستغناء عن موظفين.
وواصلت الإدارة الأميركية الدفاع عن الحرب التجارية متعددة الأطراف التي تخوضها، حيث قال وزير التجارة ويلبر روس إن أكبر اقتصاد في العالم قوي بما يكفي لمواجهة الضربات الاقتصادية.
وصرح توماس دوهانهيو رئيس غرفة التجارة الأميركية الاثنين، بأن الرسوم “هي ضرائب ترفع الأسعار على الجميع”.
وأبرزت الغرفة الصادرات المهددة من ولايات دعمت الرئيس ترمب خلال الانتخابات الرئاسية في 2016، وقالت إنها تواجه عقوبات من شركاء الولايات المتحدة التجاريين وهي كالتالي: 2,3 مليار دولار من سلع الفولاذ والألمنيوم والسيارات في متشيغين، و1,7 مليار دولار من سلع الفولاذ والحديد والقهوة والمخبوزات في بنسلفانيا، ومليار دولار من الجبن وورق التواليت والجنسينغ من وسيكونسون.
أضف تعليق