تقارير رئيسي

تصعيد إسرائيل وإيران.. كيف يهدد استقرار الأسواق العالمية؟

في ظل الضربات المتبادلة بين إسرائيل وإيران، تتجه الأنظار عالميًا نحو التداعيات الاقتصادية لهذا التصعيد غير المسبوق، خصوصًا في أسواق الطاقة وسلاسل الإمداد والتدفقات المالية الدولية.
تُعيد هذه التطورات رسم خريطة المخاطر الجيوسياسية التي طالما وُصفت بأنها “ساكنة تحت الرماد”، لكنها عادت اليوم لتفرض تهديدات مباشرة على اقتصاد عالمي لم يتعافَ بعد من صدمات الجائحة والتضخم والحرب الروسية الأوكرانية.

أسواق الطاقة: الخوف من “العجز السريع”

شهدت أسعار النفط قفزات حادة فور الإعلان عن الضربات العسكرية، إذ ارتفع خام برنت إلى مستويات اقتربت من 94 دولارًا للبرميل، وسط تداولات اتسمت بتقلبات حادة وزيادة في حجم المضاربات.
يرى مراقبون أن الهجوم على منشآت نووية وعسكرية داخل إيران، والرد عبر إطلاق صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة، دفع الأسواق لإعادة تسعير المخاطر، خصوصًا تلك المرتبطة بمرور النفط عبر مضيق هرمز، الذي تنقل من خلاله إيران نحو 30% من شحناتها.

وعلى الرغم من تأكيد بعض الدول المصدّرة، مثل السعودية والإمارات، استعدادهما لتعويض أي نقص مؤقت، إلا أن القدرات الإنتاجية الاحتياطية ليست كافية لسد الفجوة إذا ما تعطلت صادرات إيران بشكل كلي، أو إذا امتد التهديد إلى العراق أو قطر أو حتى ناقلات النفط المارّة عبر الخليج العربي.

الغاز وتداعياته الأوروبية

لم تقتصر الأزمة على النفط فقط؛ فقد ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي الأوروبي بنسبة تجاوزت 7% في أول يوم بعد التصعيد، مدفوعة بمخاوف من تضرر الإمدادات القطرية أو تعطيل خطوط الشحن البحري.
الأسواق الأوروبية التي تعاني أصلاً من ضغط الطاقة بعد الأزمة الروسية، باتت اليوم في وضع أكثر هشاشة، خصوصًا في ظل التباطؤ في مشاريع البنية التحتية للغاز المسال.

الأسواق المالية تتحوّل إلى “وضع الدفاع”

تراجع مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” الأميركي بنسبة 2.3%، فيما فقد مؤشر “نيكي” الياباني أكثر من 600 نقطة، وارتفعت قيمة الذهب بنسبة 4% ليصل إلى أعلى مستوياته منذ أكثر من عامين.
اتجه المستثمرون بشكل واضح نحو أدوات التحوّط: الذهب، الدولار الأميركي، والسندات الحكومية، مما يعكس توقعات بتدهور الثقة في المدى القريب، واحتمال هروب رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة.

أسواق العملات شهدت أيضًا ارتباكًا، حيث تراجع اليورو والجنيه الإسترليني أمام الدولار، في وقت سجلت فيه عملات الدول ذات الأوضاع الجيوسياسية الهشّة هبوطًا متسارعًا، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط.

التأمين والنقل وسلاسل الإمداد: كلفة إضافية مرتقبة

مع إعلان عدد من شركات الشحن البحري تعديل مسارات ناقلات النفط والغاز من الخليج إلى مسارات أطول وأكثر تكلفة، يتوقع محللون زيادة كبيرة في أسعار الشحن البحري والتأمين البحري، وهو ما قد ينعكس سريعًا على أسعار السلع المستوردة عالميًا.

إضافة إلى ذلك، فإن أي تهديد مباشر للممرات البحرية قد يعطّل حركة الحاويات والبضائع بين آسيا وأوروبا، مما يعيد إلى الأذهان أزمة قناة السويس في عام 2021، لكن هذه المرة في نطاق أوسع وأكثر تعقيدًا.

الركود والتضخم: ثنائي الأزمة في أفق الاقتصاد العالمي

يرى محللو الاقتصاد الكلي أن أكبر تهديد في الأفق هو دخول الاقتصاد العالمي في حالة “ركود تضخمي”، أي ارتفاع الأسعار مع تباطؤ النمو. إذ يدفع ارتفاع أسعار الطاقة إلى رفع تكاليف التصنيع والنقل والزراعة، في وقت تتقلّص فيه شهية المستثمرين والمستهلكين للإنفاق بفعل انعدام اليقين.

البنوك المركزية، لا سيما الفيدرالي الأميركي والبنك الأوروبي، كانت تستعد لخفض أسعار الفائدة تدريجيًا، لكن ارتفاع أسعار الطاقة قد يدفعها للتراجع عن هذه الخطوة، أو حتى العودة إلى التشديد المالي، مما قد يُفضي إلى موجة إفلاسات في القطاعات الصناعية المتأثرة بالطاقة.

مستقبل ضبابي: هل يجر التصعيد حربًا إقليمية؟

بينما تتحدث بعض التحليلات عن ضربة “محسوبة” من قبل إسرائيل للضغط على إيران من أجل العودة إلى المفاوضات النووية، يحذّر آخرون من أن انزلاق الأحداث إلى مواجهة مباشرة شاملة قد يعصف بكافة التوقعات، ويدخل المنطقة والعالم في مرحلة جديدة من عدم الاستقرار.

وفي حال امتدت دائرة النار إلى حلفاء إيران في اليمن أو لبنان أو سوريا، أو تضررت المصالح الأميركية في الخليج، فإن التصعيد قد يتحول إلى مواجهة متعددة الأطراف، ستكون تكلفتها باهظة على الجميع، اقتصاديًا وسياسيًا وأمنيًا.

خلاصة المشهد

أظهر التصعيد بين إسرائيل وإيران أن العالم لا يزال هشًا أمام الصراعات الإقليمية، وأن الأمن الطاقوي ليس مسألة تخص الشرق الأوسط وحده، بل تؤثر في رفاهية كل منزل على الكوكب.
الأسواق تترقّب، والمخاوف تتزايد، والمشهد مفتوح على سيناريوهات أكثر اضطرابًا، ما لم تتدخل الدبلوماسية سريعًا لكبح الانزلاق نحو الأسوأ.