تتوالى التحذيرات من نشوب حرب تجارية وتداعياتها على الاقتصاد العالمى , فمخاطر التوترات التجارية من المتوقع أن تهدد أفضل توقعات للنمو العالمي في سبع سنوات .
التحذيرات المتتالية
وحذرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، من حرب تجارية قد تهدد الأفق قائلة إن التوترات التجارية تهدد أفضل توقعات للنمو العالمي في سبع سنوات، مضيفة أن من المرجح أن تشهد الولايات المتحدة رفع أسعار الفائدة أربع مرات هذا العام، حيث ستنشط التخفيضات الضريبية أكبر اقتصاد في العالم، بينما سيضغط خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على اقتصاد البلاد.
وفي حين تبدو المنظمة أكثر تفاؤلاً عنها قبل أشهر قليلة، فإنها حذرت من حرب تجارية قد تهدد الأفق، وقالت المنظمة إن الاقتصاد العالمي عرضة لاندلاع توترات تجارية بعدما فرضت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب رسوماً على واردات الصلب والألومنيوم، في خطوة يتوقع أن تحفز تحركاً مضاداً من أوروبا وآخرين.
وقال بيريرا: «من الواضح أن ذلك قد يهدد التعافي. نعتقد بلا ريب أنها مخاطر كبيرة، لذا نأمل ألا تتحقق نظراً لما ستلحقه من أضرار».
ولايبدو الأمر أكثر تفاؤلا منظمة التجارة العالمية والتى حذرت هى الأخرى من أن الرسوم الجمركية العقابية التي فرضتها الولايات المتحدة مؤخراً، والرد الغاضب من جانب دول مثل الصين، تزيد من خطر نشوب حرب تجارية.
جاء ذلك على لسان المدير العام لمنظمة التجارة العالمية، روبرتو أزيفيدو، السبت، في مؤتمرٍ صحفيٍ عقده بجنيف، قال فيه: إن “الحروب التجارية يمكن أن تحدث في أي وقت وبطرق لا نتوقعها”.
وتابع: “كل ما يتطلبه الأمر هو أن يتخذ عضو تدابير يعتبرها عضو آخر أحادية الجانب ولا مبرر لها ويرد عليها”.
وأشار أزيفيدو إلى أن “اللحظة التي سيحدث فيها الرد سيبدأ هذا التصعيد”.
وأكد أزيفيدو، أن البرازيل على تواصل مع بلدان أخرى قد تطولها هذه الإجراءات، لدرس حلول مناسبة أكثر.واستبعد “في الوقت الحاضر” توجه البرازيل إلى منظمة التجارة العالمية للاحتجاج على القرار الأمريكي، مبينا أن المنظمة لم تتلق أي شكوى من أي دولة أخرى حتى الآن.
ودعا إلى اعتماد الحوار، معتبرا أن “مبدأ الفعل ورد الفعل يقود أحيانا إلى حروب تجارية لا مصلحة لأي كان فيها، ولا يخرج منها أي منتصر، بل مجرد خاسرين”.
وأكدت كريستين لاغارد مديرة صندوق النقد الدولي أن الحروب التجارية ليس فيها فائزون فالجميع يخسر، محذرة من وضع العراقيل التجارية أمام الدول.
و، قالت لاغارد أن هذا القرار ينذر بحروب تجارية، وإذا حدث ذلك بالفعل فلن يكون هناك فائزون.
وأضافت خلال مقابلتها بصحيفة “لا ناسيون” الأرجنتينية اليومية، إن الدول الفقيرة والشعوب الفقيرة في الدول المتقدمة قد استفادت من انتعاش التجارة العالمية خلال العقد الماضي، بينما عانت بعض المناطق والصناعات جراء ذلك.
وأشارت إلى أن محاولة تقليل التجارة أو وضع المزيد من العراقيل لن تسفر عن أي فائزين، فتأثيرات الابتكار والتجارة يجب أن يتم استغلالها لإصلاح الضرر، مؤكدة على أن الاقتصاد العالمي أصبح في وضع جيد، مع توقعات بالنمو بنسبة 3.9 خلال العام الجاري وزيادة مستويات ثقة المستثمرين، إلا أن هذا لا يعني أنه لا يوجد غيوم في الأفق يجب أن ننتبه لها.
التداعيات والاجراءات الانتقامية
تداعيات القرار الذي اتخذته الولايات المتحدة ، بالرغم أن تأثيره الرسوم المقترحة حاليا يظل صغير نسبيا، فإن حدوث ردود فعل مماثلة من الاتحاد الأوربي والصين يعني أن التأثير على الاقتصاد العالمي سيكون أكثر حدة ، خاصة و أن الواردات الأمريكية من الصلب والألمنيوم لا تشكل سوى حصة صغيرة من التجارة العالمية حوالي 2% من تجارة السلع العالمية إلا أن تلك الخطوة تهدد بإقحام العالم في حرب تجارية، خاصة بعد رد الاتحاد الأوروبي بسرعة من خلال طرح مسودة قرار بفرض رسوم جمركية على الصلب والملابس وغيرها من السلع الصناعية الأمريكية، لكن هذه الرسوم تستهدف أقل من 1% فقط من إجمالي واردات الاتحاد الأوربي من السلع الأمريكية، فضلا أن الصين والتي يمكن وصفها بأنها أهم اقتصاد تجاري في العالم، فقد اتسم موقفها بضبط النفس.
أكد بنك قطر الوطني في تحليله الأسبوعي أن القرار الذي اتخذته الولايات المتحدة الأمريكية بفرض رسوم جمركية على جميع وارداتها من الصلب والألمنيوم، ورد الاتحاد الأوروبي بالسعي لاتخاذ قرار مضاد لن يكون لهما تأثير سلبي كبير على الاقتصاد العالمي، ولكن أي تصعيد كبير للحواجز التجارية سيلحق ضررا بالاقتصاد العالمي، مشيرا الى أن هناك مخاوف واضحة من هذه النتيجة المحتملة.
وذكر التحليل أن الرسوم الجمركية الأمريكية لا تعتبر مفاجأة، فالخطاب المناهض للتجارة العالمية ظل سمة ملازمة لتصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ فترة طويلة، واتخذت الإدارة الأمريكية خطوات تدريجية قبل هذا التحرك الأخير، ففي أبريل 2017، أمر وزير التجارة الأمريكي بإجراء دراسة حول تجارة الصلب والألمنيوم، ونُشرت نتائج الدراسة في الشهر الماضي، حيث أوصت بفرض الرسوم الجمركية المذكورة.
ونوه بنك قطر الوطني في تحليله الأسبوعي إلى أن جميع هذه النقاط تشير إلى أن الحكومة الأمريكية عازمة على تنفيذ أجندتها المناهضة للتجارة العالمية، وذلك يشكل خطراً محتملاً على الاقتصاد العالمي نظراً لأن التجارة العالمية أصبحت أكثر أهمية للولايات المتحدة ولبقية اقتصادات العالم مما كانت عليه قبل عقدين، وتشكل واردات السلع حوالي 23% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي مقارنة مع 17% في بداية العقد الماضي، وكانت التجارة العالمية واحدة من العوامل الرئيسية المحركة للنمو العالمي، إذ تجاوز نموها معدلات النمو العالمي في 15 سنة من السنوات العشرين الماضية.
وحسب التحليل ففي ظل هذا الوضع، تبقى الإجراءات الحالية الخاصة بالصلب والألومنيوم صغيرة في نطاقها، فمن المحتمل أن تؤدي هذه الإجراءات إلى تقليص واردات الولايات المتحدة بحوالي 1%، في حال بقاء العوامل الأخرى دون تغير، وبالتالي فإن تأثيرها على النمو العالمي سيكون هامشيا، لكن في حال تم تصعيد هذه السياسات الحمائية، سيكون لتدهور التدفقات التجارية تأثير كبير على النمو.
وحسب تقديرات التحليل، فإن أي تراجع بنسبة 5% في طلب الولايات المتحدة على الاستيراد سيؤدي مباشرة إلى تقليص النمو العالمي بمقدار 0.2 نقطة مئوية، كما أن التأثير غير المباشر لذلك من خلال انخفاض الأرباح المتوقعة وتدهور القدرة على الإنفاق لدى المستهلكين وأيضا تراجع خطط الاستثمار في بقية العالم قد يؤدي إلى تقليص النمو بمقدار 0.2 و 0.3 نقطة مئوية، وإجمالا، فإن النمو العالمي قد يتراجع بمقدار 0.4 أو 0.5 نقطة مئوية وذلك بسبب انخفاض بنسبة 5% في الواردات الأمريكية الحقيقية.
وخلص بنك قطر الوطني في تحليله إلى أن أي حرب تجارية عالمية ستكون بمثابة سباق نحو الهاوية دون أي رابح، وأمام هذه النتيجة المحتملة، يجب أن تتحلى بقية دول العالم بالحكمة لاعتماد سياسة منسقة لضبط النفس أمام السياسة الحمائية للولايات المتحدة للحيلولة دون المزيد من التصعيد، وسيشكل ذلك دون شك تحديا أمام صناع القرار، لكن المنفعة الاقتصادية تتطلب ذلك.
الحرب التجارية يمكن أن تقضي على 470 مليار دولار من الناتج الإجمالي العالمى
ونشرت بروكسل أيضاً، قائمة تضم ما يقرب من 200 منتج أمريكي سيتم استهدافها برسوم أعلى إذا فشل الاتحاد الأوروبي فى الحصول على إعفاء من الرسوم الجمركية. ونشرت المفوضية الأوروبية، قائمة بالواردات الأمريكية لاستهدافها بتعريفة انتقامية على مختلف الواردات بداية من الويسكي إلى الدراجات النارية والتبغ.
وذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز”، أن هذه الخطوة تثير المخاوف لدى الشركات، حتى قبل أن تتبنى بروكسل القائمة رسمياً، وأشار مسؤولو الاتحاد الأوروبي، إلى أنهم بحاجة إلى المضي قدماً الآن من أجل الوفاء بالمواعيد النهائية لمنظمة التجارة العالمية، بشأن الإخطار بالتدابير المضادة ضد التعريفة الأمريكية المقررة البالغة 25 في المائة على واردات الصلب، و10 في المائة من الرسوم الجمركية على واردات الألمنيوم.
وعارضت واشنطن خطط الاتحاد الأوروبي المتمثلة في فرض ضريبة على الإيرادات الرقمية لشركات التكنولوجيا الرائدة؛ حيث تستعد بروكسل لفرض إجراءات انتقامية؛ رداً على تعريفات الولايات المتحدة على واردات الصلب والألمنيوم.
وقال ستيفن منوشين، وزير الخزانة الأمريكية، “إن الولايات المتحدة تعارض بشدة مقترحات الضرائب المقدمة من أي دولة على شركات التكنولوجيا؛ حيث كثف الاتحاد الأوروبي جهوده لزيادة الضرائب على مجموعات التكنولوجيا الأمريكية بما فى ذلك “جوجل”، و”فيسبوك”، و”أبل”.
وشدد مسؤلوون في الاتحاد الأوروبي على أن خطة الضرائب الخاصة بالعائدات الرقمية في بروكسل لا تستهدف فقط مجموعات التكنولوجيا الأمريكية، لكن هذه الضريبة ستضرب أكثر من 100 شركة حول العالم.
وتقدر “بلومبيرج إيكونوميكس”، أن حرباً تجارية شاملة يمكن أن تقضي على 470 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2020، مشيرة إلى أنه تم تحديد التوترات الجيوسياسية والخروج السريع غير المتوقع لسياسة التيسير الكمي، على أنها مخاطر أخرى على النهوض العالمي.
أسواق الأسهم قد تكون الضحية الأولى
تُعدُّ الحرب التجارية التى أطلق شرارتها الأولى دونالد ترامب بمثابة انقلاب من الولايات المتحدة على قواعد اللعبة التجارية والمالية التى وضعتها أمريكا وبريطانيا فى عام 1944، فيما عُرف بنظام «بريتون وودز»، وهو النظام الذى أدَّى لنمو التِّجارة الدولية بعد الحرب العالميَّة الثَّانية.
لكن قواعد هذا النظام لم تَعُدْ تتلاءم مع حاضر الاقتصاد الأمريكى، بينما تتكيَّف اقتصاديات أخرى مثل اليابان والاتحاد الأوروبى والصين معها.
لن يقتصر الأمر على انهيار النِّظام المالى القديم، بل من المُتوقع أن تكون أسواق الأسهم هى الضحية الأولى لهذه الحرب، نظرًا لكونها أكثر الأسواق وأسرعها تأثرًا بالأحداث، وقد تكون هذه الانهيارات محدودةً أو شاملةً، وذلك وفق مكاسب كل طرف فى تلك الحرب، ولعل ما يزيد من تأثير تلك الحرب على البورصات أنها مُرتبطة مع بعضها بنظام مُعقَّد، إذ إن انهيار أحدها يؤدِّى إلى انهيارات دراماتيكيَّة فى بقيَّة الأسواق تلقائيًّا، ويدلِّل على ذلك الانهيارات التَّاريخية للبورصة الأمريكية، وكذلك الانخفاضات الأخيرة التى طالت مُعظم الأسواق العالميَّة عقب إعلان ترامب عزمه اتِّخاذ قرار رفع الرسوم الجمركية على الصُّلب والألومونيوم.
أسواق الصرف تتحوط بالملاذات الآمنة
بجانب أسواق الأسهم فإن سوق العُملات من المُنتظر أن تشهد هى الأخرى تقلُّباتٍ عنيفةً على وَقْع هذه الحرب، لاسيما أن أسعار العُملات مرتبطة بالأساس بحجم التجارة الدولية للدولة مُصدِّرة تلك العملة، بالإضافة إلى أن الحرب ستتحوَّل لحرب عملات ستسعى الأطراف فيها لتدمير عُملة خصومها، ويشير الخبراء إلى أن العُملة الأمريكيَّة قد تتهاوى أسعارها فى حال أقدمت الصين على ضخ احتياطياتها الضخمة من الدولار، والتى تُقدَّر بـ3 تريليونات دولار فى الأسواق الدولية.
وفي أسواق الصرف الأجنبية، لا ينتظر المستثمرون لمعرفة عما إذا كانت جميع التهديدات الجمركية ستؤدي إلى حرب تجارية شاملة.
ويشير تقرير نشرته شبكة “بلومبرج” إلى أن بعض مديري الأموال بدأوا في تحويل أموالهم إلى الملاذات التقليدية مثل الين، في حين ابتعد آخرون عن العملات تماماً وحتى أولئك الذين لا يراهنون كثيراً سوف يلجأون إلى التحوط تحسباً لأي وضع.
ويرى “جين تانوزو” مدير محفظة في شركة “كولومبيا ثريدنيدل” أن العملات يمكن أن تكون صغيرة جداً لكنها ذات آثار قوية، حيث يمكن أن يؤدي استثمار قليل منها إلى تأثير كبير.
وجاء أول رد فعل للمتعاملين من خلال تعزيز حيازتهم للين الياباني، ثم الفرنك السويسري لكن بدرجة أقل، حيث وصلت العملة اليابانية في الأسبوع الماضي إلى أعلى مستوى منذ عام 2016 بالتزامن مع الإفصاح عن الرسوم الجمركية.
وبالنسبة لبعض المستثمرين، فإن التحرك الأمريكي مقابل الصين من شأنه أن يشير إلى خطر متزايد من إجراءات الانتقام المتبادل.
ولا يتجاهل مدير المال في “جي.إيه.إم” البريطانية “أدريان أوينز” الخطاب بشأن التجارة، فبالنسبة له أفضل طريقة هي التنقل بين العملات التي يمكن أن تحمل تقلب مؤقت، على حد قوله.
ويركز “أوينز” على عملتي النرويج والسويد، والسبب في ذلك أن العملة الأخيرة تبدو رخيصة في حين تشير البيانات إلى قوة الاقتصاد.
وقال “أوينز” الذي تدير شركته حوالي 170 مليار دولار، إنه يحب هذا النوع المميز، معترفاً بأن أحد المخاطر هو تدهور الموقف مع ترامب ليصل إلى الحرب التجارية.
وأوضح أنه من أجل الحماية من مخاطر انخفاض الكرونة التي يصاحبها تصاعد التوترات التجارية وتقويض النمو الاقتصادي العالمي بالإضافة إلى الطلب على النفط النرويجي، فإنه يتحوط من خلال المراكز التي تحقق أرباحاً من مكاسب الين.
ويقول “مايك موران” رئيس قسم الأبحاث الاقتصادية في “ستاندرد تشارترد” إن تراجع الإنتاج العالمي وانخفاض رغبة المخاطرة من شأنه أيضاً أن يهدد عملات الدول الناشئة.
ويضيف أن هذا النوع من الحروب التجارية لم يوفر بيئة جيدة بالنسبة للأسواق الناشئة على الإطلاق، مشيراً إلى أن تلك الدول تعتبر أكثر حساسية للتجارة العالمية وبالتالي فإن أي ضرر فيها يؤثر سلباً عليهم.
وعلى النقيض، يراهن “ريتشارد بينسون” رئيس استثمارات المحافظ في “ميلنيم جلوبال” والتي تدير أصولاً قيمتها 14 مليار دولار، على العملة الصينية كونها ستستفيد من التوترات التجارية.
فيما يصف “تانوزو” مدير محفظة بـ”كولومبيا ثريدنيدل” الوضع الراهن بأنه سيف ذو حدين، موضحاً أنه يجب أن يتم تعزيز الدولار في نهاية المطاف على المدى القصير مقابل العملات التي ستتأثر بقرار التعريفات.
لكن الدولار يمكن أن يظل على المدى الطويل تحت الضغط بشكل عام كونه مطالب بتمويل العجز الكبير والمتنامي في الحساب الجاري.
تراجع الطلب على المواد الخام والسلع الأساسية
ساهمت أجواء التوتر السائدة في حركة التجارة العالمية بتراجع أسعار السلع الرئيسية على نطاق واسع. ويمكن للمخاوف الناجمة عن احتمالات نشوب حرب تجارية أن تسبب ضرراً بالغاً على توقعات النمو العالمية، وبالتالي حدوث تراجع كبير في الطلب على المواد الخام.
وأكد تقرير صادر عن قسم استراتيجيات السلع في «ساكسو بنك» هبوط أسعار المعادن الصناعية إلى أدنى مستوياتها خلال أسبوعين، بينما انخفضت أسعار النفط بالتزامن مع انتقال التركيز نحو ارتفاع مخزوناته، في حين بدأت عمليات جني أرباح المحاصيل الزراعية الرئيسية في أعقاب الارتفاع الأخير الذي شهدته أسعارها نتيجة للأحوال الجوية القاسية.
المعادن الصناعية
من جانب آخر، يشهد تداول المعادن الصناعية – باستثناء النيكل – انخفاضا على مدار العام نتيجة للمخاطر المتعلقة بالحروب التجارية، والتي تضاف إلى المخاوف المرتبطة بالتوقعات قصيرة إلى متوسطة الأمد والخاصة بمعدلات النمو والطلب في الصين. ويأتي ذلك في وقت يمكن فيه لانتقال الصين من النموذج الاقتصادي القديم إلى نموذج جديد وأقل كثافة في السلع أن يؤثر سلباً على معدلات الطلب.
وبدأ الزخم القوي الذي شهدته عقود النحاس، بعد هبوطه إلى أدنى مستوياته خلال عام 2016، بالتلاشي خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث كافحت أسعار النحاس للارتفاع فوق عتبة 3.30 دولار للرطل، وهو ما يشكل تراجعاً بنسبة 50 في المائة عن الارتفاع الذي شهدته عمليات البيع في الفترة بين عامي 2011 و2016، ولا يزال السعر عالقاً ضمن نطاق دعم يقل بشكل طفيف عن 3 دولارات للرطل.
خسائر على المدى الطويل
وإذا كان البعض سيستفيد على المدى القصير، فإن مجمل الدول بمن فيها الدول العربية ستخسر من تبعات حرب تجارية عالمية بسبب النزعة الحمائية الجديدة للولايات المتحدة، وتطبيق هذه الحمائية بشكل انتقائي في مختلف الدول ومن ضمنها دول الاتحاد الأوروبي والصين. هذه الحمائية، التي تعني فرض رسوم جمركية عالية أو وضع شروط فنية تعجيزية على الواردات تقلص التجارة العالمية وتقود إلى تراجع النمو العالمي. ومن تبعات ذلك تراجع الطلب على مصادر الطاقة. وبما أن النفط والغاز يشكلان العمود الفقري للصادرات العربية، فإن الأضرار ستكون كبيرة جداً، بل باهظة، جراء أية حرب تجارية قادمة. وحتى الولايات المتحدة نفسها لن تسلم من ذلك، لاسيما وأنها تخطط لرفع إنتاجها من النفط الصخري والتحول إلى واحدة من أهم الدول المصدرة له في غضون السنوات العشر القادمة.
أضف تعليق