تقارير رئيسي

فى قلب المعركة ..كيف ترسم الحرب ملامح أسواق الذهب والسلع ؟

وسط تصاعد الأزمات الجيوسياسية وتغيرات الأسواق العالمية، تدخل السلع الأساسية مرحلة حساسة من إعادة التقييم الاستثماري، حيث يتقاطع العنف العسكري في الشرق الأوسط مع ديناميكيات الاقتصاد الكلي وأسعار الفائدة العالمية. ومع استمرار الحرب المفتوحة بين إسرائيل وإيران، تتجه الأنظار إلى أداء الذهب والنفط والفضة باعتبارها مؤشرات استراتيجية لحالة السوق العالمية، في ظل بيئة متقلبة وغير يقينية.

في هذا السياق، قدّم أولي هانسن، رئيس استراتيجية السلع في “ساكسو بنك”، رؤية تحليلية لأداء السلع خلال الفترة المقبلة، استنادًا إلى تقاطعات العرض والطلب، والتقلبات الجيوسياسية، وسلوك البنوك المركزية. وبرغم تباين التوقعات بين المؤسسات المالية العالمية، فإن المؤشرات الحالية ترسم صورة لمرحلة عنوانها: الحذر والتأهب.

التصعيد العسكري في المنطقة، خاصة بين طهران وتل أبيب، يضغط على أسعار الطاقة رغم عدم انقطاع الإمدادات فعليًا حتى اللحظة. لكن الأثر النفسي للتوترات الجيوسياسية دفع النفط نحو مستويات مرتفعة، في ظل ما وصفه هانسن بـ”الارتياح المؤقت” في الأسواق. وأي تطور مفاجئ على الأرض قد يقلب تلك المعادلات بسرعة.

أما الذهب، فيعيش حالة من “الاستقرار المرتفع”، وفقاً لهانسن، الذي رجّح أن يرتفع سعر الأونصة إلى 4000 دولار مع نهاية العام، مدفوعاً بعوامل مثل ضعف الدولار المرتقب، وتزايد الطلب من البنوك المركزية، خاصة في الصين وروسيا. ويشير هانسن إلى أن ارتفاع الذهب لم يعد ظاهرة عابرة بل نتيجة تحولات هيكلية في السياسة النقدية والتوجهات الاستثمارية العالمية.

الفضة أيضًا تستعيد بريقها، بعدما تجاوزت أسعارها 35 دولاراً للأونصة، وسط زخم متوقع يدفعها إلى 40 دولاراً، لا سيما مع تنامي الطلب الصناعي والاستثماري عليها. الفجوة بين الذهب والفضة – التي تصل إلى 91% من حيث الأداء المقارن – تعزز مكانة الفضة كأداة تحوط استراتيجية بحد ذاتها، وليس فقط كظل للذهب.

في المقابل، تتباين توقعات المؤسسات المالية الكبرى. فبينما أبدى بنك “سيتي غروب” تشاؤمه حيال الذهب، متوقعاً تراجعه، بدت مؤسسات مثل “غولدمان ساكس” و”يو بي إس” أكثر تفاؤلاً، مرجحة بلوغه مستويات تتراوح بين 3700 و4000 دولار للأونصة في الأجل القريب.

التحوط في أسواق الطاقة أصبح ضرورة لا خياراً، بحسب هانسن، وسط القلق من اضطرابات مفاجئة. الشركات باتت تلجأ إلى سوق الخيارات التأمينية تحسبًا لأي طارئ، بينما تواصل أسعار القمح وفول الصويا الصعود، ما يعكس تضخم تكاليف الإنتاج والنقل.

في الخلفية، يتباطأ الاقتصاد الأميركي بشكل لا يعني بالضرورة الركود، بل قد يمثل “تصحيحاً طبيعياً” في دورة اقتصادية ممتدة. ويتوقع هانسن أن ينهي الاقتصاد الأميركي العام بأداء إيجابي نسبي، مع تراجع تدريجي في أسعار الفائدة، ما يعيد الشهية نحو الذهب والمعادن.

التحوط الذكي والتنوع الاستثماري يبقيان توصية هانسن الرئيسة، خاصة في معادن مثل الذهب والفضة، إلى جانب الطاقة والحبوب، باعتبارها أكثر القطاعات حساسية للتقلبات السياسية والمالية.

أما كلفة الحرب المستمرة بين إيران وإسرائيل فلا يمكن إغفالها. تشير التقديرات إلى أن إسرائيل تنفق قرابة 725 مليون دولار يوميًا، بينما تجاوزت فاتورة حرب غزة 67 مليار دولار. على الجانب الآخر، تعاني إيران من تضخم يفوق 50%، وبطالة شبابية تفوق 25%، مع عقوبات كبدت اقتصادها أكثر من 270 مليار دولار منذ 2018.

بين الحروب وصناديق الاستثمار، تبقى أسواق السلع في قلب معركة متعددة الأطراف، تتجاوز حدود السياسة إلى أعماق الاقتصاد النقدي العالمي، حيث لم تعد المؤشرات أقل خطورة من المدافع.